طالما راودت عبدالفتاح المسهلي أحلام طموحه بإكمال دراسته الجامعية في جمهورية مصر وتحقيق النجاح الذي يعود به فخوراً به إلى وطنه اليمن. وبالفعل فقد حصد الدرجة النهائية وحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المعمارية بامتياز مع مرتبة الشرف من جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، ليحتل بذلك المركز الأول على دفعته، وبإشادة عالية من المحكمين بمشروع تخرجه الأكثر من ممتاز. وإذ إن أحلامه راودته منذ البدء بالعودة إلى اليمن حيث يعتقد أنه سيحظى بالقدر اللازم من الاحتفاء، فلم يدر بخلده أن الجامعة التي درس بها هي من سيعود إليها لتحوطه باهتمام أكبر وتعرض عليه أن يكون أحد كوادرها الأكاديمية. الآن بات الخيار المنطقي أمام عبدالفتاح هو العودة إلى بلده (اليمن) ممتلئاً بالنجاح الذي حصده، ومعتداً بأنه واحداً من الطلاب الذين يستحقون فعلاً المنح الدراسية على نفقة الدولة، على الرغم من أنه ظل يدرس عامين ونصف على نفقته الشخصية، قبل أن تتكفل الدولة بذلك. ربما إلى هذه اللحظة لم يكن يعلم ما هو المصير الذي ينتظره. ويبدو أن لا أحد يعرف مقدار الجهد الذي تكبده طيلة سنوات دراسته غير نفسه. يتحدث عبدالفتاح قائلاً "لم أصل إلى هذا النجاح إلا بعد مجهود جبار وقبل ذلك دعاء الوالدين ودعمهم المادي والمعنوي، حيث أنني درست سنتين ونصف على حسابي الشخصي قبل أن أكمل الدراسة على حساب الدولة". كان من حق عبدالفتاح أن يصبح معيداً في إحدى جامعات اليمن، أو يحظى بوظيفة حكومية تقديرا لتميزه ونجاحه، غير أن شيئا من ذلك لم يحدث، إذ تساقطت معاني النجاح وتقدير الكفاءات وجهد سنوات على عتبات جامعة صنعاء، والخدمة المدنية بمحافظة حجة، حيث ينتمي إليها المسهلي. "صدمت برد الجهات المعنية في اليمن والاستقبال الذي قوبلت به، لم أرى فرقاً بين التقدير المقبول والامتياز".
ويضيف أن رئيس قسم الهندسة المعمارية بجامعة صنعاء رد عليه حينما تقدم بملفه لغرض تعيينه معيداً "لا أريدك أن تنصدم بالواقع، فلا توجد درجات وظيفية وعليك الانتظار من 5- 10 سنوات بالتعاقد مثلك مثل غيرك من المهندسين المتعاقدين بالسنوات". كان هذا الموقف قاسياً بما فيه الكفاية بالنسبة لطالب حائز على درجة امتياز في تخصص علمي، ويحظى بتقدير أساتذته واهتمامهم بذكائه وتميزه وإشراكه في تصاميم النماذج الهندسية. لكن عبدالفتاح كان لا يزال يحتفظ ببصيص أمل، وراح لتقديم ملفه ثانية ولكن هذه المرة إلى الخدمة المدنية في محافظة حجة عله يحصل على وظيفة ملائمه تعينه على مواصلة دراساته العليا، غير أن الواقع كان أسرع للقضاء على أي آمال تذكر، إذ رفض مدير الخدمة استلام ملفه بعد أن عرضه عليه، واكتفى بالقول "تعال السنة القادمة".
ربما لم يكن يتوقع المسهلي أن ينتهي مشواره العلمي بهذا السيناريو الحزين والمؤلم في آن، غير أن لا شيء صعب يقف في طريق من يملك الإرادة والتصميم على النحت في الصخر، على أن الحياة ستأخذ دورتها ليأخذ كل شخص مكانه المناسب الذي يصبو إليه. هكذا يبدو عبدالفتاح، لذا قرر العودة إلى القاهرة لمواصلة دراسة الماجستير، مؤمناً بأن العلم له قيم أرقى بكثير مما واجهه في طريق بحثه على وظيفة يستحقها. يؤكد: "تركت الكثير من العروض والاغراءات التي كانت تأتيني منها في شركات سعودية وإماراتية وعمانية وبمرتبات مغرية إلى جانب الفيزا والسيارة والسكن، لكنني فضلت الدراسة".
عاد إلى القاهرة مرة أخرى، وتحديداً إلى الجامعة ذاتها التي حصل على شهادة البكالوريوس منها لإكمال دراسة الماجستير، والراجح أن مسؤولي الجامعة لم يكونوا يتوقعوا أن يعود طالب من بلد آخر يعرفون ذكائه وتميزه ثانية إليهم، أو بالأصح لم يكونوا على علم أن ثمة بلد يلفظ مثل هؤلاء الأبناء خارج أسواره، غير مدركاً لقيمة الإنسان. وغير بعيد أن تكون عودة المهندس عبدالفتاح محمد يحيى المسهلي بالنسبة لجامعة مصر بمثابة الصيد الثمين، لذا فقد تم تعيينه معيداً في الجامعة فور وصوله لغرض الدراسة ليعد الآن أول معيد يمني يدرس في جامعة مصرية. بقدر ما يبدي عبدالفتاح سعادته بهذا التعيين، يتحسر إزاء تلك الآمال التي راهن على تحقيقها في وطنه، فكان حليفه العكس تماماً.