هل ما يحدث اليوم في الجنوب اليمني أو ما يحلو لأصحابه أن يسموه ب "الجنوب العربي" نذير لحرب أهلية ستلتهم الأخضر واليابس في أرض لم تعد قادرة على لملمة جراحها وسد أبواب الشر المفتوحة عليها؟!
وهل إقامة حفل بيوم 21 فبراير يستحق ردة الفعل العنيفة التي ووجهت به الفعالية وتسيير مسيرة اعتراض على ذلك؟
وهل تحرك الحراك الجنوبي السلمي ضد هذه الفعالية يستحق ذلك العنف الذي اتسمت به ردة فعل الأمن وحزب الإصلاح - كما يردد الحراك - ليسقط شهداء وجرحى وتسيل الدماء ويتأجج الوضع ليأخذ هذا الحجم من العداء والعنف والعنف المضاد؟!
من الذي يقف وراء كل هذه الأمور التي لن تأخذنا إلا إلى نهاية حتمية واحدة ألا وهي الحرب الضروس، من أجل ماذا؟
وهل تحالف اخواننا في الحراك الجنوبي مع الحوثيين ومع بقايا النظام السابق هو ما سيسهل لهم الانفصال؟ أنّى لهم أن يُصافحوا ذات اليد التي سلبت حقوقهم ليستعيدوها بالتجزئة والتشظي، ليرتموا في أحضان من ظلمهم؟
هل سمو غاياتنا يبرر الوسائل المستخدمة في هذه الحرب القذرة، والتي تحصد أرواح اليمنيين البريئة وتسرق سكينتنا وأمننا وتجعلنا في مهب الريح؟ وهل تبرر انطواء الأخوة في الجنوب تحت عباءة من قتل منهم في الماضي الذي لا ينساه منهم أحد 14 ألفا في يناير الأسود؟ وهل تبرر ارتفاع الصوت الداعي لتأجيج هذه الحرب والنفخ فيها بكلامهم الذي لا يدعو إلى التعقل ولا إلى ضبط النفس وإعادة تنصيب الأمور لوضعها الصحيح؟
جميعناً يعلم ويُقر بعادلة القضية الجنوبية، وجميعنا مع إعادة الحقوق لهم ورد اعتبارهم المهدور وكرامتهم المسلوبة، ولكن هل هذه هي الطريقة المُثلى للحصول على مطالبهم؟! إن عدالة القضية ونبلها لا يبرران كل ما يحدث، وبالمقابل إن الحفاظ على الوحدة لا يبرر كل العنف المضاد الذي قُوبلت به الأعمال السلمية وغير السلمية كالاعتداء على ساحات الاعتصام سابقاً وإحراق الخيم والمظاهرات السلمية التي لا تتصف بالسلمية في أغلب الأحيان، وإحراق مقرات الإصلاح، وآخرها إحراق أحد الباعة المتجولين في مديرية سيئون، بأي ذنب أُحرقت، وتزهق هذه الأرواح من الطرفين؟
في هذه المعمعة، ترتفع أصوات بالثأر، وتحمل في نبراتها الشؤم والحقد، منادية بالعنف، تُألب طرفاً على آخر، من غير وازع من دين أو ضمير، لا همّ لها إلا الانتصار لذاتها ولفكرتها أو الترويج لبضاعة من يدفع لها وبث ودس السم في العسل، متناسية شرف المهنة وخطورة ما تقوم به، وأنها تُساهم بذلك في إزهاق أرواح بريئة ستتلطخ أيديهم وأقلامهم وذممهم بدماء من سيسقط في هذه الحرب التي يوقدون لها بكلماتهم المشتعلة "فتنة"..
لتخرس جميع الأقلام وليجف حبرها ولتصمت قليلا ولنتوقف قليلا على حقيقة ما يحدث ولمعرفة من المستفيد من فشل ثورتنا وتقسيم اليمن...
مشكلتنا الحقيقة تكمن في أننا نُجيد صناعة الاختلاف ولا نتقن فنّ الخلاف بشرف، كما كان يختلف من قبلنا، ولم يعد للرجولة في قاموسنا الحداثي أي معنى أو مرادف، ولا نهتم بكم الزور والكذب والافتراء الذي نستخدمه في منازلة خصومنا السياسيين، ولا نكترث للخسائر والمصائب التي قد نسببها للوطن..
مشكلتنا تكمن في غياب مفهوم العدالة والإنصاف الذي قد يضمن للآخر حقوقه، حتى حين خلافنا لم يعد للأخلاق النبيلة ولا للمنافسة الشريفة أي وجود في هذه الأيام، تلك الأخلاق التي لم تمنع أبا سفيان ألاّ ينكر شمائل وصفات سيدنا - محمد صلى الله عليه وسلم - لدى ملك الروم، حين سأله عنه، رغم اختلافه الشديد وعدائه له، هذه المفاهيم فقدت معانيها في دهاليز السياسة التي تجعل من المُمكن أياً كان هو الخلق الذي نحارب به منافسينا...
وفي الأخير، اذنوا بحرب تأكل الحاضر والمستقبل بما كسبت أيديكم، إذا لم تعودوا إلى صوت العقل وتحكموا المنطق في خلافاتكم، وإذا لم تختلفوا كما تختلف الرجال..