كانت الشرارة الأولى لثورة الربيع العربي في تونس حينما أحرق محمد البوعزيزي نفسه في مطلع عام 2011، ثم انتقلت الى مصر ثم امتدت الى اليمن وليبيا وسوريا ثم العراق مؤخرا، ولازالت تتفاعل وتتقد جذوتها في المشرق العربي وفي مغربه، كما تطل برأسها في بعض دول المنطقة وتختفي طوعاً أو كرهاً. وقد أذكت تلك الثورات وزادتها اشتعالا وتفاعلا حالة التدهور السياسي والديمقراطي والانتهاك للحقوق والحريات والوضع الاقتصادي المتردي والمخيب لآمال الشعوب العربية وشبابها، فضلا عن ارتفاع منسوب السخط الاجتماعي للأنظمة السياسية الحاكمة التي باتت قيدا على حريته وكرامته وتطلعاته في الحياة الكريمة والعدالة.
واليمن لن تتخلف عن ذلك الركب، فقد انطلقت ثورة الشباب في أوائل فبراير2011 واتخذت من ساحات التغيير والحرية في محافظات الجمهورية منطلقا لها، وعلى نحو غير مسبوق في تاريخ اليمن، وقد أنجزت بعض أهدافها بإسقاط النظام العائلي وقطعت أشواطاً كبيرة في تحقيق أهدافها الأخرى.
إنه وبعد مرور عامين على اندلاع الثورة الشبابية يبرز التساؤل من جديد عن الاسباب الحقيقية والعوامل الرئيسية التي أدت الى اندلاع الثورة والى أي مدى استجابت لتطلعات الشعب في العيش الكريم والعدالة والمساواة، إنها مقاربة متواضعة لقراءة الاقتصاد اليمني والسيناريوهات في ظل ثورة الربيع العربي.
الوضع الاقتصادي لدول الربيع العربي 1- فشل نموذج التنمية: حققت اقتصاديات دول الربيع العربي نموا اقتصاديا إيجابيا وإنجازات معتبرة لا يمكن نكرانها على مستوى الاقتصاد الكلي ولكنها اخفت اخفاقات اقتصادية واجتماعية من أبرزها مصادر النمو السريع.
• النمو في القطاعات التي لا تولد فرص عمل مثل قطاع النفط والبترول والتجارة, وجزء كبير من النمو الاقتصادي ناتج من تدفق رؤوس الأموال الأجنبية. • لم يواكب النمو السريع زيادة في فرص التشغيل مع زيادة النمو السكاني. • عجز الاقتصاد عن استيعاب الجزء الاكبر من الداخلين على سوق العمل • معدل البطالة العربي 12%. • البطالة في الشباب وهم الفئة العمرية 15-24 سنة وصلت الى 25%
2- توزيع الدخل والفقر: • تفاقم ظاهرة الفقر في بلدان الربيع العربي، (مصر 45%). • 40% من السكان يحصلون على 22% من الدخل القومي. • 20% من السكان يحصلون على 40% من الدخل القومي. • انتشار ظاهرة الإحباط في صفوف الشباب الذين ليس لديهم مستقبل.
3- الأسباب الاقتصادية لثورة الربيع العربي: • ارتفاع نسب البطالة: بلغت البطالة 32 مليون شخص سنة 2010، وتسجل المنطقة "أعلى معدل بطالة لدى الشباب على الصعيد العالمي حيث يبلغ 23.2 في المائة بالمقارنة مع المعدل العالمي البالغ 13.9 في المائة".
• التفاوت في توزيع الدخل والثروة وجود طبقتين إحداهما غنية غنى فاحشا قليلة العدد، والأخرى فقيرة، بالإضافة لتهميش الطبقة الشبابية المتعلمة التي تمثل حوالي 50 في المائة من إجمالي السكان في البلدان العربية. • الواقع الاقتصادي والاجتماعي الرديء الذي خلفته ممارسات الأنظمة الحاكمة، على امتداد عقود طويلة، وأدى إلى تفاقم مظاهر البطالة والفقر والفساد والتخلف وكبت الحريات وانتهك إنسانية المواطن.
• انتشار الفساد والركود الاقتصادي وسوء الأحوال المَعيشية، إضافة إلى التضييق السياسي والأمني وعدم نزاهة الانتخابات في معظم البلاد العربية.
• لا تزال المنطقة العربية «من بين المناطق الأقل تنافسية على المستوى العالمي. وقد فشلت الإصلاحات في معظم الأحيان في ضمان تكافؤ الفرص في السوق... كما بقيت معدلات الاستثمار منخفضة».
• تسجل المنطقة العربية أعلى معدلات الهجرة لدى المتعلمين وأصحاب المهارات، كما أن العمال المتعلمين لا يتقاضون أجرا أعلى بكثير من العمال الأقل تعليما.
• إن ارتفاع معدلات العمل غير المنتظم وتراجع معدلات مشاركة المرأة في سوق العمل إلى جانب تزايد معدلات البطالة يسهم في الحد من التغطية في مجال الضمان الاجتماعي.
• التهميش الاجتماعي والاقتصادي للشباب نتيجة اختلالات سوق العمل، الذي ارتبط باتساع التفاوت وتزايد ضغوط الفقر، كان محفزا لإثارة «السخط» على الأنظمة القائمة. ولم تتقصر المشكلة على عدم توفر فرص عمل، بل ان كثيرا من الفرص التي تتاح للشباب في سوق العمل غير لائقة بالمؤهل العلمي الذي حصلوا عليه. • لم تعد الشعوب تسأل فقط عن الخبز وحده، أو عن رفع الأجور أو حل مشكلة الإسكان وخفض مستوى أسعار السلع الضرورية، أو البحث عن وظيفة تضمن لقمة العيش، لأن كل هذه المطالب تصبح في وقت ما فقط جزءا من مشكلة كبرى، لأن الثورات تكون هنا للكرامة وتوفير الحقوق الاقتصادية الكلية من تعليم ورعاية صحية ومستوى معيشي لائق.
الخلاصة • لن تنجح الثورة في كل دول "الربيع العربي" إلا بإنجاح الاقتصاد، لأنه لا حرية ولا كرامة بدون ضمان العيش الكريم، من خلال مورد رزق يضمن دخلا للمواطن وفرصة عمل حقيقية وسلعة في متناول يديه.
• يجب على الحكومات أن تنتهج سياسات اقتصادية تخدم للشعوب أولا، ومستقبل الأجيال القادمة، وذلك من خلال: • توفير فرص العمل وتنشيط القطاعات المنتجة محليا، ودعم القدرة على المنافسة ما يتطلب مزيدا من المشروعات خاصة الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر التي تستوعب البطالة في هذه البلدان.
• احتمالات نمو اقتصاديات دول "الربيع العربي" قوية، إذا ما علمنا أن هذه الدول لديها طاقات بشرية شابة، تمكنها من تحقيق أهداف التنمية الشاملة والتغلب على التحديات التي تراكمت قبل الثورات أو كنتيجة لها، وإطلاق روح المبادرات الفردية لدى الشباب وتوفير التمويل اللازم لتحقيق أهداف التنمية.
• العدل الاقتصادي والاجتماعي والقضاء على كل مظاهر الفساد.
• ويقدر صندوق النقد الدولي أن دول "الربيع العربي" ستكون بحاجة إلى مساعدات مالية بقيمة 160 مليار دولار خلال السنوات الأربعة المقبلة، لمواجهة التحديات في المدى القصير.
التنمية في اليمن خلال الأربعة العقود الماضية 1-حصاد أربعة عقود من التنمية رغم أهمية الجهود التنموية التي بذلت خلال الحكومات المتعاقبة والبرامج الاقتصادية والإصلاحات الإدارية والمؤسسية والخطط والاستراتيجيات متوسطة وطويلة المدى، إلا أن مؤشرات التنمية أسفرت عن حالة من الفشل التنموي في تحقيق الأهداف التنموية وتطلعات اليمنيين، فاليمن لازال يصنف على المستوى العالمي ضمن قائمة الدول الأقل نموا التي تستحق دعم المجتمع الدولي وعون الدول الغنية، حيث لا يتجاوز متوسط دخل الفرد السنوي حوالي 1200 دولار وهو من أقل الدخول على المستوى الإقليمي، ومعدلات الفقر التي طالت أكثر من 54% من السكان والتي تعني في أحد جوانبها الحرمان من الحياة المعيشية اللائقة ومن الحصول على الخدمات الأساسية في التعليم والصحة والرفاهية. وفي جانب الشباب فإن نسبة البطالة في صفوف الشباب (15-24سنة) تصل إلى 53%.
2- الحرمان من الحقوق الاقتصادية 42% من السكان لا يحصلون على حاجاتهم الأساسية بل إن 47% من السكان يقل دخلهم عن دولارين (420 ريال في اليوم الواحد)، و33% من السكان داخل هذه الفئة لا يحصلون على غذاء كاف. من ناحية أخرى فإن الخدمات العامة الأساسية قاصرة عن أن تلبي الحد المقبول. فالتعليم الأساسي يتسرب منه حوالي 30% من الأطفال في سن السادسة ويشهد التعليم بكل مكوناته حالة من الاختلال والتراجع في كفاءته وجودة مخرجاته. أما الخدمات الصحية فإنها لا تصل إلا إلى حوالي نصف السكان، كما ان نسبة الأمية 45% وفي مجال خدمات المياه النظيفة والآمنة عبر الشبكة العامة فإن ثلاثة أرباع السكان لا تصل إليهم بالإضافة إلى أن الكهرباء والتي لا تغطي سوى 42 % من السكان. وبجانب ذلك كله فإن المتوفر من الخدمات المتعلقة بالحفاظ على الأمن والممتلكات والسكينة العامة وتحقيق العدالة لا تتجاوز 33% فقط.
3- المبررات الاقتصادية للثورة إن هذه الأوضاع التي وصل إليها اليمن وآلت إليها حياة المجتمع قد وفرت مبررات كافية لقيام ثورة الشعب السلمية بخلاف المبررات الأخرى المتعلقة بغياب دولة النظام والقانون ودولة المؤسسات، فضلا عن استشراء الفساد وإفساد الذمم واحتكار السلطة والثروة وسيطرة أجندة التوريث والتأبيد على أولوية التنمية والتطوير. إن تلك المآلات والأوضاع التي قذفت باليمن واليمنيين إلى خارج المسار الطبيعي للتطور المستدام هي في واقع الأمر نتاج لتبني سياسات مجتزأة وبرامج انتقائية ومعالجات مهدئة شوهت البنيان الاقتصادي والمؤسسي والإداري وأوهنت عوامل القوة فيه.
فعاليات البرنامج الفكري الثقافي للعام 2013 الثلاثاء 26 فبراير 2013 مركز منارات- صنعاء