مع أن الرياضة يفترض فيها كما يقال أن تكون وسيلة لتهذيب الأخلاق، وتقريب المشاعر بين بني الإنسان؛ إلا أن ظاهرة «العنصرية» وخاصة في ملاعب كرة القدم صارت مشكلة عويصة؛ حتى أن الاتحاد الأوربي أنشأ لجنة خاصة في الملاعب لمحاربة ظاهرة العنصرية الآخذة في التزايد! ومع أن القارة الأوربية يفترض فيها أنها أرقى المجتمعات البشرية مادياً، وتتمتع بحياة سياسية لا صلة لها بالاستبداد السياسي والقمع الذي يقال إنه سبب نشوء الأزمات والتشوهات في بلدان القمع والاستبداد؛ إلا أن ملاعب أوروبا هي بلد المنشأ ل«العنصرية» الرياضية.. وخاصة بعد أن فرضت تطورات لعبة كرة القدم: مالياً وإعلامياً، وتحولها إلى عمل اقتصادي يقوم على المكاسب والأرباح؛ أن تستعين الأندية الأوروبية باللاعبين من خارج نطاق القارة العجوزة.. وبالتحديد من أمريكا اللاتينية حيث مخازن اللاعبين العظام في البرازيل والأرجنتين.. وأفريقيا!
الرافد الثاني للاعبين من غير الأوروبيين هم أولئك اللاعبون الأوربيون من أصول أفريقية وعربية الذين صاروا يمثلون نسبة جيدة في قوام الأندية والمنتخبات الأوربية، وهؤلاء يمثلون مثلاً وجوداً مؤثراً في منتخبات مثل فرنسا وهولندا. وفي يوم ما قريب كان معظم لاعبي المنتخب الفرنسي من أصول أفريقية وعربية؛ حتى ضجت عروق السياسي العنصري الفرنسي «لوبوان» من ذلك؛ وسخر من وصف المنتخب بأنه «فرنسي» مع وجود غالبية من أصول أفريقية وعربية!
وفي الملاعب الرياضية لم يعد نادراً أن تشهد مباريات كرة القدم ممارسات عنصرية ضد اللاعبين العرب (المسلمين) أو الأفارقة (السود).. وفي آخر هذه الممارسات ابتكر المشجعون المتعصبون أساليب جديدة مثل تلك الهتافات العنصرية التي أطلقها مشجعون إيطاليون ضد لاعب أفريقي في صفوف فريق توتنهام الإنجليزي.. حيث قاموا بتقليد أصوات القردة، ورفع عناقيد الموز باعتباره «قرد» جاء من أدغال أفريقيا! وهؤلاء العنصريون لا يعلمون أن أفريقيا هذه كانت أحد الأسباب الرئيسية للتقدم الخرافي الذي تعيشه أوروبا؛ فمن مناجمها وغاباتها وثرواتها الأخرى صنعت بلدان حضارتها، ومنحت سكانها رفاهيتهم التي يتباهون بها الآن!
وخلال السنوات الماضية تزايدت أخبار الممارسات العنصرية في بعض البلدان الأوربية ضد غير الأوربيين؛ كالقتل، وحرق المنازل، وتدمير المقابر لغير المسيحيين وتلطيخ الجدران بشعارات عنصرية، حتى وصلت الكارثة إلى العمل السياسي (المفترض أنه في مجتمع علماني) حيث ظهرت الأحزاب اليمينية المتطرفة في كثير من بلدان أوروبا الأكثر رقياً وتمدناً، ولب سياستها: الحفاظ على هوية أوروبا: المسيحية ديناً، الرومانية والإغريقية فكراً وثقافة من غزو الأجانب وخاصة المسلمين.. في ما يمكن اعتباره صناعة جديدة لعنصرية النازية الألمانية والفاشية الإيطالية!
وأخبرني أحد الأصدقاء الذين ذهبوا للدراسة إلى ألمانيا على نفقتهم الشخصية؛ أنه اضطر في وقت للعمل لتوفير بعض مصاريفه، ووجد عملاً في أحد الملاجيء الخاصة بكبار السن، حيث كانوا يقومون بخدمتهم حتى في أخص أحوالهم الإنسانية عندما يذهبون إلى دورات المياه، ومع ذلك فقد كانوا لا ينادونهم وهم يخدمونهم إلا بأحط الكلمات: تعال أيها الزنجي.. اذهب يا زنجي.. فقط لمجرد أنه ليس أبيض اللون!
د. عبد الوهاب المسيري يروي في مذكراته حكاية عجيبة عن عقدة اللون في المجتمع الأمريكي حيث عاش هناك في ذروة نشاط حركة الحقوق المدنية للأمريكان من أصل أفريقي، والحكاية رواها له أمريكي أسود، وحدثت له عندما انتقل إلى بلدة بعيدة عن مسقط رأسه للدراسة، فعندما استقل حافلة رآه طفل أمريكي أبيض فأقبل عليه الطفل وراح يلحس يديه.. ولم تزل دهشة الرجل حتى قالت له والدة الطفل معتذرة إنها المرة الأولى التي يشاهد فيها طفلها رجلاً أسود، وقد ظن أنه مغطى.. بالشوكلاتة!