لا أسوأ على الإطلاق من أن تنصرف صحافتنا المحلية، أو بمعنى أدق جلّها، عن هموم الطبقة المسحوقة، وتبقى أسيرة لفئة السياسيين الكبار، مقايلهم، حكاياتهم، تبادل تهنئاتهم بتخرج أولادهم، وسفرياتهم .. فيما البقية الباقية من أبناء الشعب لا يدخلون ضمن أجندات هذه الوسائل الإعلامية. فأخبار وآراء صحافتنا تكاد تكون محصورة الاهتمام في متابعة نجوم السياسة والمال و ال10% ممن يعيشون على حساب النسبة المتبقية من أبناء هذا الشعب المغلوب على أمره.
نتعرض يومياً لمشاهد قاسية في الجولات، وأمام المستشفيات والأسواق العامة، أطفال في مقتبل العمر يسألون الناس، ويستجدونهم قيمة لقمة العيش.
في الجامع وبعد أن يفرغ الناس من صلاتهم، ينط أكثر من شخص تبدو عليهم علامات الإجهاد والتعب، ليلقون على مسامع الناس كلاماً يستنهض عاطفتهم، أمه أو زوجته أو ابنه مريض ولا يلقى ثمن علاجه، أسرته مهددة بإخراجها من منزلها ما لم يدفع إيجار الشهرين الفائتين؛ وآخر يقسم أنه لم يذقْ طعاماً منذ طلعت شمس يوم أمس.
طفلتان كانتا تسألان كل من يدخل أو يخرج من المستوصف، هنّ في عمر السادسة والسابعة تقريباً.
لفت نظري أحداهن وهي تطأطئ رأسها إلى أسفل، فسألت الأخرى عن حالها، وما إذا كانت مريضة، فردت : "ولا شيء، ما بلا جوعانة"! يا إلهي كأنني أول مرة أسمع بهذه الكلمة "جوعانة".
تُرى مَنْ لهؤلاء الجوعى، وكم جائعاً في منزله لا نعلم عنه شيئاً، حبسهم التعفف، والحياء من سؤال الناس؟!
نسبة الفقر تزيد على 50% والبطالة تتجاوز ال40% ومؤشرات الجوع في المناطق الريفية تزداد، والوضع الاقتصادي والإنساني للأسر اليمنية في تردٍ، كل هذه القضايا لا تجد اهتماماً يليق بها من قبل الإعلام، وإن حدث فبنسبة ضئيلة جداً.
كم نحن بحاجة إلى إعلام ينتمي إلى هموم المواطن البسيط، ويساعده على تخطي مشاكله، ويقدم له حلولاً لقضاياه، بدل الشحن السياسي الذي لا طائل من وراءه.