[1] مع أن تحريم العمل الحزبي في القوات المسلحة والأمن من بدهيات المعايير في أي نطام ديمقراطي تعددي، وكان مطلباً من فجر الوحدة لولا المهيمنون على جيشَي اليمن؛ إلا أن البعض يتعامل مع إقرار ذلك في مؤتمر الحوار وكأنه معجزة اجترحت لم تكن لتتم بسهولة.. أو كأن كان هناك في مؤتمر الحوار من يطالب بتحزيب الجيش والأمن ويرفض مبدأ حياديتهما، وإبعادهما عن العمل السياسي.. ولذلك بدا البعض وهو يهلل لتقرير مبدأ تحريم الحزبية وكأنه في مولد أو حلقة زار لإثبات مصداقيته في حب الولي أو تحريم الحزبية في الجيش والأمن!
المثير للقرف أن أكثر الجهات التي تتظاهر بالسعادة كانت هي المسؤولة عن تحزيب الجيش اليمني؛ لحزب واحد لا شريك له في الجنوب، أو لحاكم فرد ولجميع الأطراف الحزبية والقبلية في الشمال، وفي الأخير تقزم الجيش في الشطرين ليكون جيشاً لمجموعة من المديريات العصبوية، حتى كانت أسماء قياداته الكبرى تكاد تنحصر في تلك المديريات المحظوظة مع تطعيم القيادة بأسماء من مديريات (صديقة) لغرض البرستيج الوطني، وليصدق المغفلون في الأرض أنه كان في اليمن يوماً ما جيش وطني لليمن والشعب وليس لفرد أو حزب.. إن لم نقل لمديرية أو ثلاث!
الكرامة الحقيقية أن الجيش اليمني بقسميه استطاع أن يظل موجوداً على وجه الحياة؛ رغم كل المؤامرات والتصفيات السياسية والمناطقية والقبلية التي تعرض لها منذ سيطر الثوار في صنعاء وعدن على مقاليد السلطة بعد سقوط الإمامة ورحيل الاستعمار وخلال خمسين عاماً بعدها.. والغالب أن أعداد المسرحين والمقصيين والمنقطعين خلال الفترة المذكورة يشكلون جيشاً لحاله إن لم نقل جيشين أو أكثر، وفيه من الكوادر المؤهلة الكثير. هذه حقيقة لدى كثيرين فقط إن خلع البعض رداء الحزبية وهو يتحدث عن مسار تطور الجيشين اليمنيين في الشمال والجنوب، فكلا الجيشين ابتلي بالتصفيات الحزبية والقبلية/ المناطقية دون استثناء، ومن المخجل أن يحاول البعض أن يزوّر تاريخ الجيشين لغرض في نفس فلان أو علان، فكل ما حدث في شطري اليمن من تصفيات حزبية وقبلية/ مناطقية للجيش معروفة ومسجلة، وكثير من ضحاياها وشهودها ما يزالون أحياء، يقصون من ذكر مأساتهم وتهمل معاناتهم كما سبق وأقصوا وشردوا.. وعلى أيدي نفس الفصيل السياسي!
[2] في إطار الحديث عن الجيش اليمني؛ لفت نظري ما قيل إن بعض المكونات النسائية؛ في مؤتمر الحوار الوطني الشامل؛ أبدت اعتراضها على بعض ما جاء في محتويات تقرير لجنة الجيش والأمن بخصوص النص على أن العقيدة العسكرية للجيش هي العقيدة الإسلامية بينما هي -وفق المعترضات- عقيد آلية قتال وتكتيك عسكري لا علاقة له بالدين! كذلك شمل الاعتراض النص على دور الأمن في الحفاظ على الآداب العامة بدعوى أن ذلك يعني ممارسة مهام جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. أو كما قُلْن واعترضن!
من الواضح أن الأخوات المعترضات (لا أدري لماذا غاب الرجال.. ما فيش كوتة رجالية في الحتة دي!) بحاجة للتفريق بين شيء اسمه العقيدة القتالية وما وصفنه بآليات القتال والتكتيك العسكري الذي لا علاقة له بالدين أي أنه علماني حاف!
وكما أفهم فالعقيدة القتالية تدخل فيها أشياء أكبر من التكتيكات فضلاً عن آليات القتال، العقيدة القتالية يقصد بها القيم الكبرى للمحيط الحضاري والحيوي الذي يعمل الجيش فيه، والإستراتيجيات التي تنبثق من العوامل التاريخية والثقافية والدينية والقومية للبلد المعني.. وعلى سبيل المثال؛ أذكّر الأخوات المعترضات بردود فعل الدول الأوربية والولايات المتحدة والفاتيكان؛ قبل شهور من اندلاع ثورات الربيع العربي؛ تجاه الحوادث الإرهابية التي وقعت ضد بعض المؤسسات المسيحية في مصر والعراق، فقد ثارت هذه الحكومات رغم علمانيتها، وطالبت بالتدخل (العسكري بالضرورة وليس فنياً أو سياحياً!) لحماية المسيحيين في الشرق الذين يتعرضون للإبادة! ولوّحوا بقطع المساعدات على الدول العربية وربطها بالموقف من الأقليات المسيحية!
وأذكر المعترضات أيضاً بالموقف الديني لحكام أمريكا في الدعم الهائل الذي يقدمونه لإسرائيل انطلاقاً من إيمانهم التوراتي بحق اليهود الديني (يسميه البعض مغالطة: التاريخي) في إقامة دولة صهيونية يهودية تمهيداً للنزول الثاني للمسيح، والذي انكشف بُعده الديني مع صعود المحافظين الجدد مع مجيء الرئيس السابق ريجان، ووصل إلى ذروته أيام بوش الابن الذي أعلن جهاراً أن الله أمره بضرب القاعدة وأفغانستان والعراق ففعل.. ناهيكم عن الحشد الديني المسيحي في المؤسسات الأمريكية الرسمية والشعبية لنصرة إسرائيل والدفاع عنها!
كل هذه الأمثلة -آنساتي سيداتي والذكور الذين يختفون وراءهن!- هو شكل من أشكال تجسيد العقيدة العسكرية لدى الأمريكان، وكل مسؤول أمريكي يجاهر أن من أهداف السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط: حماية إسرائيل اليهودية بنت اليهودي.. ولو اقتضى الأمر إرسال الجيش الأمريكي للدفاع عنها!
وفي أيام الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي والمنظومة الشيوعية كان من بنود العقيدة العسكرية الأمريكية خاصة مقاومة الشيوعية، ومنع انتشارها في العالم، وهي كما يبدو بوضوح مسألة فكرية عقائدية وليست من آليات القتال والتكتيك العسكري كما فهمت الأخوات معنى العقيدة العسكرية (وكذلك لسبب ديني أيضاً باعتبار أنهم يعادونها لأنها عقيدة ملحدة تناقض المسيحية)!
والعقيدة العسكرية الفكرية وليس التكتيك العسكري وآليات القتال هي التي دفعت الاتحاد السوفيتي لإرسال جيوشه لدعم النظام الشيوعي في أفغانستان، ولدعم النظام الشيوعي في أثيوبيا في السبعينيات، وجعلت الشيوعيين العرب يساندون ويقاتلون مع الشيوعيين الأحباش ضد العرب الإرتريين، وهي التي جعلت روسيا بعد الشيوعية تدعم صرب يوغسلافيا لأنهم مثلها: أرثوذكس، وجعلت ألمانيا تدعم كروات يوغسلافيا رغم أنهم كاثوليك، ولكن للطرفين تاريخاً مشتركاً تأثراً بحركات الإصلاح البروتستاني الألماني، وجعلت فرنسا تدعم كاثوليك يوغسلافيا للحصول على استقلالهم لأنهم كاثوليك مثل الفرنسيين، وهي التي جعلت إيران تدعم شيعة العراق المتحالفين مع الشيطان الأكبر في غزو العراق واحتلاله ومنحه الشرعية، وكل ذلك ضنّت بها إيران على المجاهدين الأفغان (السنة) ضد روسيا بحجة أنهم عملاء للشيطان الأكبر!
والعقيدة العسكرية العربية –على علاتها- هي التي جعلت الشعوب والأنظمة العربية أو بعضها تجعل من قضية الشعب الفلسطيني قضيتها لأنهم يعلمون أن المشروع الصهيوني لا يستهدف فقط فلسطين بل ما هو أكبر من ذلك في الوطن العربي!
وهكذا فلكل جيش في العالم –وحتى الميلشيات والعصابات- عقيدة عسكرية تحكم نشاطه وتوجه اهتماماته، وتحدد أعداءه ومجاله الحيوي بناء على محددات فكرية ودينية واثنية (معقول أن الأخوات الفُضليات لم يسمعْن بمصطلح "محور الشر" وهو نوع من العقيدة العسكرية التي حكمت رؤية بوش الابن؟).
على أية حال؛ من حق أي يمني أن يطالب بتفسير لأي مفهوم مثل العقيدة العسكرية الإسلامية وكل مخرجات مؤتمر الحوار دون استثناء؛ لكيلا يتم تمريرها دون نقاش مجتمعي، ومع الشرح سوف يتضح أن هناك فوائد كثيرة لاعتماد عقيدة عسكرية مستمدة من الأصول الإسلامية الثابتة المتفق عليها، ولا نظن أن الأخوات المعترضات لا يعرفن سماحة الإسلام في التعامل مع الغير في الحرب والسلم على حد سواء.
[3] بقي الاعتراض على تكليف الأمن بمهمة الحفاظ على الآداب العامة؛ خوفاً من أن يكون نوعاً من إنتاج لجماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المعروفة في السعودية (بالمناسبة كان هناك شيء مماثل في أيام الإمامة قبل الثورة.. فخلوا بالكم يا حوثة!).. ونظن أن هذا الترتيب أفضل من جعل الآداب العامة فريسة للبلاطجة في إشاعة الفساد فيها، أو عرضة لاجتهادات الأفراد، وعلى ما أفهم وشائع فإن هناك من يرفض إيكال أو قيام أفراد أو جماعات بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات باعتبار أن ذلك من مهام الدولة، جميل جداً.. فلماذا إذن عندما جاء النص بتكليف أجهزة الدولة بالقيام بذلك ظهر الاعتراض؟
ألا يجعل هذا الاعتراض الناس يفهمون أن المطلوب قد يكون: حماية قلة الآداب العامة؟ ثم كيف تفهم الأخوات المعترضات معنى حماية الآداب العامة؟ أليس حماية النساء في الشوارع من التحرش والسفالة هو حماية للآداب العامة أم لا؟
هل ترضى الأخوات منع الدولة من مكافحة تجارة استغلال النساء الفقيرات في الأعمال المنافية للآداب العامة التي تقف وراءها عصابات منظمة، ومثل ذلك إفساد الشباب بالمخدرات وحبوب الهلوسة، واستدراجهم لأعمال البلطجة، ومن يغضب إن قامت الدولة بواجبها في حماية النشء من عمليات إفسادهم بترويج الممنوعات كالخمور والمخدرات والأفلام القذرة؟
آنساتي.. سيداتي: أرجو مراجعة مفاهيمكن عن معنى الآداب العامة ومعنى حمايتها، فأنتنّ أمهات وأخوات وزوجات لا يرضيكن أبداً انتشار المفاسد الأخلاقية بين أزواجكن وإخوانكن وأبنائكن ومن لهم حق عليكن أن تنتصروا لهم في مؤتمر الحوار.. ولا يمنع ذلك أن يكون حرص على وضع ضوابط دقيقة لضمان تحقيق الهدف دون افتئات على الناس!