ربّما المدنية العربية تقتضي الانقلاب على بعضها بقوة الجيش، فعلى مر التاريخ العربي لم يستمر حكم دون انقلاب أبيض أو أسود إلا في بعض الحالات الملكية، وكأننا بمفاهيم مغايرة لا تتبنى الحساب والعقاب أثناء الحكم والشكر أو اللعن بعد انتهاء فترة الحكم، بل تمضى وفقاً "اللي ما يعجبناش ما يلزمناش". ليس ما حدث في مصر بالغريب، لكنه مفاجئ ومفاجئ جداً، إذ أن الفرصة الحقيقية لتمكين الحاكم من الحكم في ظروف طبيعية لم تكن موجودة، فمنذ الشهر الأول لاستلام مرسي زمام الحكم والمظاهرات تترى كما يقول بعض المحللين، فقد تم تسيير سبعة آلاف مظاهرة بمعدل خمسة وثلاثين مظاهرة يومياً، والخصوم في حالة تزايد وتكاتف مستمر، إذا فقد حكم في ظرف استثنائي تماماً واستطاع الصمود عاماً كاملاً.
مبدأ الديمقراطية يقول عند انتخاب أي رئيس يُتم فترته الطبيعية وإن كانت كلها أخطاء، تتم مراجعته وتوضيح الخطأ الذي يقع فيه ويحاسب إن كانت هناك جهات اختصاص، لكن لا يسقط بانقلاب عسكري، وإلا كانت القوى الغربية أولى بالانقلابات فهم أم الديمقراطية وأبوها، لماذا لم تنقلب فرنسا على سياسات ساركوزي التي أسأت لفرنسا دولة ومؤسسة رئاسة؟ لماذا لم ينقلب العسكر في إيطاليا على كثرة الأخطاء الاقتصادية التي أثرت على حياة المواطنين وتُسير المظاهرات بشكل يومي رافضة لهذه السياسات؟
ولماذا لم تنقلب أمريكا على بوش الابن حين أغرقها في حروب تتجرع وباها إلى اليوم، ألم يتسبب في قتل العشرات بل المئات من الأمريكيين في مختلف أنحاء العالم بسبب سياساته الخارجية الرعناء، ألم يكن له معارضون أقوياء، قواعد الديمقراطية تقول إنه جاء بانتخاب وسيذهب بنفس الطريقة، وهو ما حدث فعلاً، وتحملت الحكومات التالية آثار سياسات بوش الابن داخلياً وخارجياً.
ولنفترض جدلاً أن إزاحة الرئيس المصري عن طريق الجيش كان الطريق الوحيد للحد من الأخطاء التي أوقع مصر فيها، هل ما حدث للجماعة التي ينتمي لها مرسي كان أيضا جزءاً من الحل؟ هل إغلاق قنواتهم التلفزيونية – حتى قناة القدس الغزاوية أيضا أُغلقت ظهر الجمعة لبثها اعتصام ميدان رابعة- واعتقال قياداتهم، ومحاصرتهم في الميادين له علاقة بأخطاء مرسي؟ أو يمثل حلاً لخروج مصر من حالة التردي التي وصلت لها بسبب المعارضة وقوة الفلول؟
مرسي على مدى عام ترك كل القنوات تقول ما تشاء سواء مؤيدة له أو معارضة وهي حرية الرأي والتعبير التي طالبت بها ثورة 25 يناير، حتى إن القنوات الرسمية التي يفترض أنها موالية لحكومة مرسي كانت تعمل ضده أثناء الحشد الكبير للمعارضة؟ فهل هذا خطأ مرسي أنه لم يتعامل مع الرأي الآخر بالحديد والنار مثلما فعل السيسي من قبل أن يلقي البيان ويعزل مرسي؟
إن هذه الممارسات تولد أطيافاً أخرى غير الإخوان تكفر بديمقراطية الشرق وحرية التعبير والاختيار عبر الصناديق، والإخوان كجماعة أو كحزب سياسي لهم أخطاؤهم لكنهم أيضا أبناء مصر وليسوا مستقدمين من إسرائيل أو أمريكا أو روسيا، وهم أحد أطراف استقرار العملية السياسية في مصر، وأهمّ فصائل ثورة يوليو 1952 وثورة يناير 2011، فهل هذه طريقة للشكر والتقدير أو التحجيم أو الإقصاء والتهميش؟ أم هو العقاب على قدرتها على الحشد والصمود أم هناك ترتيبات تُجرى تحت الطاولة، كما هي عادة الأنظمة العربية الغادرة والمغدور بها؟