لعل قضية المهمشين أخذت حقها الإعلامي كاملاً واصبحت من القضايا الأبرز لهموم الوطن ومعضلاته، وفيها كتب الكتاب وكلُ قد نصب نفسه راعياً وناصحاً ومدافعاً ومهتماً. وكذلك جمعيات وهيئات حقوق الإنسان والإقليات وما الى ذلك بعد ان أصبحت موضة "الناشط الحقوقي" هذه الأيام ذات رواج ويقتصر عادة نشاطه على الكلام فقط. ومع كل هذا الزخم من الاحتفاء بحقوق المهمشين المهدورة وكأننا اكتشفنا فجأة إهدارها خلال 1300 عام مع طفرة مطالبات الجميع بحقوقهم، ولكن هل وجد المهمشون فعلاً تجاوباً لتنفيذ حقوقهم الإنسانية المهدورة ووجدوا من الإنصاف الفعلي ما وجدوا من إنصاف الكلام المؤثر. فبين الفترة والأخرى تطفو على سطح هموم الوطن مشكلة المهمشين او من يطلق عليهم "الأخدام" وما في معناه من احتقار، وذلك على غرار ما يحدث الآن في مدينة إب هذه الأيام من مطالبات واحتجاجات من قبلهم ونصب للخيام أمام مبنى المحافظة، مع ملصقات التي توضح مدى معاناة هذه الشريحة من الناس بعد ان جرفت السيول عششهم المتواضعة وذهبت بأملاكهم البسيطة وكالعادة تحدث بعض التحركات الحقوقية والمساندة والكثير من الوعود الوهمية التي تصرف ببلاش ولا تكلف الدولة شيئاً سوى ماء وجهها المراق. واعتقد ان هذا الأمر طبيعي في بلادنا وكل بلاد العرب فقد ربيت الشعوب والأقليات على ان لا حق يصل الى اصحابه في العادة الا اذا قامت ثورة تدك الأخضر واليابس. وفي حالة المهمشين هم اولى من غيرهم بثورة كاسحة ترد الاعتبار لإنسانيتهم وتساويهم بغيرهم من أبناء الوطن نساندهم فيها جميعا، فالخشية ان يأتي اليوم الذي يجد فيه المهمشون راعياً لحركاتهم التحررية يتبنى مطالبهم ولكن هذه المرة من خارج اليمن وربما من أعداء اليمن. هؤلاء البشر الذين نختلف في كونهم أحباشاً غزوا اليمن قبل آلاف السنين ام انهم قبيلة يمنية ساندت الغزو قبل آلاف السنين وتوارثت الأجيال اضطهادهم والدولة تهميشهم وعدم الاعتراف بهويتهم, هؤلاء يمثلون نسبة لا يستهان بها وخطراً على امن البلاد لو تم استغلال حاجاتهم وتطلعاتهم من قبل أطراف خارجية. لقد عولت الدولة طويلاً على نسبة الجهل والتخلف وقلة الوعي المنتشرة بين أوساط المهمشين وكونهم أكثر الناس جهلاً بحقوقهم المكتسبة تلقائياً بفعل المواطنة الطويلة الأمد، وكونهم من تلقاء انفسهم لم يحاولوا تغيير وضعهم الاجتماعي او التعليمي او حتى الاقتصادي، فقد بقي الأخدام لفترة طويلة عبارة عن متسولين وجامعي نفايات يتحاشون التعليم في المدارس وقانعين بما لديهم من فقر وذل وحقد يتراكم في صدورهم ضد يمنيين لا يرقون بوضعهم كثيرا عن وضع المهمشين. الا ان عجلة الزمن تدور وما عولت عليه الدولة اصبح في حكم الماضي فقد أصبح للمهمشين ابناء سلكوا درب التعليم والإنارة العقلية والفكرية، وأصبح لهم صوت جهوري يصل الى الأسماع بمطالبات شرعية وحقوقية, واصبح المهمشون لهم كلمة يجتمعون حولها وناشطون يبصرونهم بحقوقهم وكيف تؤخذ بطرق متحضرة كالاحتجاجات والتظاهرات.
والخوف ان تستمر الدولة بتجاهل هذه المطالب كالعادة وتهميش المهمش أصلاً والوضع الراهن لا يسمح ب "سيدرة" الدولة فلكل ساقطة في الحي لاقطة، وسيجد الأخدام من يلتقط مطالبهم الحقوقية وقضيتهم الازلية يمدهم بالمال واشياء اخرى ويحسن من وضعهم المعيشي ولربما اصبحوا حركة ثورية مسلحة تقاتل هي ايضا للحصول على جزء من هذا الوطن، وسيكون قتالهم مختلفاً ايضاً.