تمر اليمن في هذه الأثناء بمرحلة هي من أحلك المراحل في تاريخها السياسي، ومنعطف خطير يلحظ المتتبع لمسيرتها أنها لم تصل إليه قط خلال فترة تكونها السياسي خصوصاً ما بعد مايو 90م أو بعده. جملة من المهددات باتت تمثل اليوم كابوساً حقيقياً ومأزقاً عميقاً من الصعوبة بمكان تجاوزه أو الخروج منه في ظل الوضع السياسي القائم والمتكئ على المراهقة السياسية والمعاندة والمكابرة والمناكفة. ولعل أبرز مظاهر هذا المأزق وتلك الأزمة يتمثل في الآتي: 1 – الحرب في شمال اليمن: فالحرب في صعدة تنهي شهرها الخامس من دورتها السادسة وراح ضحيتها الآلاف من الشباب الذين سقطوا فيها سواء من أبناء القوات المسلحة أو أبناء القبائل أو الشباب المغرر بهم من أتباع الحوثي، وشردت تلك الحرب مئات الآلاف من الأسر، وهدمت المنازل والمدارس وتحطمت البنية التحتية، وما يمثله دخول السعودية على خط المواجهة من تفريط في السيادة الوطنية وتصدير للأزمة إلى الإقليم. 2 – حراك الجنوب: المظهر الآخر هو الوضع في جنوب اليمن الذي يعيش مرحلة غليان تنذر بمستقبل لا يختلف عن شمال الشمال جراء ما لحق به من ظلم واستبداد طيلة تاريخه السياسي ابتداءً بظلم بعض أبنائه له إبان نظام ما قبل مايو 90م مروراً بما لحق به بعد الوحدة من شريكي الحكم من محاصصة مقيتة، وانتهاء بإخراجه من مفهوم الشراكة الوطنية في السلطة والثروة وتحويل الوحدة من مشروع وطني عملاق إلى مشروع قزم يستأثر فيه شلة واحدة بالسلطة والثروة. وبخروج الجنوب من معنى الشراكة الحقيقية –التي شارك في صناعتها بما يقارب 70% من الأرض و20% من السكان- تم استهداف تاريخي وإنساني. ويكمن الخطر اليوم في السخط الشعبي الحاصل في الشارع الجنوبي والتهافت على ذلك من قبل مكونات الحراك المختلفة التي تود كل واحدة منها تصفية الأخرى لتصبح الممثل الشرعي والوحيد لأبناء الجنوب، وما يترتب على ذلك من غياب للرشد في للتعامل مع هذا الوضع، وما تمثله الصحوة المتأخرة للبيض والفضلي من خلط للأوراق. وما يعمق هذا الخطر أكثر التعامل اللامسؤول للسلطة تجاه المناشط والنشطاء والتجاهل المتعمد لما يعمل من قبل عصابات القتل الجهوي والفئوي. 3 – مجموعة من المظاهر الأخرى كالوضع الاقتصادي المتردي وما نتج عنه من ارتفاع معدلات البطالة وزيادة رقعة الفقر وانتشار الفساد وتدهور الخدمات.. الخ. وما لا يقل سوءاً عن تلك المظاهر هي الأوراق السياسية التي يتم رميها بين الحين والآخر دون الالتفات إلى النتائج الوخيمة لذلك كتفعيل ملف (القاعدة)، أو المساهمة في تحريك ملف (القرصنة) وما ينتج عن ذلك من تدويل للقضايا الوطنية وكسر للسيادة اليمنية وفتح المجال للتدخل المباشر في الشؤون الداخلية. - إن غياب الرشد السياسي لدى المنظومة السياسية يتمثل اليوم في السياسة غير الحكيمة لدى السلطة التي أدت إلى تفاقم المشكلات وتصعيدها وأوصلت البلاد إلى مرحلة السقوط والفشل، وبتنا كيمنيين نعيش أسوأ الأيام على مختلف الصعد، وباتت قضايا اليمن المفصلية بأيد غير يمنية (إقليمية-دولية) تلعب بها كيف تشاء ومتى تشاء وفقاً ومصالحها الخاصة.. ونتيجة لغياب ذلك الرشد لم تستطع السلطة كسر حاجز العناد والكبرياء والاستماع لصوت العقل والجلوس مع شركاء الحياة السياسية وعدم الاستقواء بالخارج لإضعاف الداخل (وإن كانت الدعوة للحوار الوطني مؤخراً تعد خطوة جيدة في الطريق الصحيح مع التحفظ على مصدرها وآليتها). - وكذلك فغياب الرشد السياسي –بدون شك- للمعارضة نصيب منه. فعلى الرغم من أنها لم تساهم في الوصول بالبلاد إلى هذا الوضع إلا أن ذلك لا يبرأها من الوقوف بمسؤولية –وبعيداً عن المناكفة السياسية للحاكم- أمام انهيار البلاد واستشعار الخطر الذي يهدد اليمن كاملاً "أرضاً وإنساناً.. سلطة ومعارضة" وتحمل ذلك بشجاعة واقتدار والراقي إلى مستوى الحدث وضخامته وتفويت الفرصة على المتربصين باليمن وتجار الأزمات. "وإن كان مشروع الحوار الوطني الذي تتبناه خطوة متقدمة في الطريق الصحيح مع التحفظ على بطء آلياته". إننا اليوم أمام واقع يتطلب كافة الجهود المخلصة ومن كل الشرفاء والغيورين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولعل الفرصة –اليوم- لا زالت قائمة. وإذا لم تنضج المنظومة السياسية بعد وتبلغ رشدها في ظل هذه الأوضاع المأزومة والحرجة فعلى اليمن السلام.