الطريق إلى منطقة الجزيرة بمحافظة البصرة العراقية يمر عبر بساتين شوهت الحرب رؤوس نخيلها، حيث كانت في متناول الصواريخ الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي. هذا الطريق المحفوف بالألغام ومخلفات الحروب لقربه من الحدود العراقية الإيرانية، سلكته الجزيرة نت للوصول إلى عباس بن فرناس المعاصر بعدما تناقل الناس خبر صناعته طائرة مروحية صغيرة تنتظر إذنا من السلطات قبل التحليق.
وابن فرناس الجديد هو مواطن عراقي يدعى عباس العيداني من محافظة البصرة، حلم منذ طفولته بالطيران وما زال مصرا على تجسيد حلمه الذي يتطلب كثيرا من "الخبرة والصبر والإصرار".
وتستدعي جهود العيداني ما تختزنه الذاكرة العربية عن عباس بن فرناس الأندلسي الذي حاول الطيران قبل 1200 عام.
طائرة جاثمة وفي الساحة الكبيرة لمنزل العيداني الواقع في أرض زراعية، تتناثر قطع من الحديد والصفائح، بينما بدت طائرة جاثمة في المكان.
وفي حديث للجزيرة نت، يقول العيداني إنه يحلم منذ طفولته بالطيران رغم وعيه بأن مثل هذا الحلم لا يمكن تحقيقه بسهولة، لكونه يحتاج إلى خبرة وصبر وإصرار. ويستذكر الخطوة الأولى للشروع في صناعة مروحيته بالقول "بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2010 أجمع سكراب المحلات القديمة من الأدوات والآلات التي يمكن أن تساعدني في تحقيق الحلم".
وعن المواد التي استخدمها يقول العيداني إنها تشمل الحديد والألمنيوم والبلاستيك، مضيفا أن عمله شاق حيث تولى شخصيا صناعة أجزاء من المروحية من خلال خرائط حصل عليها من الإنترنت.
ويضيف العيداني -الذي يساعده ولده في تجسيد حلم التحليق- إنه زود المروحية ببعض الإلكترونيات واستخدم محركاً لسيارة "فولكس فاغن" قديمة أجرى عليه "تعديلات لا تتوقعها حتى الشركة المنتجة نفسها".
ورغم اكتمال تصنيع الطائرة المروحية فإنها بقيت جاثمة في ساحة منزله، ولم يحصل على موافقة بالطيران.
لكن ابن فرناس المعاصر كشف عن شروعه في إكمال طائرة أخرى بجناحين، الأمر الذي كلفه بيع حلي زوجته وأدوات منزله.
تجاهل رسمي ويعتب العيداني على المسؤولين المحليين أنهم لم يطّلعوا على تجربته رغم فرادتها، في الوقت الذي باع فيه أحد أفراد القرية بقرته كي يقدم له المال، لكنه رفض تسلم المبلغ منه. والطائرة التي صنعها العيداني بإمكانها أن تقل شخصين وتزن 236 كلغ، وتستخدم وقودا خاصا يتكون من مادة البنزين والغاز السائل بنسب معينة.
وحتى إذا لم ترغب في دعم مشروعه، يتمنى العيداني أن تسمح له الحكومة بوضع مروحيته في ساحة عامة أو في متحف بالبصرة، ليرى الناس أول تجربة طيران محلية بجهود فردية.
أما عن تفاعل القرية مع تجربته، فيقول إن الناس كانوا يسخرون منه في البداية، لكنهم بدؤوا يتوافدون على المنزل عندما شاهدوا المروحية جاثمة في ساحته.
ويقول المواطن جاسم سلمان للجزيرة نت إن التجربة تستحق الثناء، وإن ما قدمه العيداني فخر لكل أهالي المنطقة التي قال إنها تعاني من إهمال حكومي واضح.
وفي ما يعكس احتفاء أهل القرية بالتجربة، أبدت إحدى المسنات استعداداها لمرافقة العيداني في الطيران متجاهلة احتمال سقوط المروحية.
أما عن تجاوب الجهات الرسمية مع التجربة، فتقول عضوة مجلس محافظة البصرة نجلاء جبار التميمي إن الحكومة المحلية تقف إلى جانب كل الكفاءات.
وتضيف نجلاء في حديث للجزيرة نت أن في البصرة طاقات كثيرة، وأنه بإمكان المبدعين تقديم أنفسهم للمسؤولين من أجل إعطائهم فكرة عن مشاريعهم التي قالت إنها ستحظى بالاهتمام.