ما حدث في اليمن خلال الثلاث السنوات الماضية ينبغي أن يُعطي الدروسَ والعِبَر لكل من يحمل عقلاً راجحاً وقلباً حياً بأنه قد آن الأوان لطي هذه الصفحة المؤلمة من تاريخ اليمن والتوجه العملي الجاد نحو البناء والتنمية. كثر الحديث واللغط حول مُخرجات الحوار الوطني وتقسيم اليمن إلى أقاليم أُختلف في عددها وإلى بعض دعوات الأنانية من العودة إلى ما قبل عام 1990، وكأن بالانفصال ستحل قضايا اليمن وأن المشكلة في الوحدة برغم شهادة الجميع بأن الوحدة اليمنية مكسب ليس لليمن فحسب بل للأمة العربية كلها ينبغي أن نفخر بها في زمن التشظي الذي نعيشه!
المشكلة أحبتي في ضيق الأنا والمشاريع الضيقة للبعض الذين فقدوا مصالحهم (أو هكذا يعتقدون) متناسين بأنهم قد نهبوا ثروات الوطن لعقود من الزمن وكأنهم لم يشبعوا بعد! حتى نطوي هذه الصفحة ونتجاوز المصالح الضيقة وأصحابها، ونتجاوز هواجس البعض والذين ينظرون إلى الوحدة من منظور اقتصادي أو سياسي بحث بأنها ستحرمهم الثروات النفطية المكتشفة في مناطقهم أو هيلمان السياسية وبريقها، أقول دعونا نوفق بين تلك الرؤى بطريقة عملية، تتطلب إرادة جادة وعمل متفاني حتى تتحقق: 1- ضرورة العمل إلى إيجاد وتنفيذ برنامج وطني تنموي شامل للعشرة الأعوام القادمة، تكون رأس حربته الميزة التنافسية لكل محافظة (أو إقليم)، مع الأخذ بعين الاعتبار بأنه ما من محافظة، أو منطقة أو إقليم في اليمن إلا�' وقد حباها الله بثروات متعددة وأعطاها ميزات تنافسية تستطيع أن تحقق ما تصبوا إليه من نمو اقتصادي مرجو.
فلو اخذنا المحافظة الوليدة، سقطرى، على سبيل المثال، سنجد أنها تتمتع بميزات تنافسية عظيمة، تشمل الموقع الجغرافي والاستراتيجي الهام يجعلها موقعاً مثالياً لتجارة الترانزيت الدولية بين جنوب شرق آسيا والوطن العربي، عدا كونها موقع جذب سياحي عالمي بامتياز. فإذا ما تم التركيز على هذين العاملين والعمل على تنميتهما بشكل أمثل من خلال إنشاء ميناء دولي يستوعب حركة البواخر وتطوير مطار سقطرى والخدمات اللوجستية المصاحبة لهما وتطوير شبكة الطرقات وعمل المنتجعات والمدن السياحية في الجزيزة. كل هذا كفي بأن يجعل من سقطرى مورداً اقتصادياً هاما ليس للتنمية الشاملة للجزيزة فحسب، بل لرفد الخزينة المركزية للدولة كذلك! علاوة على ذلك فأن هناك قطاعات نفطية واعدة في الجزيرة وما حولها.
وهكذا هو حال بقية المحافظات الأخرى، فهناك تسعة محافظات بحرية أخرى تشمل المهرة وحضرموت وشبوه وأبين وعدن ولحج وتعز الحديدة وحجة كلها لديها موانئ بدرجات متفاوتة من التطوير وبحاجة إلى إعطاء أولوية لهذه الموانئ كونها تمثل موارد اقتصادية كبرى لهذه المحافظات. العظيم في الأمر، بأن بعض من هذه المحافظات تمتلك الميناءين والثلاثة (مثل حضرموتوالحديدة) وهو ما لا تمتلكه دول! فالأردن والعراق لدى كل منهما ميناء واحد فقط. كما أنه لدى هذه المحافظات ميزات أخرى زراعية وصناعية وسياحية وبشرية وحيوانية وثروات معدنية ونفطية ولوجستية كونها كلها تقع على طريقي التجارة الدولية البحري والبري (الرابط بين دول الجزيرة العربية). حتى تلك المحافظات غير المطلة على البحر، فأن لديها ميزات تنافسية كبيرة سياحية وصناعية وتاريخية وثروات معدنية ونفطية.
وبناءً على ما سبق، فأنه يتعين على الجميع وعي الحقيقة بأن هاجس الخوف الاقتصادي من نهب ثروات مناطق بعينها (كما يحلو للبعض تسميتها) هو حديث عار عن الصحة، وإننا بحاجة إلى إرادة وعزم قويين لاستثمار ما تحت أيدينا من ثروات كامنة!
2- حتى تتبلور فكرة البرنامج الوطني التنموي الشامل بشكل عملي، يتعين على السلطة الملحية في كل محافظة أو إقليم انتقاء نخبة من علمائها وأكاديمييها (في مختلف التخصصات) للعمل معاً على بلورة وتخطيط مشاريع نهضوية شاملة على مستوى تلك المحافظة أو الإقليم وتزمينها وفقاً لمعايير التخطيط العالمية المتبعة في تنفيذ المشاريع وإعطاء الأولويات لمشاريع البُنى التحتية والتنمية البشرية، لما لهما من مردود إيجابي كبير في تنفيذ المشاريع الأخرى.
3- بعد استكمال الخطط الاستراتيجية المحلية (للمحافظات أو الأقاليم)، يتعين على الدولة المركزية اختيار بعض من هذه المشاريع، وخاصة ذات المردود الوطني الشامل منها (كاستخراج النفط والغاز والكهرباء مثلاً) ووضعها ضمن الأولويات المركزية، واختيار نخب النخب من كل محافظة أو إقليم من العلماء والمفكرين، للعمل سوياً في تنفيذها وتأطريها ضمن الجدول الزمني المتفق عليه.
4- وحتى نصل إلى ما ذكرناه أعلاه، يتعين على الجميع (على كل مشاربهم ومصالحهم) العمل بمسؤولية تجاه هذا الوطن، وإعطاء الفرصة للجميع للعمل الجاد كل من موقعه، وان نغلب العقل والضمير والحكمة على المكايدات والدسائس والمشاريع الشخصية الضيقة! يشمل ذلك الإصلاح الجاد للمؤسسة العسكرية والمصالحة الوطنية الشاملة وإعادة الثقة لرأس المال المحلى والعربي والأجنبي وخاصة رأس المال الذي ارتبط بتنفيذ بعض المشاريع الاستراتجية الحيوية وتعثر لأسباب نعلمها جميعاً، كمشروع فردوس عدن، ومطار صنعاء الجديد والطريق الدولي عمران-عدن وغيرها من المشاريع، والعمل على تشجيع تلك المشاريع العملاقة الجريئة التي كادت ان ترى النور خلال السنوات الماضية وسرعان ما خبى بريقها، كمشروع الجسر الواصل بين اليمن وجيبوتي ومدينة النور الصناعية... الخ
وختاماً، أوجه حديثي للصحافة في اليمن. أتقو الله في اليمن! «الفتنة نائمة، لعن الله من أيقضها»! على الصحافة أن تعمل بمسؤولية والا تكون أقلاماً مأجورة، علينا أن نفرق بين الديمقراطية والفوضى. فلدينا من الهموم والأولويات الجسام من تنأى عنها الجبال، الا وهي الأمانة التي حملناها أمام الله والوطن. فأما أن نكون أصحاب رسالة أو لنصمت. والسلام ختام.