قرر مجلس الأمن الدولي مسودة قرار تقدّمت بها بريطانيا بشأن اليمن وقد ورد في المسودة ما نصه أن المجلس "يقرر أن الأوضاع في اليمن تهدد السلم والأمن العالمي وكذا في المنطقة". ووفقاً للفصل السابع، فإن المجلس سينشئ لجنة عقوبات لمتابعة تنفيذ قراراته.. وقد جاء في المسودة ما يلي: لجنة العقوبات: "يقرر أن ينشئ، وفقاً للمادة 28 من نظامه الداخلي المؤقت، لجنة تابعة لمجلس الأمن تتألف من جميع أعضاء المجلس، تضطلع بالمهام التالية:
رصد تنفيذ التدابير المفروضة في الفقرة 11 و 15 أعلاه بغية تعزيز وتيسير وتحسين تنفيذ هذه التدابير في الدول الأعضاء. بحث واستعراض المعلومات المتعلقة بأولئك الأفراد والكيانات الذين قد يكونوا مشاركين في الأفعال المبينة في الفقرة 17 و18 أعلاه. تحديد الأفراد والكيانات الخاضعين للتدابير المفروضة في الفقرتين 11 و15 أعلاه. وضع المبادئ التوجيهية اللازمة حسب الضرورة لتيسير تنفيذ التدابير المفروضة أعلاه.
تقديم تقرير في غضون 60 يوماً إلى مجلس الأمن بشأن عملها، وبعد ذلك إلى تقرير حسبما تراه ضرورياً اللجنة؛ تشجيع حوار بين اللجنة والدول الأعضاء المهتمة، ولاسيما تلك الموجودة في المنطقة، بما في ذلك عن طريق دعوة ممثلي هذه الدول إلى الاجتماع باللجنة لمناقشة تنفيذ التدابير.
أن تلتمس من جميع الدول أي معلومات قد تراها مفيدة فيما يتعلق بالإجراءات التي اتخذتها لتنفيذ فعالية التدابير المفروضة. دراسة واتخاذ الإجراء المناسب بشأن المعلومات المتعلقة بانتهاكات مزعومة أو عدم الامتثال مع التدابير الواردة في الفقرتين 11 و15".
وهذا يعني أن أمر اليمن وقراراته لم تعد شأناً داخليا ًوإنما أصبحت تحت بصر وعين المجتمع الدولي.. ولكن ما الفرق بين هذا القرار وما سبقه من قرارات رقم 2014 ,2051,... الخ؟
الفرق برأيي واضح للعيان؛ كون المسودة تشير وبوضوح إلى أن ما يحصل في اليمن أصبح مهدداً للأمن والسلم الدوليين، وهي إحدى المهام الرئيسية لإنشاء مجلس الأمن المكلف بحماية العالم من أي أخطار حيث ورد في المادة "34 "من ميثاق الأممالمتحدة.
ووفقاً لذلك فقد كان من المنطقي إدراجه تحت الفصل السابع الذي يعطي المجلس الحق باستخدام القوة لفرض قراراته، فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان, حيث قررت المادة 41 من الميثاق: "لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب من أعضاء الأممالمتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كُليا وقطع العلاقات الدبلوماسية".
يعني هذا بالطبع أن مجلس الأمن سيتخذ إجراءات محددة منها منع سفر الوارد أسماؤهم في الكشوفات، ومنهم بكل تأكيد الرئيس السابق علي صالح ونائبه علي سالم البيض، وكذا تجميد أرصدتهما؛ لأنه سبق ذكرهما وبالاسم في قرارات سابقة للمجلس. ليس ذلك فحسب، بل إن القرار شجّع الحكومة من أجل استكمال إصدارها لمشروع القانون باسترداد الأموال المنهوبة بل وأدخلها ضمن مهام اللجنة، وهذا يعني أنه وفقاً للمادة "26" من ميشاق الأممالمتحدة، فإنه يجب على كل دول العالم الالتزام بهذا القرار، لكن بعض الخبراء يرى أن القرار لم يأتِ سوى على الأفراد والمجموعات والكيانات، ولم يصل إلى تحذير الحكومات التي تتدخل في الشأن اليمني كإيران التي تتهمها صنعاء باربكاك المشهد في اليمن ودعمها لأطراف تؤدي دوراً سلبياً قد يؤثر على العملية السياسية في البلاد وكذا السعودية.. لكنه أي القرار في المقابل دعا الحوثيين والحراك الجنوبي إلى وجوب الالتزام بالسلم وتجنّب استخدام العنف، حيث نص في القرار على أنه "ويدعو حركة الحراك الجنوبي وحركة الحوثي والآخرين إلى المشاركة البناءة ورفض تبني العنف لتحقيق الأهداف السياسية"، وهو ما يعني إدانة لهذه الجماعات؛ كونها تستخدم العنف، وهي دعوة قد تعقبها خطوات مؤثرة على هذه الفصيلين المسلحين في اليمن. لكن اللافت في الأمر أن هذه المسودة قد أوضحت بجلاء أن المجتمع الدولي يريد دفن حقبة صالح؛ باعتبارها العقبة الكئود أمام تقدم اليمنيين، حيث قرر على أنه "يدرك أن العملية الإنتقالية تتطلب طي صفحة حقبة رئاسة علي عبدالله صالح وترحب بمشاركة وتعاون كافة الجهات المعنية في اليمن، بما في ذلك المجموعات التي لم تكن طرفاً في مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية". إذاً هي شهادة وفاة لهذا النظام، وبقرار من الشعب اليمني، أعقبها قرار أُممي.
إذاً، هذه المرة القرارات الدولية ستكون ذات مخالب وستجعل المخالفين لها تحت المساءلة الدولية، وربما ينظر لهذه المسودة أبعد من ذلك؛ كونها قد أوردت ضرورة التحقيق في الانتهاكات لحقوق الإنسان في اليمن، خاصة إبان ثورة الشباب. حيث جاء نص القرار صريحاً بقوله "يتطلع قدماً لخطوات الحكومة اليمنية لتنفيذ القرار الجمهوري رقم 140 لسنة 2012، الذي يقضى بتشكيل لجنة للتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت خلال 2011، وينص على أن تكون التحقيقات شفافة ومحايدة وتلتزم بالمعايير الدولية، وعلى ضوء قرار مجلس حقوق الإنسان 19/29، ويدعو الحكومة اليمنية إلى أن تقدّم في أقرب وقت إطاراً زمنياً لتعيين أعضاء تلك اللجنة"، وهو التزام يجب على اليمن القيام به، وذلك يعني أنه يجب الإسراع بتسمية أعضاء اللجنة للتحقيق فيمن قتل المتظاهرين السلمين عام 2011، وكذا كافة الأحداث اللاحقة في ذات العام، إضافة إلى وُجوب معرفة من قام باقتحام وزارة الدفاع في 5 ديسمبر 2013 التي أدانها المجلس في هذه المسودة..
إذاً نحن أمام قرار دولي لا يسع الرئيس والحكومة إلا تنفيذه، وإلا سيدخلون في مازق الباب السابع، وما يتبع ذلك من قرارات حاسمة.. وهنا ستظهر الحقائق، واعتقد بأنه وفقاً لذلك ستكون الحصانة التي مُنحت لصالح ومقربين منه محاصرة..
لكن القرار يتوسّع ليشمل كل المعرقلين للعملية السياسية، إذ يؤكد المجلس على أن "آلية التحديد تقرر أن نصوص الفقرات 11 و15 تنطبق على الأفراد أو الكيانات المصنّفة من قبل اللجنة، وهم الذين يهددون الأمن والاستقرار والسلم في اليمن عبر الأعمال المباشرة أو عبر توفير الدعم لتلك الأعمال، يؤكد أن مثل هذه الأعمال - وكما هو موضح في الفقرة 17 أعلاه- قد تشمل:
أ) عرقلة أو تقويض إنجاح المرحلة الانتقالية السياسية على ضوء المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. ب) إعاقة تنفيذ مخرجات التقرير النهائي لمؤتمر الحوار الوطني الشامل عبر تبنِّي أعمال العنف والاعتداء على البنية التحتية الحيوية أو القيام بأعمال إرهابية. ج) التخطيط أو التوجيه أو ارتكاب أعمال تنتهك قانون حقوق الإنسان الدولي والقنون الجنائي الدولي، كما يجب تطبيقه، أو أي أعمال تشكل انتهاكات لحقوق الإنسان في اليمن".
ماذا يعني الفصل السابع؟ يؤكد القانونيون أن الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة يختص ببيان ما يُتخذ من الأعمال في حالات وقوع العدوان وتهديد السلم والإخلال به، ويتكون من 13 مادة: ابتداءً من المادة 39 وانتهاءً بالمادة 51. ويفيد صدور قرار بموجب الفصل السابع إصباغ صفة الإلزام على محتواه، وهذه الصفة هي جوهر التمييز بين هذا الفصل والفصل السادس، الذي لا تحمل القرارات الصادرة بمقتضاه سوى صفة التوصية غير الملزمة، التي ليس لها إلا قيمة أدبية من حيث الأصل، ما لم تقبلها الدولة المعنية صراحة، وتعلن التزامها بها. أما الفصل السابع فإن القرار الذي يصدر بموجبه يكون ملزماً بذاته، بصرف النظر عن موقف الدولة المعنية منه بالقبول أو الاعتراض.
أما التدابير التي يمكن أن تتخذها الأممالمتحدة بمقتضى هذا الفصل فتنقسم إلى قسمين: الأول: تدابير غير قسرية (المادة 41)، وهذه لا تتطلب استخدام القوة لتنفيذ القرارات الصادرة بموجب هذا الفصل. ومن أمثلة هذه التدابير: وقف الصلات الاقتصادية، والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية وغيرها من وسائل المواصلات، وقفاً كليا أو جزئيا، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة المستهدفة بالقرار. الثاني: تدابير قسرية (المادة 42)، وهذه هي التي تتطلب استخدام القوّة، وتلجأ إليها الأممالمتحدة إذا ما تبين لها أن التدابير غير القسرية السابق ذكرها لا تفي بالغرض، فيجوز عندئذ أن تتخذ – عن طريق القوات الجوية والبحرية والبرية - من الأعمال ما يلزم لحفظ الأمن والسلم الدوليين، أو لإعادتهما إلى نصابهما.
وأخيراً: ورد في نهاية المسودة أن مجلس الأمن "يقرر أن يبقي هذه المسألة قيد نظره الحثيث"، وهو ما يعني أن اليمن أصبحت تحت نظر المجتمع الدولي، ولا يمكن أن يخرج اليمن من تحت الباب السابع إلا بالالتزام بهذه القرارات. إذاً علينا إدراك أن الوضع بعد هذا القرار لن يكون كما كان قبله، إذ أن أي أحداث تحصل لدينا سيصل صداها إلى نييورك حيث اللجنة التي ستشكل من كافة أعضاء مجلس الأمن ال15، والتي يجب عليها متابعة الأمر عن كثب والرفع به لمجلس الأمن، والذي سيتخذ بموجبها قرارات قد تمسّ أشخاصاً وجماعات. وهناك ملاحظة أخرى، وهي أن ملف اليمن لم يعد فقط في يد الأمين العام للأمم المتحدة ومستشاره الخاص جمال بنعمر، بل أصبح في المقام الأول بيد اللجنة المشكلة من مجلس الأمن.
كما أن مقررات الحوار بما في ذلك صياغة الدستور والفيدرالية واستعادة الأموال والتحقيق في الانتهاكات وغيرها لم تعد قضايا وطنية تهم الشأن اليمني فحسب، بل أصبحت وبموجب هذه المسودة - إن أُقرّت- مسؤولية العالم، وهو ما يجب على السياسيين إدراكه.