المبادرة الخليجية هي صنيعتهم. كتبت بأيديهم وطبخت نكهاتها في مطابخهم، بنودها حيكت بخيوط عناكبهم ونقشت توقيعاتها متى وكيفما يروق لهم، فرحوا بالتوقيع عليها رغم الرفض والممانعة والتأجيل، وضعوا الشروط المنطقية وغير المنطقية، كفلت لهم الخروج المشرف وزفت اليهم الحصانة، سلموا السلطة في حفل زفاف بكا فيه ذوو الشهداء وتعالى أنين الجرحى ولم يسمح للمعتقلين بمشاهدة مراسيمه، حق لهم قضاء أيام عسل خارج الوطن توهم البعض أنها مغادرة نهائية. منحوا رحلات استشفاء أخرى تجعلهم يعودون لمزاولة نشاطهم المحصن بفاعلية أكبر! لكن الخروج المشرف لم يكن يكفي للخروج من المشهد السياسي اذ هبت رياح العبث بالوضع الأمني والخدمي لتغريهم بالعودة للمشهد ولعب أدوار بطولية قد تبدو للبعض درامية لكنها كانت كوميدية جداً بالنسبة للمؤديها! فرحوا بالمبادرة كما يفرح "الرعوي" بالمطر في "مَبكَر" فهو يزف له خبر بداية موسم الخير، يضع بذوره وهو يغني لأمطار "مَبكَر" وكما يقال "ما ذري الا مبكري وما زوج الا أولي". أمطار مبكر تجعل زرعه ينمو ويترعرع فينسج الأحلام بغَلَة مغرية سيزوج الأولاد ويبني غرفة جديدة على سطح الدرا ويقضي دين "المدكّن" وقد يحصل على قطعة أرض جديدة أيضاً. يمضي العام الزراعي ويأتي "آب" فلا تنزل الأمطار التي يعول عليها الرعوي فيجف الزرع في موعد ظهور السنابل التي سيجنيها الرعوي في موسم "الصراب" ليأكل ويبيع ما يزيد عن قوته، حينها يردد الرعوي المثل المشهور "لو فرحك بمَبكَر يغمك بآب". قد يبدو المثل عنواناً للجحود والكفر بالنعم لكنه يدعو أيضاً لعدم المبالغة في التفاؤل والفرح "إن الله لا يحب الفرحين".
وهكذا جاء عليهم الفصل السابع مثل "مَروَح آب" بلا أمطار فكان الغم والنواح على غلة السيادة! فرحوا بالمبادرة فغمهم الفصل السابع! فيا ترى ماذا عن المواطن الذي لم يفرح بالمبادرة فهل يغمه الفصل السابع؟ هل يجوز أن نعكس المثل فيكون "إذا لم يفرحك بمبكر لن يغمك بآب"؟ من لم يكن له أحلام جميلة في مبكر ماذا سيأخذ منه "مَروَح آب"!.