أرى من الضرورة التأكيد ابتداءً أنني لا أحمل أي نوايا غير حسنة من أي نوع لشخص شوقي أحمد هائل بحديثي المتكرر عن تعز، فأنا لا أعرفه شخصياً، وما يجمعنا هو حب تعز الذي هو محافظها بالطبع، بل على العكس من ذلك تماماً فقد كنت من المتحمسين جداً لقرار تعيينه في منصب المحافظ متجاوزاً هواجس الحزبية وحماسي الثوري الذي لا يمثل شوقي هائل أحد خياراته، مستنداً بذلك إلى عدة مزايا تتوافر في الرجل وافتقدها كل من سبقوه في هذا المنصب الهام. بالرغم من أن مدينة كتعز هي قلب الثورات جميعاً وساندها الفكري والبشري وآخرها ثورة فبراير، يفترض (بل ومن البدهي والواجب) أن يكون محافظها من ثوارها ولو من باب الاعتراف بالجميل. فيما يتعلق بشوقي هائل لم يكن انتماؤه لحزب المؤتمر الشعبي العام يمثل مشكلة كبيرة فهو لم يُعرف بتعصبه الحزبي فضلاً عن أن انتماء أغلب رجال المال والأعمال إلى المؤتمر كان بدافع اتقاء الضرر وتجنب الشر أكثر منه قناعة ورغبة ذاتية.
قلنا: إذاً لا داعي للحساسية المفرطة، الرجل درس في أمريكا قائدة العالم المتحضر ولا تعنيه هواجسكم الحزبية هذه، وهو كذلك "شبعان من بيتهم" معه "بيس مليان"، وهذا ضمان آخر يجعل مخصصات المحافظة المالية في الحفظ والصون ولن يذهب ريال واحد في غير صالح محافظة تعز وتنميتها. وهو أيضاً من بيت هائل التي تعتبر محافظة تعز قاعدتها الصناعية وفيها أغلب شركاتهم ومصانعهم، ولذلك فلا أحد غير شوقي الأنسب والأجدر بهذا المنصب.
رفض شوقي أداء اليمين واشترط منحه صلاحيات كاملة، وفي أول تصريح له وعد بتحويل تعز إلى دبي أخرى، حينها لم نشك بأن الرج جاد ويحمل مشروعاً نهضوياً لتعز يليق بها، ولا خيار سوى الانتظار، ولندع الرجل يعمل. فاجأ شوقي الجميع بسراب الوعود وراح يبحث عن معارك وهمية مع خصوم من صنع خياله، ركز كل جهوده على استفزاز أبناء تعز الثوار في عاصمة الثورة، وكأنه مكلف بالثأر لصالح من تعز وأبنائها. آخر عنتريات شوقي تهديده الأسبوع الماضي برفع ما تبقى من خيام في ساحة الحرية وإغلاقها بذريعة فتح الشارع رغم أن مقر الساحة في شارع فرعي بعيد عن حركة السير المزدحمة ولم يتضرر منها أحد.
من يتجول اليوم في تعز يشاهد بلا دليل حجم الإهمال والمستوى المزري الذي وصلت إليه، أصبحت مقلباً كبيراً للقمامة ومهددة بكارثة بيئية، ولكي لا يعتبر كلامي هذا مزايدات وبدوافع حزبية سأمنح المحافظ دليلاً سياحياً لأبرز الأماكن التي تحولت القمامة المتكدسة فيها إلى أهرامات جيزة تعزية. ففي شارع 26 سبتمبر لم يعد الناس يستطيعون السير في ذروة الزحمة بفعل أكوام القمامة المتزايدة باضطراد، وبجوار ثانوية ناصر ينتصب هرم آخر من المخلفات. في شارع المصلّى يشكو أصحاب المحلات من الروائح الكريهة المنبعثة من تراكم القمامة منذ أكثر من شهر. السائلة التي تمر وسط المدينة والمخصصة لتصريف السيول توشك على الامتلاء والاختناق بسبب المخلفات وتحولها إلى مصب نفايات، والقائمة تطول.
وفوق ذلك لا يخجل المحافظ الجنتلمان من الحديث عن ساحة الحرية. يا شوقي: لا أعتقد أن هناك في تعز من لا يعيش خيبة أمل كبيرة ولا تسحقه الحسرة على تعز الغارقة في القاذورات.