انفضَّ حفل الرياض على سامريه، لتنقشع غمة المتابعين من خارج المسرح.. وهاكم النتيجة النهائية: لم يسفر مؤتمر الرياض للمانحين الخليجيين والدول والمؤسسات الدولية الأخرى عن نتائج ملموسة، بينما استغلت المملكة الشقيقة هامش المؤتمر الأقليمي- الدولي لتعيد الارتباط مع اليمن عبر مجلس التنسيق المشترك بين البلدين، بعد قطيعة دامت أكثر من عامين منذ الدورة الآخيرة (الثامنة عشرة) التي عقدت في الرياض، منتصف نوفمبر 2007.
فعلى الهامش، التأم شمل المجلس اليمني- السعودي في دورته ال 19، الذي قررت الرياض تخصيصه لتوقيع 4 اتفاقيات منح مالية لليمن لتنفيذ مشاريع تنموية في مجالات:الطاقة، المياه، الصحة، التعليم. وبلغ إجمالي المبلغ المخصص لتلك المشاريع: 430 مليون دولار.
بالنسبة للمتابع العادي، قد يبدو الأمر "لا بأس به". وبالنسبة للمسئولين اليمنيين، لم يكن الأمر أكثر من تحصيل حاصل. إذ لا يمكن اعتبار ما حدث سوى أن الرياض قررت إعادة تخصيص ما تبقى من التزاماتها المالية التي أقرتها سابقا، في مؤتمر لندن للمانحين (2006)، بعد أن كانت جمدتها لأسباب يعرفها –جيدا- مسئولو الدولتين والمجتمع الدولي.
ربما اختلطت الأوراق على بعض المتابعين: بين الاجتماع الدوري لمجلس التنسيق اليمني–السعودي، في نسخته ال 19، والذي أسفر عن تلك النتيجة السابقة، وبين مؤتمر الرياض -المفترض للمانحين- الذي أوصى به مؤتمر لندن الأخير (27 يناير الماضي).
التنسيق يطغى على المانحين في الحقيقة.. لقد انعقد الاجتماع الدوري لمجلس التنسيق اليمني–السعودي على هامش مؤتمر المانحين الذي كان يفترض أن يكون هو الأساس الذي أوصى به لقاء لندن الأخير، حينما أقر "إعلان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي بأنه سوف يستضيف لقاء حول اليمن لدول الخليج وغيرها من الجهات الدولية المانحة يعقد في الرياض يومي 27-28 فبراير"، باعتبارها إحدى التوصيات. بحيث يفترض أن يقوم المجتمعون بمناقشة أسباب تعثر سداد التزام المجتمع الدولي لما تبقى من تعهداته السابقة (مؤتمر لندن للمانحين 2006) أمام اليمن. ومن ثم الخلوص في البحث حول آليات إعادة تسديد تلك الألتزامات.
الواضح أن نتائج المؤتمر لم تسفر عن شيء من ذلك. على الأقل بشكل ملموس. عدا ما قامت به المملكة من استغلال للحدث لإعادة إحياء اجتماعات مجلس التنسيق المشترك بين البلدين، بعد أن كانت توقفت منذ نوفمبر من العام 2007م. عقب قرار الرياض الخاص بإيقاف ضخ ما تبقى من تلك التعهدات، بعد اعتبار اليمن، ليس من قبل الرياض فحسب وإنما من بقية المانحين أيضا، أنها غير قادرة على إدارة تلك الأموال البالغة (5,7) مليار دولار، وجدولتها في إطار خطة تنفيذية لتنفيذ المشاريع التي خصصت من أجلها.
وبمجرد أن أقرت الرياض مواصلة جدولة التزاماتها المالية أمام التنمية في اليمن –بعيداً عن الخوض في الأسباب التي تتعدد في هذا الشأن- فإنها ربما تكون قد فضلت عمل ذلك في إطار مجلس التنسيق المشترك بين البلدين. ربما لأن ذلك سيعمل على تحقيق أمرين. الأول: إعادة التئام المجلس الذي تأسس قبل 35 عاماً (في أغسطس 1975). أما الأمر الآخر: فإن تاريخ المجلس وأسلوب إدارته للعلاقات الثنائية والمساعدات التي تقدمها المملكة لليمن عبره يحدثنا عن قيود بيروقراطية كبيرة ورقابة مستمرة تفرضها الرياض –غالباً– على الجانب اليمني حينما تقدم تلك المنح والمساعدات.
يدخل ضمن ذلك، ضرورة تشكيل اللجان الثنائية للمتابعة لإعداد الدراسات، والمتابعات الأولية، والتنفيذ. كما يدخل ضمنها الإشراف السعودي –أحياناً– على التنفيذ، ورفع تقارير الأداء.. الخ.
إن ذلك يمكن ملاحظته من خلال الجدول المرفق. لثلاثة عقود ونصف من تاريخ هذا المجلس ونتائجه. هناك تكرار لبعض المشاريع والاتفاقات من دورة إلى أخرى. كما إن هناك بيروقراطية زائدة في أسلوب التعامل، من حيث البدء بالاتفاق أولاً على نوع الدعم وكنه المشروع. وصولاً إلى التوقيع الأولي على اللوائح التنفيذية، وحتى بلوغ التوقيع على المشروع. ثم يأتي في نهاية الأمر تقديم المنح والمساعدات. والتي يلاحظ تأخرها وتكرار الحديث عن بعضها من دورة إلى أخرى، ربما لأسباب تتعلق بالأداء والتنفيذ.
إن ذلك كله قد يرتبط أحياناً بعقد صفقات تتعلق باستفادة الجانب الداعم. تلك الصفقات قد تأتي على هيئة تنسيق المواقف الثنائية، واتفاقيات أمنية، ومعاهدات ترسيم حدود، ومواجهة المتسللين.. الخ.
بل إنه يرتبط غالباً بترمومتر حساس للمواقف الخارجية، الدبلوماسية في المنطقة، والعالم. حيث قد يؤدي الاختلاف حولها أحياناً إلى إيقاف اجتماعات المجلس لسنوات. حدث ذلك حين توقفت لعشر سنوات ابتداء من العام 1990، عقب موقف اليمن من غزو العراق للكويت، وموقفها من تدخل القوات الدولية لتحريرها، لتعود بعدها في العام 2000 بعد تحسن العلاقات. كما حدث ذلك مؤخراً، حين توقفت لأكثر من عامين. ابتداء من نوفمبر 2007، حين جمدت الرياض تسليم بقية التزاماتها المالية (المنبثقة عن مؤتمر لندن 2006)، بحيث لم تعد إلا في المؤتمر الأخير (27–28 فبراير 2010).
البيان الختامي..تذكير سعودي طاغ: من خلال نظرة سريعة على البيان الختامي الصادر عن التئام المجلس، نجد بسهولة أن فكرة التذكير بالجمائل والنعم المغدقة على اليمن كانت هي المسيطرة على معظم محتوياته.
لنترك ديباجة المقدمة جانباً، ومثلها البنود الأولى ذات الطابع التقليدي الدبلوماسي (انسجام المواقف الخارجية من قضايا الإقليم والعالم)، ودعونا نركز على بعض تفاصيل ما جاء فيه حول العلاقات الثنائية والاتفاقيات المبرمة بين الجانبين، والتي كان على رأسها الجانب الاقتصادي التنموي.
لقد أعادنا البيان -في بعض تفاصيله- إلى الوراء قرابة عقد من الزمن، ليذكرنا باتفاقيات التفاهم والتعاون والتنسيق بين وزارتي خارجية البلدين بمدينة جدة المبرمة في العام 2002. وفي الجانب الأمني بالمثل، أعادنا قرابة عقد ونصف إلى العام 1996، ليذكرنا باتفاقية التعاون الأمني الموقعة في العام 1996.
في الجانب الإنمائي، بدأ الحديث عن توقيع تلك الاتفاقيات الأربع التي حصدتها اليمن من هذا اللقاء، والخاصة بجدولة وتخصيص ما تبقى من أموال المنحة السعودية الخاصة بمؤتمر لندن 2006. بعدها مباشرة انتقل إلى تذكيرنا –وبالأحرى مسئولينا– باتفاقيات ومشاريع ومذكرات الدورة السابقة (الدورة ال 18 عام2007)، رابطاً الأمر بإشادة الطرفين بما تم تحقيقه. معظم تلك المنح كانت متعلقة بما تم تقديمه من التزامات المليار دولار.
وإذا لم يكن ذلك غريباً، فإن الغريب أن يأتي البيان على ذكر تلك التبرعات التي أسماها "سخية" من قبل خادم الحرمين الشريفين، بخصوص كارثة السيول التي عصفت بمحافظات حضرموت وشبوة والمهرة (2008) وما رافقها من تقديم مؤن ومواد غذائية وطبية لصالح المتضررين. بل إنه حتى تعرض بالتذكير ل (2711) طن من التمور سلمت لبرنامج الغذاء العالمي في اليمن قبل عام ونصف تقريباً..! ولم ينس (300) طن أخرى مهداة لليمن، عام 1429 هجرية!
وذكر البيان كيف أن المملكة وافقت على تقديم منح مالية سابقة وقديمة أوردها بالأرقام المالية، وعمدها بالأحرف، محيطاً الجانب اليمني بأن المملكة قامت بدفع كامل حصتها لدى الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخاصة بانضمام الجمهورية اليمنية إلى دراسة الجدوى الاقتصادية لإنشاء سكة حديد تربط دول المجلس.
لقد ذكرنا البيان تقريباً بمعظم المنح والاتفاقيات القديمة، بما فيها: التعاون الجمركي، ومحاضر اجتماعات الفريق الفني التجاري السعودي اليمني لدراسة انسياب السلع بين البلدين (الخامس، السادس، السابع) والتي يرجع بعضها لأكثر من ثلاثة أعوام تقريباً، واجتماعات مجلس الأعمال السعودي اليمني المشترك، ومساعدتنا في تذليل عدد من الخطوات التي تخدم انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية والمنظمات الإقليمية، وتدريب عدد من موظفي هيئة المواصفات وضبط الجودة اليمنية.
كما أشار إلى إبداء الجانب اليمني شكره على تبرع صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام بإنشاء مستشفى جامعي ومركز للأورام بجامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا في مدينة المكلا أثناء زيارته لها شهر يونيو من العام 2006. فيما أنه أشاد - بلسان الجانب اليمني- بالخدمات الطبية التي يقدمها مستشفى السلام بصعدة والمستشفى السعودي بحجة، اللذين بنتهما المملكة سابقاً، والتي يعود بعضها لمطلع التسعينات. كما أشار بالتذكير للدعم الذي قدمته المملكة كمنحة لبرنامج مكافحة الملاريا، فضلاً عن التعبير بالارتياح لبعض المشاريع المدعومة سعودياً في مجالات الشباب والرياضة، والإشادة بمجموعة من نتائج لقاءات لأعوام سابقة.
ذكرنا البيان بمنحة غاز البترول المسال (30,000) ألف طن متري، الذي قدمته المملكة أواخر شهر ذو الحجة 1428ه حيث وصلت تباعاً على دفعات خلال عام 1429ه. وأثناء انتقاله من مجال إلى آخر، ظل البيان –غالباً– يذكر بالاتفاقيات والمنح والمساعدات القديمة المقدمة لليمن، مضافاً إليها إعراب الجانب اليمني عن شكره وامتنانه وارتياحه.. الخ، مع ملاحظة أنه كان يتطرق أحياناً للحديث عن توقيع اتفاقيات مستقبلية، يرجع بعضها إلى وقت سابق، كانت قد تمت الإشارة إليها في دورات سابقة للمجلس، فيما يبدو أنه لم يتم التوقيع عليها إلا خلال هذا الاجتماع.
الخلاصة والاستنتاج: ربما كانت هذه المرة هي الأولى – تقريباً – التي تظهر فيها مثل تلك التفاصيل، ويتم نشرها بهذه الصورة في الصحافة السعودية المستقلة، واليمنية الرسمية. مقارنة ببقية بيانات المجلس السابقة التي لم تكن خواتمها على هذا النحو، بل غالباً ما كان يكتفى بالإشارة إلى انعقاد المجلس وخروجه بمجموعة قرارات هامة، ربما مع ذكر بعضها أحياناً لأهميتها إعلامياُ..
والسؤال الحتمي، الذي يفترض أن يكون هنا هو: لماذا تم دش كل تلك القضايا والأمور ليتجاوز البيان 10 صفحات، ببنط خط 12؟ هل كان لازماً القيام بمثل هذا الأمر؟ وعلى تلك الشاكلة؟
تفسير أول: ربما بسبب توقف اجتماعات المجلس لأكثر من عامين.. بدا الأمر هنا كما لو أنه إعلان لإعادة التأسيس من جديد من حيث محاولته التذكير بما تم الاتفاق عليه في المرات السابقة للبناء عليها..!
تفسير ثان: يفضل البعض القول أن الأمر كان مدروساً من الجانب السعودي. من حيث أن إيراده كل تلك التفاصيل إنما أريد من خلاله تذكير الجانب الحكومي الرسمي بما قدمته الرياض من مساعدات كبيرة، في الوقت الذي يبدو فيه أن عدم اهتمام الجانب الرسمي اليمني كثيراً بمؤتمر الرياض من الناحية الإعلامية المسبقة يرجع لعلمه المسبق من أن المملكة لن تقدم شيئاً جديداً، أكثر من الموافقة على تخصيص ما تبقى عليها من أموال منحة المليار دولار.
تفسير ثالث: هناك من يرى أن الأمر إنما يتعلق بمحاولة إيصال رسالة للمواطن اليمني أكثر بكثير ربما من علاقته بتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. وهنا يمكن ربط الأمر بإشاعات تتعلق بحصول الجانب السعودي على معلومات تشكك بنية الجانب الرسمي اليمني في محاربة الحوثيين بشكل جدي، وبالتالي: القضاء عليهم بصورة نهائية..! هناك حديث غير مؤكد عن التقاط الجانب السعودي لمكالمات تعزز هذا الشك.
إن مثل هذا الأمر –لو تأكدت صحته- ربما يجعل من فرضية: أن الرغبة الدولية هي من فرضت على المملكة وجيرانها مواصلة تخصيص بقية أموال المنح التي التزمت بها.. فرضية لا يمكن استبعادها، إلى الحد الذي يمكن معه التأكيد على أن توجهات البيان الختامي التذكيريه المسهبة تندرج في الإطار ذاته..
علاقة ثنائية تحكمها السيطرة أياً يكن الأمر، ففي النهاية لا يمكن القول إلا أن الطرفين كل منهما بحاجة إلى الآخر. وتعد صيغة مجلس التنسيق، في تقديم الدعم السعودي التنموي لليمن، هي الصيغة الأكثر ملائمة لكليهما لتحقيق الاستفادة الثنائية المرجوة.
ومع أن البعض يفضل تكرار الحديث عن تأثر اليمن منذ القدم بما تفرضه عليها سياسات المملكة، إلا أن هناك –في الطرف الآخر– من يفضل الحديث عن تأثر استقرار الجارة الغنية بالثروات الطبيعية بما يحدث من انفلات أمني واضطرابات في اليمن.
ومؤخراً دخلت اليمن في أزمات متراكمة أوصلتها حد تهديد أمن واستقرار الجارة الداعمة. وهنا يذهب الطرف الأول للحديث عن تلك المشاكل بإسناد جذورها للمملكة. وإن لم يكن فبربطها على الأقل بها. فالقاعدة لم تزدهر في اليمن بسبب غياب الدولة المركزية القوية فقط، أو بسبب الفقر كما يعتقد الكثيرون.. بل هناك عوامل سياسية أخرى ترتبط بالعلاقات الحدودية بين البلدين، كما وترتبط أيضاً بالدعم والتمويل المتجاوز للحدود الجنوبية السعودية نحو الشمال اليمني، ومن ثم الانغماس في عمقه.
إن الكثير من أعضاء تنظيم القاعدة وقياداته قدموا إلى شمال اليمن متجاوزين الحدود الجنوبية الشاسعة للمملكة، ليستقروا في البلد الضعيف، بعد أن رأوها ضالتهم المنشودة. كما إن الكثير من الأموال المتدفقة لأعضاء التنظيم يقال أنها قادمة من الموسرين وأصحاب الثروات هناك.
أما الطرف الآخر، فيعكس الأمر تماماً من خلال الحديث عن ضعف الدولة المركزية، وأحياناً عن استغلال السلطات القائمة في البلاد لتلك الجماعات لمزيد من الضغط والحصول على دعم وأموال.
ومع ما يمكن قوله في هذه الثنائية المزدوجة في التأثير على الجارتين، فإن الحديث عن المشكلة اليمنية في الجنوب وتوتراتها المتصاعدة قد تدخل هي الأخرى في الإطار ذاته. ليس فقط من خلال تحرك بعض قيادات الخارج الانفصالية المتواجدة في ملاجئ وحواضن رسمية سعودية، لكن أيضاً من خلال الدعم المالي القادم من تحويلات المغتربين المنتمين للمناطق الجنوبية. وكان الرئيس اليمني بعد سنوات من تصاعد التوتر الجنوبي، قام بزيارة إلى المملكة وتحدث مع ملكها حول الأمر، بحسب مانشرته الصحافة حينها. كما التقى ببعض المغتربين هناك، ولم يخفي أثناء حديثه المعلن معهم، مشلكة التحويلات المالية التي يتلقاها بعض قادة وأعضاء الحراك الجنوبي واستغلالها في دعم الحركة.
إن حركة التمرد الحوثي تدخل في المنوال ذاته، بحسابات كل طرف. فوجود حركة شيعية متمردة تسيطر على مساحة من الحدود مع المملكة أفضت مع المدى إلى إحداث استقطابات دولية، وتحولت الأرض اليمنية إلى ساحة لحرب بالوكالة بين إيران الداعمة للشيعة والمملكة الداعمة للسنة، مما يضني الاقتصاد اليمني، ويفكك السلم الاجتماعي وفكرة التعايش بين المذاهب المختلفة.
قد يكون ذلك صحيحاً، وربما العكس. غير أن ما لا يمكن الاختلاف حوله –ايا يكن الأمر– أن اليمن تمر بمرحلة معقدة من الصراعات والتوترات، لم تعش مثلها بهذا الكم والتزامن.
وهو ما يتطلب نظرة عميقة وحلول جذرية لمشاكله التي تبدأ بالتنمية وتنتهي بالأمن. لا يمكن القول أن الرياض وساستها ومفكروها ما زالوا يؤمنون بفكرة السيطرة على الأحداث في اليمن، وتغيير السياسات واختيار الحكام، كمرجع وإرث تاريخي قديم، منذ ما بعد تأسس المملكة العربية السعودية، ووصية مؤسسيها بضرورة الإبقاء على الأوضاع في اليمن على تلك الشاكلة، والسيطرة عليها من بعد!
فحتى ولو لم يكن ذلك الأمر صحيحاً، على تواتره، فإن الأمر ذاته خرج عن السيطرة من بين يدي رجل قوي ظل يعمل على الشاكلة ذاتها، منذ أن رسى الاختيار عليه في العام 1978، وكان للجارة نصيب وافر في اختياره.
في نتائج مؤتمر الرياض للمانحين: قال مصدر مقرب في الحكومة اليمنية إن نتائج لقاء المانحين الذي عقد في الرياض خلال الفترة 27 – 28 فبراير الماضي، لم يكن بالمستوى المطلوب. وقال إن النتائج التي أفضى إليها أحيطت بهالة إعلامية زائفة، لتدارك ماء الوجه، لاسيما وأن الجانب اليمني كان يعول عليه الكثير عقب الإحباط الذي مني به في لقاء لندن الأخير(27 يناير الماضي).
تشير بعض التقارير المنشورة في الصحافة، قبل أيام من انعقاد مؤتمر الرياض الأخير، أن الحكومة اليمنية كانت تسعى، من خلال المؤتمر، لمطالبة المانحين بمبلغ 44 مليار و535 مليون دولار، لتغطية احتياجات قطاعات التنمية حتى عام 2015. واستندت تلك التقارير إلى ما قالت عنها "الوثيقة التي سيقدمها الوفد الحكومي اليمني للمانحين في اجتماع الرياض"، تحت عنوان "الإعداد والتحضير لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الرابعة للتخفيف من الفقر 2011- 2015".
حيث تذهب الوثيقة للتأكيد أن الموارد المالية المطلوبة للإنفاق على أهداف التنمية للألفية خلال الفترة 2010- 2015 والبالغة 44 مليار و535 مليون دولار تتوزّع على القطاعات المختلفة على النحو الأتي: التعليم العام حدد له مبلغ 16 مليار و120 مليون دولار، التعليم العالي مليار و813 مليون دولار، التعليم الفني والمهني 3 مليارات و813 مليون دولار، الصحة 13 مليار و893 مليون دولار، المياه والصرف الصحي 3 مليارات و108 ملايين دولار، الطرق مليارين و37 مليون دولار، الكهرباء مليار و828 مليون دولار ، والزراعة مليار و716 مليون دولار، والأسماك بمبلغ 208 ملايين دولار.
لم تحصد اليمن من هذا المؤتمر سوى مبلغ 430 مليون دولار، من جارتها المملكة العربية السعودية، هو ما تبقى من التزامها في مؤتمر لندن 2006. فيما لم يعلن عن إعادة تخصيص أية مبالغ أخرى لبقية دول الخليج والدول الأخرى المانحة التي كانت التزمت بها في مؤتمر لندن 2006، وأوقفتها لأسباب إدارية، يرجح أنها تتعلق بأسلوب إدارة الجانب الحكومي اليمني لتلك المخصصات.
الرياض تعلن براءة ذمتها: تعتبر المملكة العربية السعودية هي الدولة ذات المنحة الأكبر من بين كافة الدول، حيث خصصت مبلغ مليار دولار، كانت دفعت منها خلال السنوات الماضية مبلغ 642 مليون دولار – حسب تصريحات نسبت للعضو المنتدب للصندوق السعودي للتنمية يوسف بن ابراهيم البسام – وذلك في تمويل مجموعة من المشاريع. وأكد البسام "أن الرياض تقوم حاليا بتمويل مشاريع يتم العمل على إنجازها" . وفيما أعلنت الرياض – على ضوء ما سبق الإشارة إليه - ايستيفاءها المبلغ الذي التزمت به أمام اليمن في مؤتمر المانحين (لندن 2006)، فإن مؤتمر الرياض الأخير للمانحين لم يخرج بنتائج ملموسة بهذا الشأن، على الرغم أنه خصص من أجل "البحث في وتيرة تحقيق المشاريع خلال السنوات الثلاث الماضية في اليمن". حسب ما نسب من تصريحات لمدير إدارة التكامل الاقتصادي في مجلس التعاون الخليجي عبدالعزيز العويشق. والذي أكد – حسب الوكالة الفرنسية - : أن المجتمعين "بحثوا في سبب التعثر" في صرف المساعدات الموعودة لليمن"، لكنه لم يشر إلى نتائج الاجتماع.
إن إجمالي تعهدات مؤتمر لندن 2006، بلغت (4,7) مليار دولار، أضيف إليها مبلغ مليار دولار بعد المؤتمر لتصل (5,7) مليار دولار..ويمثل نصيب دول مجلس التعاون الخليجي منها حوالي 80%.
وأكد العويشق للصحافة أن 58% من المبالغ الموعودة في لندن العام 2006 قد خصصت لمشاريع، إلا أنه استدرك ذلك بالقول إن "ذلك لا يعني أنها صرفت بالضرورة" . يختلف حول دقة نسبة المبالغ التي استلمتها اليمن من التزامات المانحين السابقة الذكر، ويرجح البعض أنها لا تتجاوز نسبة ال 10% من إجمالي المبلغ، فيما ذكر مسئولون في الحكومة اليمنية – في وقت سابق - أن اليمن استلمت أكثر من 50% من التزامات دول مجلس التعاون الخليجي.
إن الحديث عن فشل اليمن في حصد نتائج المرحلة الثانية من فشلها في إدارة البلاد – إذا اعتبرنا أن المرحلة الأولى تجسدت في اللقاء الأخير في لندن يناير الماضي– جعل من تصريحات المسئولين اليمنيين على هامش لقاء الرياض تتسم بالحدة والمواجهة مع المجتمع الغربي.
فقد شدد نائب رئيس الوزراء اليمني للشؤون الاقتصادية عبدالكريم الارحبي، في تصريحات على هامش ذلك الاجتماع الذي استمر يومين، على "ضرورة تسريع عملية تخصيص تعهدات المانحين المقدمة لليمن" من قبل الجهات المانحة في العام 2006. واعتبر أن من شأن صرف هذه الأموال أن تمكن الحكومة اليمنية من "الإيفاء بالتزاماتها التنموية ومواكبة السقف الزمني لتنفيذ مقررات الخطط التنموية" وبالأخص: الخطة الخمسية 2011-2015. (يرجح أنه قصد بذلك: الخطة الخمسية التي أشرنا إليها في المقدمة).
الأرحبي –الذي قدم تلك الخطة إلى الاجتماع الذي شارك فيه ممثلون عن دول مجلس التعاون الخليجي والمانحين الدوليين الرئيسيين –انتقد بشدة ما أسماها "بيروقراطية" بعض الدول المانحة في تسليم تعهداتها . وبحسب ما نسبته بعض كالات الأنباء العالمية، للأرحبي، فإن الخطة تركز على "توسيع فرص التعليم في المناطق الريفية وتوسيع فرص الحصول على الخدمات الصحية وبرامج شبكة الأمان الاجتماعي إلى جانب توسيع مجالات استيعات العمالة اليمنية في الأسواق الخليجية". بحسب الوكالة الفرنسية.
وفيما يتحدث البعض عن وضع اليمن المحرج أمام مجتمع المانحين الدوليين، بسبب ما يمكن أن يتعرض له خلال الفترات القليلة القادمة بسبب سوء الأوضاع الداخلية بمختلف تفرعاتها..يعتقد بعض المتبابعين أن بقية دول الخليج، ومعها بقية الدول والجهات الدولية المانحة الأخرى، ستعلن جدولة ما تبقى عليها من التزامات مالية خلال الأيام القادمة. ربما بعد أن يعود ممثلوها إلى بلدانهم لتقديم تقاريرهم اللازمة حول ماتم مناقشته والاتفاق عليه في لقاء الرياض الأخير.
أو ربما – بحسب ما يعتقده آخرون – أن تعلن تلك الدول عن تخصيص ما تبقى لها من مبالغ، في المؤتمر الخاص ب"أصدقاء اليمن" والذي من المتوقع أن يعقد في أواخر مارس الحالي. حسب إحدى توصيات لقاء لندن الأخير.
ربما ذلك هو ما لفت إليه رئيس الحكومة اليمنية الدكتور علي مجور حين قال: "إننا نتطلع غلى دور اكبر من قبل دول المجلس في إطار مجموعة أصدقاء اليمن لدعم مسيرة التنمية والتطوير والاستقرار في اليمن خلال السنوات المقبلة". بحسب وكالة الأنباء السعودية.
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية –التي نقلت التصريح- أن مجور كان يشير "إلى المجموعة التي تشكلت رسمياً نتيجة اجتماع لندن والتي ستعقد اجتماعاً في اذار/مارس او نيسان/ابريل في العاصمة الألمانية على الأرجح بحسب معلومات نشرت في صنعاء". وتوضح الوكالة في خبرها أن مجور اشار أيضاً إلى "أهمية استيعاب العمالة اليمنية في دول مجلس التعاون الخليجي" تمهيدا للانضمام الكامل لليمن إلى المجلس . وقالت: "وفيما يطالب اليمن باستمرار بالانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، إلا أن أعضاء المجلس لا يبدون حماسة للموضوع، لاسيما بسبب العدد الكبير لسكان اليمن (24 مليونا)، وهو عدد يساوي تقريبا عدد مواطني دول المجلس الست مجتمعة، والفارق الاقتصادي الكبير بين الطرفين" . إن الطوق الأخير –ربما- والذي ما زال اليمن يتشبث به، يتعلق بإعداده الجديد، والمقنع على أمل حصد نتائج المرحلة الثالثة والأخيرة في لقاء مارس القادم.
ومالم يعدّ لذلك جيداً من خلال القيام ببعض الإجراءات المسبقة، والتي من شأنها إحداث نقلة جيدة لتنفيذ أهم ما جاء في أولويات الحكومة العشرة التي قدمتها للمانحين ضمن لقاء لندن –يناير.. فإنها حتماً ستقدم نفسها قرباناً للاضطرابات الداخلية المتسارعة وازدياد وتيرة السخط الداخلي والخارجي.
إن أول خطوة يعتقد أن تقدم عليها، هي إحداث تعديل وزاري مناسب، خلال الأيام القليلة القادمة. وحتى تؤتي هذه الخطوة ثمارها المرجوة يجب أن يحدث بعيداً عن الاعتبارات السياسية، وتقديم وجوه جديدة ونزيهة، دون الأخذ بعين الاعتبار النظرة التوجيهية الخاصة لما يفترض أن تكون عليها المرحلة القادمة على أساس من الشللية وفق نظرية السيطرة الكلية على أجهزة الدولة.