للأحذية في بلدي اليمن قصةٌ مثيرةٌ للاهتمام، فمن خلال الأحذية يمكن أن تقرأ التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لهذا البلد، يمكن أن تلحظ نجاحات هذا الشعب وإخفاقاته من خلال علاقته بالحذاء ومن خلال ارتفاع منسوب ملكيته للحذاء، ويمكن أن تقيس بالأحذية أيضاً معادن وأخلاق الرجال.. وإليكم القصة. معظم اليمنيين في فترات عديدة وهي فترات النكوص والتراجع والفقر، وما أكثرها في تاريخ هذا البلد، لم يكن معظمهم ينتعل الأحذية، فكان يضطر إلى المشي بأقدام حافية وعاش الكثير من الناس حياتهم على هذا النحو.
في تاريخنا المعاصر، اقترن حكم الأئمة في الشمال بتاريخ من الحفاء، حتى أن جيشاً بكامله في بلدنا، عُرف على نطاق واسع بأنه "الجيش الحافي" .. وقامت الثورة وبدأت ظروف الناس تتحسن نسبياً فبدأ معظمهم ينتعل الحذاء، بل أنه حدث تطور لافتٌ جدير بالتقدير والاهتمام.
ففي عهد الرئيس الحمدي، أصبحت الغالبية العظمى من اليمنيين تنتعل الحذاء، والتطور الأبرز في هذه الفترة أن الناس كانوا يدخلون إلى المساجد للصلاة دونما حاجةٍ للبحث عن مخبأٍ آمنٍ لأحذيتهم، حتى حدث النكوص من جديد!.
بدأ ذلك من أول أيام عهد الرئيس السابق علي صالح، فبسبب المفاسد الكثيرة التي انتشرت في عهده وأثَّرتْ على حياة الناس المعيشية ازدهر اقتصاد موازٍ هو اقتصاد سرقة وبيع الأحذية، وأصبح مرتادو المساجد خائفين على أحذيتهم من السرقة أو الضياع، حتى أن البعض منهم فضّل الصلاة في بيته خوفاً على الحذاء.
ذات يوم سألت صديقي المتدين محمود النقيب: لماذا لا تدع الحذاء في مؤخرة المسجد وتنصرف للصلاة بخشوع؟ فأجابني: أخشى على ضياع حذائي، ونطق بحكمةٍ لا زلتُ أحفظها جيداً: "يؤُمك ولا يغمك"، أي يبقى الحذاء أمامك وأنت تُصلي ولا تتركه بعيداً عنك فيتسبب لك بالهم والغم.
أصبح الحذاءُ في اليمن من فرط الحاجة إليه وعدم قدرة الناس على تعويضه في حال السرقة، يحتل مكانةً عزيزةً لدى معظم اليمنيين البسطاء، ولهذا ترى صناديق الأحذية تتقدم المصلين وتُحيط بهم من كل جانب، وبزوايا تسمح لكل مصلٍ بإبقاء نصف نظره إلى القبلة والنصف الآخر على الحذاء.
كنت أتساءل ماهي أهم الإنجازات التي تحققت بعد حكم دام 33 سنة للرئيس السابق صالح، فوجدت أخيراً أن الحذاء حقق مكاسبَ هائلةً في حياة اليمنيين، وقلت في نفسي لماذا لا نحتسب هذا مكسباً من مكاسب العهد السابق.. صحيح أن الحذاء هو الذي فاز بالمكانة اللائقة في خاتمة ذلك العهد، ولكن ما الضير في ذلك.. تهانينا للحذاء.. المجد للأحذية.