الإعلان عن حصيلة ضحايا العدوان على الحديدة وباجل    أكسيوس: ترامب غير مهتم بغزة خلال زيارته الخليجية    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    الامارات العربية تضمّد جراح عدن وتنير ظلامها    تغيير رئيس الحكومة دون تغيير الوزراء: هل هو حل أم استمرارية للفشل؟    ودافة يا بن بريك    إيران تكشف عن حجم الخسائر الأولية لانفجار ميناء رجائي    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    إسرائيل لا تخفي أهدافها: تفكيك سوريا شرط لنهاية الحرب    طيران العدوان الأمريكي يجدد استهداف صنعاء ورأس عيسى    قرار رقم 1 للعولقي بإيقاف فروع مصلحة الأراضي (وثيقة)    الحذر من استغلال العليمي مبررات (إصلاح الخدمات) في ضرب خصومه وأبرزهم الانتقالي    أعنف هجوم إسرائيلي على اليمن يدمر ميناء الحديدة    بعد فشل إطلاقه.. صاروخ حوثي يسقط بالقرب من مناطق سكنية في إب    "مسام" ينتزع أكثر من 1800 لغم حوثي خلال أسبوع    وسائل اعلام اسرائيلية: هجوم اسرائيلي أمريكي شاركت فيه عشرات المقاتلات ضد اهداف في اليمن    عشرات الغارات استهدفت ثلاث محافظات    وقفة نسائية في حجة بذكرى الصرخة    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    سوريا .. انفجار الوضع في السويداء بعد دخول اتفاق تهدئة حيز التنفيذ    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    الكثيري يبحث مع فريدريش إيبرت فتح آفاق دعم دولي للجنوب    الرهوي يناقش مع الوزير المحاقري إنشاء منصة للأسر المنتجة    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    تفاصيل جديدة لمقتل شاب دافع عن أرضه بالحسوة برصاص من داخل مسجد    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    مرض الفشل الكلوي (3)    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخاطر السياسة الحالية لدعم المشتقات النفطية والسياسة البديلة
نشر في المصدر يوم 20 - 07 - 2014

عادةً ما تتبنّى دول مختلفة سياسة الدعم بما فيها دعم المشتقات النفطية كأداة استراتجية مؤقتة، وفى إطار أهداف تختلف من دولة إلى أخرى إلا أنها تتجه في معظمها إلى تشجيع قطاعات معيّنة أو تحقيق نوع من تنوع النشاط الاقتصادي أو كشكل من أشكال الدعم المباشر للفئات الفقيرة بهدف تحقيق مبدأ الحماية والعدالة في إعادة توزيع الثروة الطبيعية بين المواطنين.

إلا أن استخدام تلك السياسة كأداة ثابتة أو تحولها إلى مبدأ عام يترتب عليه آثار جانبية عكسية تتحول عندها إلى عبء على الاقتصاد وذات تكاليف متعددة الأبعاد, الأمر الذى دفع كثيراً من الدول بما فيها بعض الدول المنتجة للنفط إلى انتهاج سياسيات بديلة تختلف مستوياتها بحسب طبيعة وخصوصية اقتصاد كل دولة.

فى اليمن كانت سياسية الدعم قائمة على نطاق واسع خلال الحكومات المتعاقبة في العقود الثلاثة الماضية شملت مختلف السلع بما فيها دعم بعض السلع الغذائية كالقمح مثلاً، وما زالت سياسة دعم المشتقات النفطية مستمرةً إلى الآن. ومع بروز المؤشرات السلبية لهذه السياسة وتفاقم آثارها، وفي ظل التدهور الاقتصادي المتلاحق الذي شهده الاقتصاد في بداية التسعينات، شرعت اليمن في إعداد وتنفيذ برامج إصلاحات اقتصادية ومالية مختلفة وبدعم من المؤسسات الدولية تحديداً في منتصف التسعينات كانت من أهم نتائجها تحرير أو رفع الدعم عن المواد الغذائية تحديداً القمح، وكانت نتائج هذا القرار إيجابية بكل المقاييس، خلافاً لما كان يطرحه البعض من أهمها استقرار السعر والكميات المستهلكة وانتظام المعروض منها وفقا للطلب الحقيقي، فضلاً عن زيادة حجم الانتاج المحلي من مادة القمح [1].

بالمقابل لم يتم التعامل مع سياسة رفع الدعم عن المشتقات النفطية بنفس الكيفية بل تحولت إلى سياسة ثابتة وظلت ومازالت عُرضة للتجاذبات السياسية إلى الآن حتى تفاقمت آثارها السلبية وتحوّلت إلى عبء اقتصادي ومالي يُساهم في التدهور الاقتصادي بل وخطر حقيقي يعيق أي محاولات لإيقاف التدهور ناهيك عن تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.

بلغ حجم الإنفاق على دعم المشتقات النفطية خلال الفترة "2009-2012" كمتوسط سنوي حوالى 400 مليار ريال وبنسبة متوسطة من إجمالي حجم الإنفاق العام تصل إلى 30٪، وهذه النسبة تفوق ما ينفق على كل من التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية مجتمعة, كما أصبحت تشكل حوالي 10% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي [2]، وهي ضعف نسبة حجم عجز الموازنة إلى الناتج المحلي كمتوسط خلال نفس الفترة، فضلاً عن ذلك هناك آثار سلبية غير مباشرة لهذه السياسية تتمثل في سُوء استخدام الموارد [3]، زيادة غير طبيعية في حجم الاستهلاك المحلي من تلك المشتقات, كما يترتب عليها إحداث تشوّهات سعرية مختلفة بالإضافة إلى مساهمتها فى انتشار ظاهرة التهريب إلى بعض أسواق دول الجوار بسبب فارق السعر المغري بين مستوى أسعار السوق المحلية وأسواق تلك الدول.

الجانب الأهم من كل ذلك أن هذا السياسة لم تعد تنسجم مع مبدأ الدعم الذي يستهدف بالأساس مكافحة الفقر؛ لأن هذه السياسة غير موجهة لتلك الفئات المعنية بالدعم، بل عبارة عن دعم عام تستفيد منه الأسر الغنية، باعتبارها الأكثر استهلاكاً. بمعنى آخر، تحوّلت هذه السياسية إلى أداة لتكريس عدم المساواة بين أفراد وفئات المجتمع المختلفة، وبالتالي أصبح إيجاد سياسية بديلة مسألة ضرورية ومن أهم أولويات المرحلة الحالية.

تحاول هذه الورقة تقديم سياسة بديلة ترتكز على تحرير كامل لأسعار المشتقات النفطية من خلال مسارين، المسار السريع والمسار المتدرج، كما تتضمّن هذه السياسة الأهداف التالية:
إيقاف التدهور من خلال معالجة سلبيات السياسة الحالية
تحقيق مكاسب أو نتائج إيجابية متعددة الأبعاد
محاصرة أو تقليص الآثار الجانبية التي ستترتب على الفئات الفقيرة المعنيين أصلاً بسياسة الدعم.

سياسة الدعم الحالية
تتمثل سياسة الدعم الحالية فى قيام الحكومة اليمنية في تحديد أسعار المشتقات النفطية وتثبيته عند مستوى يقل عن أسعار تلك المشتقات في السوق الدولية، بحيث يعكس الفارق بين السعرين حجم الدعم الذي تتحمله الموازنة العامة، والذي يظهر كرقم في جانب النفقات، حجم ومقدار هذا الدعم يتغيّر من فترة إلى أخرى وفقاً لعوامل عدة أهما:
1- مستوى أسعار النفط العالمية
2- حجم الاستهلاك المحلي
3- معدل سعر صرف العُملة الوطنية
4- مستوى الأسعار المحلية لتلك المشتقات.

ففي ظل ثبات الأسعار المحلية، فإن حجم الدعم عرضة للتزايد المستمر جراء تأثير العوامل الأخرى مجتمعة أو تحت أحدهما. بمعنى آخر، أصبحت هذه السياسة غير قادرة على الصمود أمام تلك العوامل أو السيطرة عليها، وهذا جانب من مخاطر الاستمرار في هذه السياسة, حيث متوسط سعر العالمي للبرميل 108$ خلال الأربع السنوات الماضية قد يرتفع بفعل زيادة الطلب العالمي, كما تواجه اليمن انخفاض مستمر فى حجم الانتاج المحلي، وبالتالي انخفاض حصة الحكومة حيث انخفض مستوى الإنتاج من 441 ألف برميل عام 2001 إلى 154 ألف برميل عام 2012[4]، بنقص سنوي يصل إلى 7%. أي أن مورد البلاد فى طريقه للنضوب في حالة عدم ظهور اكتشافات جديدة, فضلاً عن كل كذلك، جانب آخر يساهم في تعقيد الوضع ويتمثل فى التزايد المستمر في حجم مستوى الاستهلاك المحلي وبمعدلات سنوية عالية تصل في المتوسط إلى 28%، حيث ارتفع حجم الاستهلاك المحلي من 77000 ألف برميل يومياً عام 1990 إلى حوالي 177000 ألف برميل خلال 2012م [5].

على مستوى سعر الصرف المحلي, حجم الدعم يتناسب عكسياً مع سعر الصرف، فكلما انخفض سعر صرف العملة ارتفاع حجم الدعم ولدينا تجربة لتأثير هذا العامل، حيث نلاحظ أن المكاسب التى تحققت من قرارات الزيادات السعرية لتلك المشتقات خلال الفترة "1994-2004" على مختلف الأسعار المحلية وبمستويات مختلفة تلاشت تماماً بسبب تدهور سعر العُملة خلال تلك الفترة والتي وصلت إلى مستوى انخفاض 240% [6]، وبالتالي عاد الوضع إلى نقطة الصفر, فضلاً عن ذلك جميع تلك الزيادة السعرية لم تؤثر على حجم الاستهلاك المحلي من المشتقات، حيث استمر معدل الطلب المحلي فى التزايد، أي أن هناك معدلاً منخفضاً للمرونة السعرية [7]. وهذا مؤشر على وجود قابلية كبيرة لدى السوق لامتصاص زيادات سعرية إضافية إلى مستوى يُساهم في ارتفاع المرونة السعرية عند نقطة معينة لأحداث تغير في حجم الطلب.

حجم وهيكل الدعم
بلغ حجم الإنفاق على دعم المشتقات النفطية حوالي 554 ملياراً عام 2010 و535 ملياراً عام 2011، في حين انخفض عام 2012 إلى مستوى 381 مليار ريال [8].

يستحوذ الديزل على النصيب الأكبر من هذا الحجم وبنسبة 69% 'البنزين 14%، الغاز المنزلي 11%، والكيروسين والمشتقات الأخرى 6%. يصل مستوى استهلاك الديزل إلى حوالي 5 مليار لتر سنويا، في حين البزين إلى حوالي 2.5 مليار تقريباً. قطاع النقل يتصدّر القطاعات الأكثر استهلاكاً للمشتقات، حيث تصل نسبة الاستهلاك إلى حوالي 40%، فيحين يتصدر المرتبة الثانية قطاع الصناعة وبنسبة 30 %، ويستهلك قطاع الزراعة نسبة 12% يتركز معظمه فى نشاط الري، ثم يأتي أخيراً القطاع العائلي وقطاع الخدمات، حيث تصل نسبة الاستهلاك إلى 10% و7% على التوالي [9].

جوانب قصور السياسة الحالية
يمكن القول إن سياسة دعم المشتقات النفطية وبسبب تقادمها واكتسابها طابع الثبات فقدت مبرر وجودها ولم تعد الأداة المناسبة للدعم والتشجيع أو الحماية, بل تحولت إلى عبء على كاهل الاقتصاد اليمني، وبتكاليف باهظة تتفاقم من سنة إلى أخرى, وتُساهم بشكل كبير فى تسارع التدهور الاقتصادي قد يصل إلى حالة الانهيار فى حالة غياب التدخل واتخاذ قرارات إصلاحية وبشكل عاجل؛ لأن عامل الوقت مهم، وكلما كان أسرع كان أقلّ كلفة.

لا تقتصر تكاليف هذه السياسية على الجانب المالية فحسب، وإنما هناك تكاليف متعددة الأبعاد يمكن إيجاز أهمها بما يلي:
أولاّ التكاليف الاقتصادية:
جدول (1) ..علاقة حجم الدعم بأهم المؤشرات الاقتصادية [10]


من خلال أهم مؤشرات الاقتصاد الكُلي وعلاقتها بحجم الدعم المبينة في جدول رقم (1)، نلاحظ أن حجم الدعم لا يقتصر فقط على التكاليف المالية المباشرة التي تتحملها الموازنة العامة للدولة والتي بلغت تريليوناً وأربعمائة مليار ريال خلال الفترة 2010-2012، بل أصبح هذا الحجم يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي من خلال النسبة المرتفعة في حجم الدعم إلى إجمالي الناتج المحلي الإيجابي حيث ارتفعت من 9% عام 2010 إلى 10% فى عام 2012. وهذا النسبة العالية مؤشر واضح على وجود علاقة غير صحية بين حجم الدعم والنمو الاقتصادي, ذات طابع سلبي. أي أصبح لسياسة الدعم تأثير عكسي.

كذلك ومن خلال الجدول نلاحظ أن نسبة عجز الموازنة العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة أقل إلى حوالي النصف مقارنة بنسبة الدعم إلى الناتج المحلي. بمعنى أنه في حالة غياب فاتورة الدعم فإن الموازنة كانت ستشهد فائضاً وبنسبة تصل إلى مستوى العجز الحالي، فضلاً عن ذلك.

ومن خلال المقارنة بين نسبة حجم الدعم ونسبة حجم ايرادات النفط والغاز إلى الناتج المحلي حيث تشير إلى أن معظم ما نصًدره خلال تلك الفترة يذهب في الإنفاق على الدعم، كما أن تزايد نسبة الدعم إلى الناتج مقابل انخفاض في نسبية الإيرادات إلى الناتج تحديداً خلال 2012 مؤشر يوضّح حجم التدهور، وفي اتجاه ذات طابع مستمر في حالة استمرار السياسية الحالية.

يعزز هذا الجانب جدول رقم (2)، والذي يوضح العلاقة بين الصادرات النفطية والواردات من المشتقات، حيث يظهر بوضوح الارتفاع الكبير في حجم الواردات من المشتقات النفطية من سنة إلى أخر إلى درجة يمكن القول إنه وخلال الفترة كل ما نحصل عليه من الصادرات النفطية تستخدم لتغطية الواردات من المشتقات، علماً أن هذا الجدول يوضح الواردات المُغطاة من البنك المركزي، وهناك مقدار آخر تقوم المصافي بتغطية لا تتوفّر لدينا البيانات الخاصة بذلك. وتأكيداً على حالة التدهور المستمر نتيجة هذه السياسة, يمكن الإشارة، ومن خلال بيانات البنك المركزي خلال الربع الأول من عام 2014[11], حيث أظهرت فجوة بين كل من حجم الصادرات المستلمة من النفط وحجم الوردات من المشتقات والمغطاة من البنك المركزي بمقدار 341 مليون دولار. حيث بلغت الإيرادات من الصادرات 404 ملايين دولار، مقابل 745 مليون دولار قيمة واردات المشتقات. بمعنى أن حجم الصادرات خلال الربع الأول لم تعد تغطي حجم الواردات من المشتقات النفطية. وسوف يتفاقم هذا الوضع من سنة إلى أخرى وبشكل متسارع في حالة الاستمرار في سياسة الدعم الحالية من جهة وتأثير عاملي تناقص حجم الانتاج وتزايد معدل الطلب المحلي من جهة أخرى. وهذا بدوره يؤدي إلى تفاقم العجز في الميزان التجاري. والأكثر خطورة من كل ذلك، حدوث تدهور في سعر صرف العُملة المحلية كنتيجة لزيادة الطلب على النّقد الأجنبي لتغطية الحجم المتزايد من واردات المشتقات النفطية، وأمام هذا الوضع المعقّد يمكن الخروج بنتيجة مهمّة وهي أن الأزمة الحالية للمشتقات النفطية والاختناقات المتكررة للكميات المعروضة مرشحة للاستمرار وقد تزداد تفاقماً.

جدول رقم (2)، حجم الوردات من المشتقات النفطية (B- $)[12]

ثانياً: تكاليف تنموية
أصبحت هذه السياسة غير مشجّعة أو محفزة لعملية الاستثمار بصفة عامة، وفي مجال الطاقة البديلة بصفة خاصة, بل تُساهم بشكل كبير في تكريس واستمرارية سياسة غير سليمة لبعض القطاعات؛ أهمها -على سبيل المثال- قطاع الكهربا، وتحديداً سياسة التوليد المتبعة، والتي تعتمد في معظمها على استخدام مادتي الديزل والمازوت.

يعتبر قطاع الكهربا من أكثر القطاعات استفادةً من سياسة الدعم؛ نظراً للسعر المميّز الذى يتحصل عليه القطاع، والذي يقل عن السعر المدعوم في السوق, حيث يتم احتساب سعر 40 ريالاً فقط للتر الديزل، مقابل 25 ريالاً للتر المازوت.

جدول رقم (3): حجم كميات الديزل والمازوت المستخدمة للتوليد الكهربا وإجمالي حجم الدعم (2010-2013)[13]

هذه السياسة من أهم الأسباب، إن لم يكن السبب الرئيس في تدهور هذا القطاع وتدني مستوى الخدمات التى يقدمها, فضلاً عن الدور السلبي لهذه السياسة في عدم تحفيز الاستثمارات الخاصة والعامة في مجال الطاقة البديلة.

ومن خلال الجدول (3)، يمكن توضيح أثر هذه السياسة، والذي يعد كارثة اقتصادية بكل المقاييس. من خلال الجدول نلاحظ حجم الاستهلاك الكبير لمادتي الديزل والمازوت في عملية التوليد سواءً من خلال محطات المؤسسة أو من خلال عقود شراء الطاقة، حيث بلغت الكمية المستلمة من مادتي الديزل والمازوت 2369,3774 مليون لتر على التوالى خلال الفترة.

من خلال احتساب متوسط الدعم لكل لتر بمقدار 150 ريالاً للديزل مقابل 110 ريالات للمازوت, نلاحظ التطور السنوى المتزايد لفاتورة الدعم التي يستهلكها هذا القطاع، حيث بلغت خلال أربع سنوات فقط الفترة 2010-2013. حوالي 770 مليار ريال، أي ما يعادل 3.6 مليار دولار، ناهيك عن السنوات الأخرى. وهذا المبلغ يكفي للحصول على طاقة كهربائية بمقدار 6000 ميجا [14].

في ظل هذه التكاليف الباهظة، أصبحت إعادة هيكلة قطاع الكهربا ضرورة وطنية من خلال تبنّي سياسة إصلاحات شاملة، بحيث يكون التخلص من شراء الطاقة [15]، وكذلك عملية التوليد باستخدام مادتي الديزل والمازوت أهم أولويات تلك السياسة. وفي هذا الشأن, عامل الزمن في سرعة دخول محطة مارب 2 إلى الخدمة ضمن الشبكة أصبح يعكس مصلحة استراتجية عُليا للبلاد ويتطلب التعامل معه على هذا النحو, نظراً لدوره الأساسي في تعجيل عملية التخلص المشار إليها [16].

تكاليف سياسة الدعم الاجتماعية
سياسة دعم المشتقات النفطية لا تنسجم مع المبدأ الذي يرتكز عليه الدعم، والذي يقوم بالأساس على الاستهداف المباشر لشريحة الفقراء المعنية أصلاً بالدعم.

فهذه السياسة غير موجهة وإنما تعكس دعماً عاماً لكل الفئات، بحيث تتعاظم الاستفادة حسب حجم الكمية المستهلكة.

والفئات الأكثر دخلاً هي الأكثر استهلاكاً. فالاستهلاك يدل على الدخل, كما أن مُرونة الدخل مرتفعة بالنسبة لاستهلاك المشتقات النفطية (حوالي 1.95). أي كلما ارتفع الدخل بمقدار 1% كلما زاد حجم استهلاك المشتقات بمقدار 1.95 [17].

وفي ظل النسبة المرتفعة لمستوى الفقر في اليمن، فإن نصيب الفئات الفقيرة من الاستهلاك في حدوده الدنيا. واستناداً على ذلك يمكن القول إن سياسة الدعم الحالية أصبحت مكلفة اجتماعياً, لأنها لا تحقق مبدأ العدالة في توزيع المنافع بل تحولت إلى أداة تعمل على تكريس عدم المساواة، حيث تشير دراسة إلى صندوق النقد الدولي أن حوالي 40% من أجمالي الدعم يذهب إلى 20% من الأسر الاكثر ثراءَ [18].

وتستفيد هذه الأسر من الدعم بطريقة مباشرة من خلال الاستهلاك المباشر لتلك المشتقات أو بشكل غير مباشر من خلال السلع والخدمات التي تقوم بإنتاجها.

السياسة البديلة
في ظل الصعوبات الكبيرة التى يواجهها الاقتصاد اليمني والتكاليف الكبيرة الناتجة عن السياسة الحالة، والتي تفاقم تلك الصعوبات فضلاً عن أزمنة المشتقات النفطية الحالية التي يُعاني منها السوق جراء الاختناقات المتكررة في جانب العرض، كل ذلك جعل خيارات السياسات البديلة محدودة, وتكاد تكون محصورة فى بديل واحد يتمثل فى صيغة سياسية جديدة تقوم على أساس التحرير الكامل لأسعار تلك المشتقات ضمن مسارين، وفى إطار منظومة سياسة إصلاحية متكاملة تشمل قطاعات مختلفة.

المسار الأول: المسار السريع
التحرير الكامل لأسعار البنزين والديزل والمازوت وفقاً لمستوى أسعار السوق الدولية لتلك المشتقات.

المسار الثاني: المسار المتدرِّج
التدرج في رفع المشتقات النفطية الأخرى, الكيروسين والغاز المنزلي, بحيث يكون هذا التدرّج في نطاق برنامج مرتبط بالتقدم المحرز في تحسين مؤشرات الحد من الفقر.

وبهذا سوف يتم التخلص من نسبة 85% من فاتورة الدعم (المسار، الأول)، والتدرج في النسبة المتبقية من حجم الدعم لارتباط تلك المشتقات بفئة الفقراء، حيث تكون عملية التدرج وثيقة الصلة بالبرامج المختلفة المعنية بالتخفيف من الفقر.

الآثار الإيجابية لهذه السياسة:
1- تقليص عجز الموازنة العامة للدولة
2- انخفاض حجم الواردات من المشتقات النفطية نتيجة انخفاض حجم الطلب المحلي من تلك المشتقات.
3- التقليل من مخاطر انخفاض سعر صرف العُملة
4- استخدام أمثل للموارد
5- المسار السريع سوف يسمح بتحقيق فضاء مالي يمكن استخدامه فى زيادة حجم الاستثمار العام أو مواجهة الآثار الناتجة على الفئات الفقيرة ومحدودي الدخل.
6- تساعد هذه السياسة على تحفيز عملية الاستثمار فى مجال الطاقة البديلة تحديداً في مجال توليد الكهربا باستخدام بدائل مختلفة
7- تؤدي هذه السياسة إلى القضاء على ظاهرة التهريب بشكل نهائي.

الآثار السلبية لهذه السياسية:
سوف يترتب على هذه السياسة ارتفاع مفاجئ في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات المختلفة، خصوصاً في القطاعات المنتجة والتي تعتمد على تلك المشتقات، وبشكل خاص قطاعي النقل والصناعة، إلا أن هذا الارتفاع في مستوى أسعار السلع والخدمات لن يكون بمستوى معدل الارتفاع فى أسعار المشتقات المحررة وسيكون ذات طابع مؤقت يعود بعدها إلى نقطة التوازن بفعل تأثير قوى العرض والطلب وكذلك عملية توزيع الأعباء وكذلك ظهور عامل الكفاءة الانتاج وتأثيرها على تقليص تكاليف الانتاج. بمعنى آخر، لدى السوق إمكانية كبيرة لامتصاص تلك الزيادات، خصوصاً في ظل المستوى المنخفض للمرونة السعرية، فضلاً عن ذلك أزمة المشتقات النفطية الحالية ستكون عاملاً مساعداً تؤدى الى ترجيح المواطنين عامل الوفرة عن عامل السعر، خصوصاً وأن معدل الارتفاع سيكون مقبولاً.

الآثار على مستوى الدخل:
وفقاً لمسح ميزانية الأسرة (2006)، يشكل حجم الإنفاق الفردي على المشتقات النفطية نسبة 7% من إجمالي الإنفاق السنوي على مستوى الريف و17% على مستوى الحضر [18]. وبذلك يكون الأثر المباشر محدوداً، كما أن المسار الثاني للسياسة سيشكّل حماية مباشرة للفئات الفقيرة، وكذلك محدودي الدخل؛ نظراً لحجم الاستهلاك الكبير لمادة الكيروسين بالنسبة لتلك الأسر، وبنسبة تصل إلى 92% من تلك الأسر، تتركز معظمها فى الريف.(الثلاث الفئات الأولى الأقل دخلاً تستهلك 40% من حجم الكيروسين، و21 % من حجم دعم الغاز المنزلي, وبالتالي هناك مستوى مقبول من مساحة استهداف الدعم وتوجيهه لتلك الفئات بالنسبة لمادي الغاز والكيروسين. عكس استهلاك مادة الديزل، حيث تستهللك الفئات الأعلى دخلاً -تحديداً الثلاث الفئات الأولى- ما نسبية 71% من حجم الدعم [19]).

التوصيات
1. رفع الدعم بشكل كامل عن كل من البنزين والديزل والمازوت
 إجراءات مرتبطة
a) تعديلات قانونية بشأن الضرائب والرسوم الجمركية وفقاً للسياسة الجديدة
b) إيجاد آلية بديلة لتحديد التكاليف الأخرى، تكاليف ما بعد البيع، ترتكز على الشفافية والمنافسة (تصل التكاليف الأخرى للتر إلى 24 ريالاً)

 إجراءات مقترحة
a) اتخاذ قرار متزامن مع قرار التحرير يقضي بإلغاء كافة الرسوم الأخرى على المشتقات، والتى تم تحديدها بقانون
2. السماح للقطاع الخاص باستيراد المشتقات النفطية وبيعها فى السوق وفقاً للأسعار المحررة وبشكل تنافسي

 إجراءات مطلوبة
A. تشريع قانوني يحدد حجم وشكل وآلية مشاركة القطاع الخاص وينظّم العلاقة مع الجهات الحكومية المعنية. ويضمن المنافسة الكاملة

3. إعداد وتنفيذ برنامج إصلاح شامل لقطاع الكهربا وإيجاد سياسة بديلة؛ من أهدافها التخلص من مادتي البنزين والديزل فى عملية التوليد الكهربا وعدم تجديد أي عقد لشراء الطاقة (معظمها تنتهي خلال هذه السنة)
4. إعطاء أولوية قصوى لمحطة مارب 2 واتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لتسهيل وتسريع دخولها الخدمة
5. معالجة الأسماء الوهمية والمزدوجة من خلال دمج نظام البصمة على مستوى القطاع المدني والعسكري والأمني
6. مراجعة شاملة لحالات الضمان الاجتماعي لتأكد من سلامة استهدافها وتقييم نطاق تغطيتها
7. رفع مستوى الحد الأدنى للأجور إلى مستوى يعادل مقدار انفاق الفرد على المشتقات النفطية بعد الانتهاء من التوصية
8. زيادة حجم التحويلات الاجتماعية، وكذلك توسيع حجم ونطاق التغطية وفقاً للتوصيات الخاصة والناتجة عن مراجعة هذا القطاع بعد الانتهاء من التوصية

الملاحظات والمراجع
[ 1]موقع wheat AttlsWhaet Attls.org/country / consumption/ Yemen .
من خلال بيانات حجم الواردات واستهلاك القمح خلال فترة ما قبل (1999) وبعدها وهي السنة الذي تم فيها رفع الدعم والذي يعكس حجم الخلل الكبير لسياسة الدعم, على مستوى حجم الوردات. نلاحظ أن حجم الواردات بعد رفع الدعم بخمس سنوات أقل من حجم الواردات خلال نفس المدة قبل رفع الدعم، أي واردات الفترة 2001-2005 أقل من واردات الفترة 1999-1995.. وكانت حجم واردات 1996 متساوية تقريباً مع حجم 2006 حوالي مليونين وأربعمائة ألف طن, بمعنى إننا استوردنا احتياج البلاد 2006 في عام 1996.. وللمزيد من التوضيح، على مستوى حجم الاستهلاك كمية الاستهلاك في عام 1997 2.5 مليون طن أقل من كمية الاستهلاك خلال الفترة 2009--2006م 2.4 مليون طن كمتوسط. والمنطق يفترض العكس حتى في حالة ارتفاع الأسعار خصوصاً وأنها فترة نمو لأكثر من عشر سنوات, وهذا يثبت حجم التسرب/ التهريب الكبير للكميات من مادة القمح خلال فترة الدعم
[2]
نشرة أخصائية الحكومة، الربع الأول 2014 ، وزارة المالية
بيان إيرادات النفط والغاز، تقرير البنك المركزي 2012
]3[ الانخفاض في مستوى الأسعار سبب رئيس للاستخدام غير الفعّال للموارد سواء على مستوى الاستهلاك الشخصي أو فى إطار العملية الإنتاجية
[4]
Abdurahm ,Dahan,(2014) , the estimation of energy demand in Yemen, international
journal of econmic and finance , Vol, 2,2014
-[5] نفس مصدر 4

[6]
IMF , Case studies on energy subsidy reform, lessons andimplication , Janaury 28, 2013
[7]
وفقا لدراسة عبد الرحمن دحان، تم تقدير مرونة الدخل ب1.95، والمرونة السعرية بمقدار 0.28، تم تقدير المرونة السعرية على مستوى المؤشرات.
[8]إحصائية مالية الحكومة، الربع الأول، وزارة المالية (2014).
] 9 Breisinger , WildriedEngelke , and -OlivererEcker , 2011,[ Petoruleim Subsidies in Yemen, Clemens Leveraging Reform for development , international food policy Research Institute,
[10] نفس مصدر (2)
]11[
- البنك المركزي، مذكرة داخلية مرفوعة إلى المحافظ..
[12]البنك المركزي، التقرير السنوي 2012
[13]
تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لعام 2012
تقرير البرلمان بشأن أزمة المشتقات النفطية، أبريل 20
[14] تقديرات الباحث على أساس تكلفة توليد 1 ميجا ب600000 دولار
[15] الطاقة المشتراة وصلت إلى حوالي 554 ميجا، منها 50 ميجا تولّد باستخدام مادة الغاز فقط، والباقي 504 ميجا تستخدم مادتي الديزل والمازوت.
[16]الإسراع في دخول محطة مارب 2 للخدمة سوف يجنّب الحكومة تجديد شراء الطاقة لبعض العقود المرتبطة بالشبكة الموحّدة للتوزيع.
[17]للمزيد من التفاصيل حول المرونة السعرية ومرونة الدخل الخاصة باستهلاك المشتقات النفطية, يمكن الرجوع إلى مصدر الدرسه في (4).
[18]
World bank(2005a) . Household energy supply and use in Yemen ,Valume 1 , main report, No. 315/05, Desmbzr 2005
[19]
المصدر 18.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.