تُتمتم الطفلة شيماء المصري، ابنة الأربع سنوات، كلمات قليلة تبدو للوهلة الأولى غير واضحة. لكن سرعان ما يتبيّن أنها منذ إصابتها لم تنطق إلا بكلمة "ماما"، ولم تتعرف إلا على والدها. شيماء تُعالج وحيدة في مستشفى الشفاء في مدينة غزة، فقد باعدت صواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية بينها وبين والدتها وشقيقها وشقيقتها، بعدما استهدفتهم بصاروخين، فقط تبقت لها دمية جلبتها لها عمتها، التي باتت صديقتها الوحيدة على سرير الشفاء. قررت العائلة الهرب من الصواريخ التي كانت تسقط على مقربة من بيتهم شرقي بيت حانون (شمال القطاع)، إلى بيت أقاربهم في منطقة يعتقد أنها آمنة. وفي طريقهم، حصلت الفاجعة واستشهدت الأم على الفور إلى جانب ابنها. يقول والد شيماء إبراهيم ل "العربي الجديد": "بعد دقائق على خروج العائلة من المنزل، سمعت صوت قصف صاروخي تبعه آخر. بعدها، تلقيت اتصالاً يخبرني أن زوجتي سحر(38عاماً)، وابني محمد (14عاماً) باتا في ثلاجات الموتى، وأسيل وشيماء في غرفة العمليات". ويضيف: "سقط الصاروخ الأول على محمد مباشرة، وقد كان متقدماً في السير. سقط غارقاً بدمائه على الفور. توجهت والدته لترى ما حل به، لكن الصاروخ الثاني كان في انتظارهما". وكان إبراهيم قد بقي في البيت لإخراج بعض الأوراق الشخصية.
هرع إبراهيم إلى المستشفى، ليجد أسيل (17 عاماً) وقد غمرتها الشظايا، وأصيبت بجروح خطيرة في الطحال والكليتين. وبعد ساعتين من العملية، أعلن عن استشهادها، فيما حُوّلت شيماء إلى مستشفى الشفاء لخطورة حالتها. كانت أسيل تستعدّ لتزفّ لعريسها محمد بعد عيد الفطر. جهزت كل شيء، لكن صواريخ الاحتلال هدمت تلك الحياة قبل أن تبدأ.
توزعت في كافة أنحاء جسد شيماء الصغير شظايا صاروخ، ما سبب لها نزيفاً داخلياً وجراحاً في الطحال. خضعت لعلمية جراحية استمرت نحو ثلاث ساعات، قبل أن يعود النزيف مجدداً بعد أحد عشر يوماً من الإصابة. أخبر الأطباء إبراهيم أن ابنته منذ وصولها إلى المستشفى لم تتحدث مع أحد حتى عمتها، ودائماً ما كانت تستفسر عن أمها وأختها وأخيها، وهي تستذكر لحظة سقوط الصواريخ عليهم.
يضيف إبراهيم: "ما إن وصلت إلى باب الغرفة التي ترقد بها شيماء، حتى استيقظت واحتضنتني. كانت لحظات تشبه الوجع الذي شعرت به حين رأيت جثة محمد وقد هُشّم رأسه، قبل أن تروي لي بعدها ما حصل بالتفاصيل". ويختم الوالد المفجوع قائلاً: إن "جميع المصابين في المستشفى هم أطفال ومسنون ونساء"، متسائلاً: "هل هذا هو بنك الأهداف الإسرائيلي؟".