كذبوا علينا وقالوا "الصحة للجميع عام 2000، ومن يومها واحنا مقعللين في انتظار شهادة الشفاء. انتهى العام 2000 وقد زدنا فوقه 14سنة، لكأننا نحضر خلالها البلكالوريوس والماجستير والدكتوراة، والحال هو هو، كل يوم ونبع لنا مرض جديد. الصحة للجميع عام 2000، ولا أدري للأمانة أي صحة يقصدون! يمكن قصدهم "نادي الصحة الرياضي" مثلاً؟ وحتى هذا قد حالة أبوه حالة، والله ماعد باقي منه إلا تاريخ الأطباء الذين أسسوه قديما في تعز. بمناسبة الصحة، أصبح كُسر رأس اليمني لما تقول له ابنك أو أخوك أو أمك تعبان ولازم تسعفه للمستشفى، وأفظع منها لما تقول له: مريضك يحتاج علاجاً في الخارج. حينها يتمنى لو أن الأرض تنشق وتبلعه ولا يعيش مهانة البحث عن تكاليف التطبيب. أعرف صديقاً من أسرة تكاد تكون معدمة، مرض والده قبل فترة. أسعفه إلى المستشفى الحكومي ونصحوه- حفاظاً على سلامة والده- أن ينقله إلى مستشفى خاص "ضخم"، لأن هذا الأخير مجهز بغرفة إنعاش بشكل حقيقي.. يومها لم يعد الفتى قلقاً على صحة والده بقدر ما كان قلقاً من فاتورة المستشفى المعروف بأنه 5 نجوم. كان الفتى يجلس- في بهو المستشفى الأنيق- وهو مطنن ومفجوع ومفاصله ترتعد وشفايفه جافة وأفكاره ملخبطة ورأسه حاير، ويحدثني بخوف ولكأن والده يستعد لتنفيذ حكم إعدام في حقه! سألته: مالك مفجوع، صلي عليه؟ حالته مش خطيرة. رد وهو يتقارح في وجهي ساع الطماش: أنا الذي حالتي خطيرة .كيف أعمل؟ وأردف يقول: مائة ألف ريال دفعتها الآن بس تحت الحساب عشان يقبلوا يدخلوه الإنعاش. بعد أسبوع من الرقود في الإنعاش، وقد باع الولد وعائلته ما تحتهم وما فوقهم، خرجت من قسم الحسابات فاتورة بمليون وثمانين ألف ريال. الولد والفاتورة في يده يسأل موظف الحسابات: وهذه كله حق أيش، والله لو هو راقد في فندق سبعة نجوم؟ رد موظف الحسابات بتجهُّم: هذه تكاليف الرقود في الإنعاش، له أسبوع تحت العناية المركزة. رد ابن المريض ضاحكاً: بس شكله وقع أسبوع حناني طناني.. الوالد افتهن في روح.. سهر ورقص وبنات وشراب! يهْنَا. [email protected]