في خطابه الأخير الذي عبر فيه عن تألمه من موقف المشترك المتضامن مع الحراك الجنوبي، قال الرئيس علي عبدالله صالح إن قيادي في المشترك و "في الإصلاح خصوصا" قال إنه "سيهدم الوطن وسيبنيه من ماله الخاص".. ولم يكن غير الشيخ حميد الأحمر المقصود بذلك.. فمؤخرا أصبحت هواية السلطة لتبرير فشلها في التوصل لاتفاق مع المشترك لتنفيذ إتفاق فبراير تحميل حميد ولجنة الحوار الوطني التي يشغل أمينها العام مسؤولية ذلك الفشل. لا أحد ينكر أن الخلاف بين الشيخ والرئيس ربما أخذ منحى شخصيا.. فما قاله الشيخ حميد في الرئيس علي عبدالله صالح لم يسبقه إليه أحد، ولا والده الشيخ عبدالله الذي رغم حجمه الثقيل ظل يبقي على شعرة معاوية مع الرئيس حتى وفاته وأكبر شيئ قاله "إن البلد يدخل في النفق المظلم " ومع ذلك ردها الرئيس إليه بلقطة صحيفة الميثاق عن الشيخ الناكر للجميل.. ربما لا يسعد الرئيس بأداء مستشاره السياسي المتمرس الدكتور عبدالكريم الأرياني في الحوار مع المعارضة، بقدر ما تفرحه تصريحات الشيخ سلطان البركاني بحق حميد الأحمر، يقال أن الرئيس "كيف" أسبوع كامل بمقولة البركاني عن حميد أنه "الطفل المعجزة" وهو ربما ما يفسر تباهي البركاني بدور " ولد المؤتمر البذيء". في المؤتمر الصحفي الذي عقده الدكتور عبدالكريم الأرياني الشهر الماضي لتوضيح بعض النقاط لفشل التوصل لاتفاق للتحضير المشترك للحوار الوطني الشامل، تحمس البركاني كثيرا عندما سأل صحفي عما إذا كان الشيخ حميد هو من يضغط على المشترك لعدم التوصل للاتفاق، وصاح وهو يكاد يقفز من مقعده "حميد عندي" "حميد عندي" وقال رغم محاولات الارياني منعه من الكلام، من ينقذنا من حميد الأحمر الذي صادر حديقة الأطفال بصنعاء والبحر بعدن وكلام آخر.. لم يكن يدرك البركاني حينها أن ما سيقوله عن حميد سيغطي على الرسالة الرئيسية من وراء المؤتمر وهو ما كان يدركه الارياني جيدا.. لا يهم البركاني ذلك، يهمه "هم معاهم لسان واحنا معانا لسان أطول منهم " ..ويلاحظ عليه في معظم اللقاءات التلفزيونية تكراره جملة "لا تخلوناش أحكي، شاشرشح، شاقول " ويبهرر بعينه بابتسام متكلف، واثقا ومتباهيا بقدرته على "الشرشحة".. ما يهمنا هنا.. هو المنحى الذي بدأت تأخذه الأزمة الوطنية وتسطيحها في علاقة الرئيس علي عبدالله صالح مع الشيخ حميد الأحمر حتى حلى للمؤتمرين تفسير اقتراح المعهد الأمريكي ذهاب الفرقاء السياسيين إلى لبنان للتوقيع على آلية للتحضير المشترك للحوار الوطني الشامل بعيدا عن الضغوط الداخلية بأنه تهريب لقيادة المشترك من سطوة حميد الأحمر وضغوطه. وقبل ذلك قال المؤتمريون إن حميد الأحمر كأمين للجنة التحضيرية للحوار الوطني هو من منع المشترك من التوقيع على المحضر الذي أعلنه الأرياني في مؤتمره الصحفي واشتراط المشترك توقيع اللجنة التحضيرية على الاتفاق ممثلة بحميد أو باسندوة هو ما أفشل التوقيع على الاتفاق. نفت قيادات المشترك ذلك وقالت في المؤتمر الصحفي للرد على الإرياني إنها لم تطلب أكثر من ذكر اللجنة التحضيرية مع المشترك في الاتفاق فيما التوقيع لرئيس المجلس الأعلى للمشترك، إضافة إلى أنهم اعترضوا على بند في المحضر قالوا إنهم لم يتفقوا عليه وأنه لم يكن موجودا هو " أن تعقد اللجنة المشتركة للحوار اجتماعاتها في مجلس الشورى وبرئاسة رئيسه عبدالعزيز عبدالغني ". في رد المشترك الأخير على المبادرة السورية قدم مقاربة معقولة للنقطتين الخلافيتين على.. أن يحدد المؤتمر حلفائه ويحدد المشترك شركائه في الاتفاق، وهي قريبة لبند محضر الارياني" المؤتمر وحلفائه والمشترك ومن يريد" بإمكان المشترك القول أن من "يريد" هم شركائه، وفي النقطة الثانية يقترح المشترك عقد اجتماعات اللجنة المشتركة للتحضير للحوار الوطني في أي مكان وعلى أن تكون رئاستها دورية وبالتناوب. ويبدو ذلك الطلب معقولا إذ أن رئاسة عبدالغني للجنة المشتركة سيفهم على أنه ضم للمشترك وأصحابه للجنة السلطة للحوار التي يرأسها عبدالغني التي كانت قد أجلت مؤتمرها للحوار لأجل غير مسمى. بحجم الأزمة الراهنة والرغبة الملحة في الحوار الوطني للخروج منها لا تبدو النقطتين الخلافيتين الأخيرتين مانعا كبيرا للتوقيع على الاتفاق والشروع في تشكيل اللجنة المشتركة للحوار الوطني الشامل والتحضير له. كما لا يبدو لحميد الأحمر لمسة فيهما لإفشال الاتفاق بحسب الفزاعة المؤتمرية، فسواء كان حميد الأحمر أمين عام اللجنة التحضيرية للحوار أو غيره من الطبيعي أن يطلب المشترك إشراك شركائه في الحوار، وإلا سيكون مغفلا كبيرا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فيما طلب أن يكون رئيس اللجنة دوريا فأي طرفين يدخلان في حوار يطلبون ذلك وليس بدعا على المشترك لم يطلبه لو لم يحرضهم عليه حميد أو باسندوة.
ولا يبدو مفهوما تأخر رد المؤتمر على رد المشترك الذي تسلمه منذ أسبوعين من خلال السفير السوري، مع أن المبادرة السورية تبني على ما كان قد توصل إليه الطرفان في المحضر الذي أعلنه الأرياني، ولم يشترط المشترك توقيع اللجنة التحضيرية عليه باعتباره السبب الرئيسي بحسب المؤتمر لفشل الاتفاق. ربما يرغب المؤتمر في الدخول من جديد في مناقشة آلية أخرى للتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل من خلال المبادرة الجديدة للمعهد الوطني الديمقراطي "الأمريكي" التي مازالت تبحث مع الطرفين مقترحاتهما لتلك الآلية. الاحتمال الأكبر وهو الأقرب لاعتقادي أنه يماطل ولا يرغب البته في الدخول في الحوار الوطني الشامل..فمؤتمر لندن الذي حرك مشاورات الأرياني مع المشترك التي كتم عليها ولم يكشف عنها رسميا إلا عند اختلافهما بعد انقضائه، لم يخلف ما يقلق السلطة، بل رأت فيه دعما كبيرا لها وخرجت من ثاني يوم تتحدث عن "طراطير السياسة" فيما كان الارياني لا يزال يواصل مشاوراته مع قيادات المشترك. تصرفات السلطة من بعد لندن إلى الآن تثبت ذلك، فهي ربما اعتقدت أنها أحسن حالا وليس هناك ما يجبرها على الدخول في حوار على شروط المشترك، إما حوار تفصل مقاسه هي بدليل اختيارها لعبدالغني لرئاسته أو لا.. فالأصدقاء والأشقاء لا يهمهم أمور الإصلاحات السياسية بقدر اهتمامهم بالقاعدة ومن أجل ذلك أوقفت الحرب بصعدة، وتوالت تصريحات المسؤولين الغربيين عن دعم وحدة اليمن واستقراره، وهو الأمر الذي فهمته السلطة بأنه دعم لها وضؤا أخضرا للقضاء على الحراك الجنوبي والتصرف كما تشاء. أعلنت بصلافة إغلاق باب الحوار مع المشترك في حين أبقت باب التوقيع على محضر الارياني مفتوحا..وفي ظل الأجواء الفاترة سياسيا حركت حملة عسكرية واسعة للقضاء على الحراك الجنوبي. إلا أن المشترك لم يستنفذ كافة أوراقة بعد، ويبدو أنه ما يزال يمتلك ما يوجع به السلطة، أعلن مباشرة إدانته للعمليات العسكرية ودعا لإعتصامات في سائر البلد للتضامن مع الحراك الجنوبي السلمي، معززا من جهوده التي لم تتوقف للتحضير للحوار الوطني الشامل. في الأيام القليلة الماضية أرسل ثلاثة من قياداته هم الدكتور ياسين سعيد نعمان والشيخ حميد الأحمر والدكتور محمد السعدي للتواصل مع معارضة الخارج فيما كثفت لجنة الجنوب في اللجنة التحضيرية من تواصلها مع قيادات الحراك. ويعزز موقفه الأخير من موقفه لدى الحراك ومعارضة الخارج كمستهدفين رئيسين للحوار، بأنه الشريك الذي يمكن الاعتماد عليه، فيما الحوثي كان قد أعلن قبوله بوثيقة الإنقاذ وتحالفه مع المشترك على ضؤها، وزاد أن أعلن مجلس التضامن الوطني الأربعاء شراكته مع اللجنة التحضيرية لمواجهة أزمات البلاد. يبدو أن المشترك حضر نفسه جيدا لمثل هذا اليوم، لماذا لم يحرك الاعتصامات في كافة المحافظات الشمالية للتضامن مع الجنوب من قبل رغم مطالبات أعضائه الجنوبيين المتكررة من مثل محسن باصرة والربية وعلي منصر. هدد عبدالرحمن بافضل العام الماضي بتعميم الحراك وأذكر أن قياديا كبيرا في المشترك قال لي أن ذلك يعبر عن رأيه الشخصي، لماذا الآن لم يعد تعميم الاعتصامات رأيا شخصيا ل"بافضل"؟!.. السؤال الأهم لماذا تأخر الشيخ حسين الأحمر وأصحابه في مجلس التضامن عن إعلان الشراكة مع أصحاب شقيقه حميد في لجنة الحوار الوطني إلى الآن؟! هل حسبوها "عيال الشيخ" أم حسبها المشترك من ورائهم؟! لا يستبعد ذلك. يبدو أن المشترك لن يكتف بالألم الكبير الذي أحدثه في السلطة وفي قلب الرئيس شخصيا ، بموقفه من الحراك الجنوبي، ويبدو أنه سيكثر من الطرق على الألم حتى تقول السلطة "آح أولا".. يجيد المشترك ذلك.. قبيل اتفاق فبراير وفي ذروة التصريحات المؤتمرية عن إجراء الإنتخابات في موعدها ظل صامدا حتى النهاية، وحرك اعتصاما واحدا في العاصمة فقط كان كفيلا بتفكير السلطة في التأجيل وإبرام الاتفاق. وتبدو الأجواء اليوم شبيهة بتلك التي سبقت فبراير 2009م، كانت الأزمة في ذروتها وعلاقة السلطة والمعارضة في أفتر مراحلها والسلطة تهدد بإجراء الانتخابات في موعدها وشرعت في ذلك من خلال اللجنة العليا للانتخابات والتلويح بالمؤسسة العسكرية وتحريضها في خطابات متوالية لرئيس ونائبه وقيادات عسكرية ضد المشترك. الاثنين الماضي أعلن الرئيس أمام الأكاديمية العسكرية وفي ذروة ألمه من المشترك أن اتفاق فبراير وتأجيل الانتخابات كان أكبر خطأ وقع فيه المؤتمر الذي نصحه بعدم تكرار ذلك وقال "ستأتي الانتخابات من حضر أهلا وسهلا ومن غاب أهلا وسهلا"، فيما قيادات حزبه كانت قد هددت بذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقده الارياني الشهر الماضي. و أعتقد أن الأمر لا يعدو عن كونه موقفا انفعاليا من موقف المشترك وتهديد لا أكثر، فإجراء الانتخابات في موعدها يتطلب أكثر من رغبة المؤتمر ومساندة أحزاب ال13 في المجلس الوطني للمعارضة. قوة المشترك في قدرته على التحمل، وتحريك كوادره في الوقت المناسب، فالسلطة لا تحتمل المزيد من الحراك في المحافظات الشمالية، فمجموعة إعتصامات إلى موعد الانتخابات كفيلة بإفقادها السيطرة. أضف إلى ذلك أن المشترك يبدو قريبا من عقد مؤتمره للحوار الشامل وقد انضم الحوثي ومجلس التضامن إليه وأبدت مجموعات في الحراك ومعارضة الخارج قبولها بالدخول فيه، وقرار من مؤتمر الحوار ذلك بمقاطعة الانتخابات بما يمثله من مكونات رئيسية في الأزمة كفيل بإفشالها.. وأي قرار من السلطة بإجرائها بعد ذلك سيعتبر نوع من المغامرة. ومع ذلك يمكنني التنبؤ أن الأجواء المتأزمة كثيرا في الوقت الراهن هي الأنسب لعودة السلطة والمعارضة للتوافق فعادة علاقة المؤتمر والمشترك لا تنفرج إلا بعد أن تأخذ حقها من التأزم والتوتر.. فالمؤتمر لن يغامر ويقطع شعرة معاوية، كما أن المشترك لا يرغب في ذلك، فالمواجهة الحاسمة مكلفة في وجهة نظر قياداته العتيقة، ما يهمهم في الأمر أن تصل رسائلهم بأنه لا يمكن تجاوزهم، بدليل رمزية إعتصامات الخميس الماضي، قيادي كبير قال لي أنهم لا يريدون الإيغال في إيلام الرئيس.. ربما لإدراكهم لخطورة الأسد الجريح. ولذلك أتوقع اتفاقا قريبا قد يوفق فيه الأمريكيون أكثر من السوريين، ومهما يكن ذلك الاتفاق فلا يعني أن أي من الطرفين استسلم أخيرا ..فلن يعدو كعادة الاتفاقات السابقة أن يكون محطة أخرى لالتقاط الأنفاس، فالمعركة لن تنتهي بانتخابات ابريل 2011م. فحقيقة الصراع بين مشروعين لتسوية ما بعد الرئيس علي عبدالله صالح، أحدمها يصر على أن يكون مختلفا، كاستحقاق للانتقال، والآخر لا يريد أن يستسلم بسهولة، والاثنان يناوران، وأضعف من أن يجهز أحدهما على الآخر بالضربة القاضية.