الدكتور عبدالله العليمي نائب رئيس مجلس القيادة يقوم بزيارات ميدانية في عدن    صحيفة صهيونية: اليمن يقف "عقبة" أمام "التطبيع"    يوفنتوس يقتل إنتر في ديربي إيطاليا    اليونايتد ضد السيتي.. ديربي مداواة الجراح وتخطي البداية المخيبة    منظمة صحفيات بلاقيود: مجزرة إسرائيل بحق الصحفيين جريمة حرب    الكشف عن 85 جريمة مجهولة    العليمي متهم من أعضاء الرئاسي بإفشال عمل المجلس    اليوم العالمي للقانون: نحو تعزيز سيادة القانون في عدن والجنوب    اتلتيكومدريد يحقق فوزه الاول في الليغا امام فياريال    شباب المعافر يصعق شعب إب ويتأهل إلى نصف نهائي بطولة بيسان    الدوري الايطالي ... يوفنتوس يحسم لقاء القمة أمام إنتر ميلان برباعية    ما أجمل روحك وإنسانيتك، قاضي حاشد    ماسك يدعو إلى حل البرلمان البريطاني    صنعاء.. الغرفة التجارية بالأمانة تصدر البيان رقم (1) التصعيدي ضد الجمارك    عدن .. مصلحة الجمارك تضع اشتراطات جديدة لتخليص البضائع في المنافذ الجمركية    في محراب النفس المترعة..    تعز.. مقتل مواطن إثر خلاف تطوّر من عراك أطفال إلى جريمة قتل    سارة قاسم: الإصلاح منح المرأة مكانتها ورسخ حضورها في مختلف المستويات    الوزير البكري يطلع على استعدادات فريق تضامن حضرموت لبطولة كأس الخليج للأندية    سلطة بن الوزير تفشل في الإستفادة من الشمسية الإماراتية والانقطاعات تتضاعف    مدير عام المنصورة يؤكد على الاهتمام بشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة    الأربعاء الدامي في صنعاء .. جريمة حرب وفاشية جديدة في استهداف الصحافيين    بشرى حجيج تشيد بحسن تنظيم بطولة أفريقيا لشباب الكرة الطائرة وتشكر القيادة المصرية    رغم التعتيم / فيديو مسرب للحظة استهداف مبنى للموساد وسط تل ابيب بصاروخ يمني!    وزارة الخارجية تدين بيان مجلس الامن حول "الجواسيس"    هيئة الآثار تصدر العدد ال 18 من مجلة ريدان    انهيار وشيك لمجلس القيادة الرئاسي اليمني.. والرياض تتحرك لاحتواء الموقف    الإصلاح.. صمود وتضحيات من أجل الثوابت الوطنية    الداخلية : ضبط 161 متهما بينهم مطلوبون أمنياً في محافظة اب    مجلس الأمن يجدد التزامه بوحدة وسيادة واستقلال اليمن ويدين احتجاز المليشيا موظفين أممين    العلامة مفتاح يواصل زياراته التفقدية للوزارات    الاطلاع على أضرار السيول بالجدار الساند لحي وطن في مديرية السدة    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    مدير عام مديرية البريقة يتفقد عدداً من مناطق المديرية    فصائل فلسطينية تعلن إعدام 6 أشخاص تعاونوا مع إسرائيل    محافظ حضرموت يبحث مع أورتسلا صيانة محطات الكهرباء    الأرصاد يتوقع هطول أمطار رعدية على أجزاء من المرتفعات والسواحل    شرطة الممدارة تستعيد حافلة مسروقة وتضبط المتهمين    مستشار الرئيس الفلسطيني: دماء أطفال غزة أحيت الضمائر    مرة ثالثة.. الاتحاد يضرب الفتح 42    القبض على متهم بجريمة قتل والشروع في قتل رجل وامرأة    بعد غياب 4 سنوات.. أحمد حلمي يعود إلى السينما بفيلم جديد    مجلس الأمن يدين الهجوم الإسرائيلي على الدوحة و يؤكد دعمه القوي لسيادة قطر    حين احتملنا ما لا يحتمله جبل    الانتظار الطويل    اليمن كل اليمن    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    توقف مصنع سجائر محلية الصنع وسط انتشار انواع من السجائر المهربة    رابطة علماء اليمن تدعو للصلاة بنية الفرج والنصر لأهل غزة    مركز الهدهد يدين العدوان الصهيوني على المتحف الوطني بصنعاء    الارياني: عودة 16 قطعة أثرية إلى اليمن تتويج لجهود حكومية ودبلوماسية    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    إصلاحيون على العهد    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    العثور على مدفن عمره 5500 عام في ياقوتيا الروسية    تعز.. حملة ميدانية لإغلاق شركات الأدوية المخالفة للتسعيرة الجديدة    مرض الفشل الكلوي (20)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بدر جُنح الأغلاس
نشر في المصدر يوم 19 - 08 - 2014

متى مات الحارثي؟ لا أكاد أذكر صنعاء دون أن يتمثل مخيالي الموسيقي صوت محمد حمود ولزمات عوده وقلبات مقاماته.. أي صنعاء تلك الآن وقد أزيحت من على لوحة "الأهجر وروضة بلادي" وأسدل ستار من ظلمة أيدلوجيات وقتامات مقيتة أخرى فلا يتردد في جنبات أزقة صنعاء القديمة وقد غادرها تماماً أهلوها الحارثيو الأوجاع والفجيعة سوى صرخة حرب ثلاثية الموت أو كورال بائد من جوقة جنازة سلفية الطقوس والتحريم والفزع!

لطالما حدثتني أمي عن "البكم" وكيف كان محرماً ويلاحق أصحابه أيام الإمام ..لا يشفع أبو نصار لآل حميد الدين حربهم القائمة حتى اليوم على الطرب والموسيقى. حدثتني أمي أيضاً عن امرأة عجوز كانت تزورها من أهالي إب تزوجت إلى صنعاء ولصدفة من زمن الحروب نفسها كان شهر عسلها هو أيام "الفقشة".. لم تنسَ تلك الأنثى الإبيّة بعد ذلك العمر وبعد أن عاشت ونجت من فقشة الفقاشين يومها.. بعد عقود حتى تأرملت وغادرها أبناؤها الصنعانيون وغادرتها صنعاء وغادرت صنعاء إلى طفولة مجلس أمي القديم سنة الفقشة. لم تنسَ بالذات حسرتها على قناني العطر التي مُنحتها كهدية عرسها، لم تنسَ مرأى الفقاشين ممن أُبيحت لهم صنعاء بما فيها وهم يهرقون ما ظنوه خمراً على أرضية الزقاق الذي انتقلت اليه بشهر عسلها الأول.. قالت إن العطر بقيت رائحته في أنف ذلك الزقاق حتى غادرته أرملة عجوز إلى حزن إب ومجلس الطفولة القديم.

كيف لنا اليوم أن نحاكم كل تلك العقود من الحقد على كل جميل.. إن أقذر الدعاوى تلك التي تستهدف الجميل لتواري سوأة قبح بأعماقها.. (البكم نموذجاً). كيف لصنعاء أن تطرب اليوم وقد "أُبكم" الحارثي وغادرتها أرامل العطر والرياحين؟ لا ينسى محدثي عن الحارثي أن يقسم بأن أصوات الطاسة والصحن والوتر الأعلى اللازم في كل أغاني الحارثي قد فعل بوجدان الصنعانيين ما لم تستطع توثيقه كل قبائل اليمن. محمد علي عبود يقسم أنه يرى صنعاء جهرة في صوت الحارثي.. المجالس والطيرمانات.. طاوات النحاس والمدائع.. بيوت الهزار وعصور آزال بعد كل عصر.. شمس صنعاء القديمة تلك التي عبدها أجدادنا الأوائل .. "يا رعى الله أيام منها الدهر غار" كل شيء يذوي اليوم تحت هدير أصوات الموت المؤدلج وجنازير القبح الدؤوبة القادمة من وراء العصور من هناك، من خلف القارات الجديدة.. مات الحارثي يوم مات الآنسي قهراً وكمداً وملاحقة ومضايقات.. "رقّي لحالي يا مليحة الدل".. محمد علي عبود يوافقني بأن سنوات الحمدي هي من فرّخت كل ذلك الجيل من العطاء والحب في كل المجالات.. من البردوني إلى الحارثي, وحتى "علي محسن".. علي محسن المريسي بالطبع! كان على من فقشوا ثورة سبتمبر أن يبدأوا بالزبيري ثم ذكريات العجائز صديقات أمي وقمصانهن الصنعانية وينتهوا بالحارثي ثم يعمدوا الى ما خلّفه هؤلاء فيعهدوا به للكبسي ونبيلة الزبير وعلي النونو وما نقص وفته "مخجّلة بدر السما المكمّل" زنبقة!.. يشاركني محمد علي كثيراً نظرية المؤامرة التي استثمرها وببراغماتية ممعنة مقالات وتحليلات كهذه.. كان هناك حمدي كبير أواسط القرن العشرين مرّ على العالم كله ومنح كل أمة شهر عسلها الخاص الذي انتهى عطراً أبدي الضياع بأيدي فقاشي الثورات.. الذائقة الموسيقية للأجيال حتى في أوروبا وأمريكا تؤكد أن كلاسيكيات البيتلز وأغاني بوب السبعينات والثمانينات كانت طفرة بامتياز زمني لن يتكرر.. اليوم "يهدر" فيفتي سنت ويصرخ إمنم و تلغج اديله وغيرها أغاني داليدا وجاك بريل أكثر مما يفعله الكبسي بأغاني الآنسي وحمود بأغاني أبيه.. وكذا فعل الأخفش الصغير دونما أدنى إضافة لإرث عائلته العتيق الكبير العريض, أكثر من عرس على الطريقة الأمريكانية لا يقترب من المقامات التي نحتها جده بأظافره أيام كان البكم هو الوسيلة المحرمة الوحيدة لتوثيق الحزن والتوثب للتمرد والثورة والانتصار.. محمود ياسين أيضاً "مسكين لا فكّ الهوى ولا اعقل" ينبسط لأغنية "بنت بلادي" وكل انحطاط مصاحب لذاك الذي أتى على الزمن (الحمدي المصري).. "يا صاحبي بالله عادك اشكل".. "كم نصحتك وكم قلت لك خف الهدار, قبلما يحنب الفاس في الراس".. هل يعلم محمود أن معظم الظاهرة المسماة عمرو دياب, ليست سوى سلسلة طويلة من سرقات أدبية لأغاني الغير بدعم مباشر ربما من نظام مبارك شخصياً! تلك هي المسألة .. هذا زمن صهيوني لا شغل له سوى النيل من كل جميل ومحْق ما كان جميلاً.. زمن لا يترفع حتى عن إهراق فرحة عطر بدعوى حرمة الجمال وبالتباس مفتَعَل للفهم.. زمن لا يملّ النيل من شهر عسل عاشه إنسان القرن العشرين لم يكن "حمدينا" سوى تمثلاً من تمثلاته.. تلك المقاربة المخيفة لحرب باردة تجاذبت العالم لعقود بين قوى أرادت فقط أن يموت العالم كله ليبقى حلمها هي.. تلك النقاط المتوترة وخطوط التماس المباشرة بين عقلي العالم اللذين حكما القرن العشرين.. فيما يتعلق بالحارثي: يمكننا الحديث عن تلك النقطة الدقيقة التي يلتقي عندها السياسي بالفنان, والتي يمكن تعاطيها باختصار في الأحاديث التي دارت بين هيمنغواي وفيدل كاسترو وما أتبع ذلك من جدل حول ماهية تلك الصداقة، وما إذا كان الأول قد عمل مخبراً لدى معسكره أو أنه كان يسارياً حتى كتابته "الشيخ والبحر" على الأقل! همنجواي انتحر كما فعلت داليدا وكما فعل روبن ويليام مؤخراً بعد عقود أفناها في إضحاك العالم, ثم لم يجد بداً من مغادرة عالم عجز حتى عن مواساته ناهيك عن انتشاله من حالة الإحباط الكونية المصاحبة لوجدان هذا القرن الأخير للتاريخ الإنساني.. في زمن مظلم كهذا ربما ندرك جيداً المعنى في سطر من قصيدة منسية لشاعر منسي ظل يدندن بها عملاق آخر منسي أيضاً "بدر جنح الأغلاس".. وكما قُتل الحمدي, واغتيل الآنسي قهراً وجيله، عادت عروس صنعاء أرملة عجوزاً لطفولة إب المنسية وغادر صوت الحارثي صمت عاصمة مهجورة تماماً الآن.. أخشى أنها تتوثب فعلاً لحرب لن تبقي ولن تذر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.