نفهم أن تكون هناك جهات مستقلة؛ وحتى حزبية حليفة لهذا الطرف أو ذاك؛ لا ترى نفسها إلا في دور الوسيط أو الطرف الذي يعمل على إطفاء الحرائق والخلافات.. كل ذلك مفهوم وطبيعي.. لكن أمثال هذه القوى التي تمارس هذا الدور الإنساني في بلادنا تخطئ عندما تربط دورها هذا بمواقف طرف مثل الحوثيين ومدى حاجتهم إلى فترة هدوء لاستكمال استعداداتهم الحربية.. أو إن تعرضوا لنكسة عسكرية هنا أو هناك.. أو إن لاح في الأفق أن هناك قراراً دولياً قد يصدر ضدهم.. أو إن وجدوا أن هناك محاولة لصنع اصطفاف وطني لمواجهة التهديدات التي تشكلها التجمعات المسلحة للحوثة حول صنعاء! وكذلك تخطئ هذه القوى المشار إليها عندما تقلد الأساليب الاستعمارية التي تلبس لبوس الحملان وترفع بيارق السلام إن وجدت أن حلفاءها (الصهاينة في الحالة الفلسطينية والحوثيين في الحالة اليمنية) في وضع حساس صعب.. فإذا انقشعت الغمة عنهم سكتوا وراحوا في نوم عميق! ونسوا كل أحاديثهم عن الشرخ الاجتماعي المطلوب إصلاحه.. وعن الحوار الذي يجب ألا يتوقف حتى تطلع الشمس من مغربها.. مع تذكير تحذيري لا يتوقف عن خطورة الحروب وسفك الدماء! خلال السنتين الأخيرتين.. وخلال تمكن الحوثة من إحكام السيطرة على صعدة نهائياً لم نسمعهم (أي الوسيط وقت الضيق) يحذرونهم من شر إقصاء الآخرين.. ومن خطورة التفرد في حكم محافظة كاملة.. ولم يعترضوا على فرض الحوثة لآرائهم المذهبية في حياة الناس بما فيها التضييق عليهم في الحرية المذهبية التي طالما رفعوا أصواتهم مطالبين بتوفيرها لليهود والنصارى.. ورفع الحوثة أنفسهم أصواتهم بضرورة احترامها والسماح لكل المذاهب بالحياة الحرة! وعندما تمدد الحوثة إلى دماج وارتكبوا فيها مجازر بشعة استفزت المجتمع اليمني يومها، وفضحت البعد الإجرامي لدى مليشيات الحوثة لم يطالبوا بانسحابها ولا بعودة الحوثيين إلى مناطقهم.. بل راحوا يغمغمون عن الأجانب الموجودين، وعن أن المخلوع صالح هو الذي دعم السلفيين.. ورغم أن القاتل كان هو الحوثي والضحايا هم سكان دماج فقد أدانوا الجميع على طريقة بان كي مون وقادة الغرب الاستعماري عندما يجدون إسرائيل متورطة في جرائم ضد الإنسانية فيدينون الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء وفي جملة واحدة، فيساوون بينها وبين المقاومة التي تدافع عن أهلها وأرضها!
**** جماعة "الوسيط الصديق وقت الضيق" في اليمن وجدت خلال الأيام الماضية أن مواقف التعنت الحوثية؛ كما كشفتها اللجنة الرئاسية التي ذهبت إلى صعدة للتفاهم معهم؛ قد أثارت جزءاً مهماً من الشارع اليمني، ومهدت لاحتمال صدور قرار دولي ضد الحوثيين؛ فتذكرت حينها حرمة الدم اليمني وضرورة استمرار الحوار بلا توقف.. ونسوا أنهم ناموا يوم بدأت الزحوف المؤتمرية الحوثية المشتركة تتجمع جهاراً حول صنعاء في صورة استفزازية، وتتسلل إلى داخل صنعاء، ومن قبلها ناموا عن المناشدة بضبط النفس يوم سيطر الحوثة على عمران، ولم يجدوا في ذلك حاجة لدعوتهم إلى ترك المحافظة والعوة إلى صعدة بعد أن خلصوها من التكفيريين والقادمين من خارجها! فقط عندما انهارت مفاوضات صعدة.. وخرجت الملايين في تعز وإب والحديدة وصولاً إلى مسيرة صنعاء المليونية عصر الأحد؛ عندها فقط تذكرت جماعة "الوسيط الصديق وقت الضيق" أنه لا بد من مبادرة سريعة.. ولا بد من تذكير الذين داخل صنعاء وبالتحديد في جنوبها (وليس الحوثة) بالسلام، وحقن الدماء، والكف عن الاستفزازات، والعودة إلى مخرجات مؤتمر الحوار.. دون أن ينسوا إدانة "الجميع" على سنة بان كي مون.. خذله الله! ودون أن يجرأوا أن يدينوا من يحشد المسلحين حول صنعاء وداخلها؛ بدعم المخلوع الذي طالما حملوه مسؤولية الفوضى ودعم الإرهاب وجماعات العنف المذهبي! وللتذكير فقط؛ فجماعة الوسيط وقت الصديق هذه التي لم تتجرأ أن تدين الحشد المؤتمري/ الحوثي المسلح حول صنعاء؛ الذي صنع كل هذا التوتر الذي يهدد بإغراق صنعاء في حرب أهلية على سنة الأئمة؛ هي نفسها بالمناسبة التي أهاجت الدنيا عندما تم تنظيم مهرجان سلمي في عدن بمناسبة ذكرى الانتخابات الرئاسية المبكرة، بوصف ذلك استفزازاً للحراك وللجنوبيين (كأن الذين احتفلوا يومها ليسوا جنوبيين!).. ويومها ارتكبت تحت هذه المظلة جرائم في حق المواطنين الحنوبيين بدءاً من الضرب، وانتهاء بالقتل وإحراق مقرات الإصلاح وقتل أعضائه.. لكن جماعة الوسيط وقت الضيق لم تجد في ذلك إلا أن تنظيم المهرجان هو السبب في الاستفزاز وفي كل ما حدث، وشاء الله تعالى ان معظم قوى الحراك صارت تسير على طريق الرئيس هادي والذين دافعوا عنهم يتهيأون ليلعبوا كوتشينة ودمنة مع المخلوع (الحوثي لن يشارك لأنها حرام عنده!).. وقارنوا الآن موقفهم من مهرجانات الحوثة المسلحة حول صنعاء وداخلها تحت عنوان "تمردنا.. غير!".. فلن تجدوا أي إدانة لها، وهم لا يرون فيها استفزازاً ولا أي سبب للتوتر.. بل يدعون إلى استمرار الحوار والتفاهمات مع الحوثة، وعدم الانزعاج من تصرفاتهم مع اللجنة الرئاسية، وأخذ مطالبهم بعين الاعتبار والكف عن الإعراض عنها!
**** قلنا مرة إن المخلوع محظوظ لأنه وجد من بين قوى الثورة الشعبية من يساند مؤامراته وخطابه السياسي والإعلامي .. ولا شك أن الحوثي (على يمينيته المتطرفة، وطائفيته المقززة، وتحجره الفقهي!) محظوظ لأنه يجد يساراً من كل الاتجاهات يدافع ويخذّل عنه، ويجتهد في صياغة المبادرات لحمايته، وربما لا يرى فيه عيباً إلا تأخره في دخول صنعاء! أعجبني تعليق ذكي رصد عدم وجود امرأة واحدة في اعتصامات الحوثة أو مسيراتهم مستنتجاً أن ذلك سوف يكفيهم مهازل الناشطات اللاتي يشكين من مليشيات الإصلاح وجنود الفرقة لأنهم بهرروا لهن، أو ربما لم (...) وأهملوهنّ! فاليوم لن ترفع شكوى من وجود فصل بين الرجال والنساء في مخيمات الحوثة أو في المسيرات كما كان يحدث أثناء الثورة الشعبية، وحتى عدّ البعض أن ذلك الفصل كان بداية انحراف الثورة وسقوطها! وبالمناسبة فهؤلاء هم أنفسهم الذين أصموا الآذان احتجاجاً على التحالف مع نصف النظام القديم؛ ثم ها هم يتحالفون مع قلب النظام نفسه وأبيه وأبنائه.. والثعبان الأقرع – أو الحية الرقطاء على خلاف التسمية!- حامل شهادة الدكتوراه الذي كان من أوائل من تبنى تلك العبارة يتغنى الآن بالمخلوع وحزبه، ويراه من المعصومين، وحامي حمى الدولة المدنية.. وأمل إبليس في الجنة! وليس بعيداً أنه كما دبر تحالف الحوثة مع المخلوع فهو الآن يعمل على طريقة "عبد الله بن أبيّ السلولي" في نسج تحالفات جديدة شفاء لصدره من حالة النفاق السياسي التي أجبر عليها يوم وجد نفسه كالأهطل بجوار قامات سياسية وفكرية وشعبية، وهو الذي تعود على الاندساس بين الشباب صغار السن وقليلي التجربة ليكون كالمفتح بين العميان.. أو كالأعور بين العميان!