كثر استخدام المصطلح الرنان "حكومة تكنوقراط" وأصبح يلوكه العامة، كما لو انه خاتم سليمان او عصا موسى او مصباح علاء الدين الذي سيضع حلولاً لكل المشكلات، وللعامة آمالهم للخروج من الوضع المزري الذي أنتجته الفترة الانتقالية بكل مآلاتها، ولا لوم على العامة فيما يحلمون به من عيش رغيد. المشكله الحقيقية تكمن في أولئك المتربصين والوصوليين الذين يرغبون في القفز فوق أحلام الشعب للحصول على مناصب تحت اي مسمى ولا فرق عندهم بين تكنوقراط او تكنوغلاط المهم وزارة قابلة "للقرط"!
ولذا فكثير من أبناء المشايخ والوجاهات المجتمعية والحزبية العتيقة وأصحاب المناصب القدماء والسادة وكل جوقة المتخلفين المذكورين يحلمون بأنهم "تكنوقراط" والوزارات من حقهم، ليس فقط لأنهم أبناء الذوات والبقايا المتخلفة فقط فقد حصلوا أيضاً على وظائف وشهادات ومنح أهّلتهم ليصبحوا حملة أوراق كرتونية تسمى مجازاً شهادات. بالمناسبة هذه الطبقة الإقطاعية كانت حياتهم مجرد ترفيه في السنوات الصعبة التي عاشها أبناء الشعب الفقراء والذين عانوا الأمرين للحصول على وظائف او واصلوا دراستهم. نحن بحاجة الى تقريب معنى تكنوقراط، ويلحّ هنا سؤال: من هم التكنوقراط في الأساس؟ هل هم الذين يحملون المؤهلات العليا ام أصحاب الخبرات الطويلة في مجالات العمل؟ هل هم الأكاديميون ام الإداريون ام التقنيون؟ باختصار هم من عملوا في المجالات المتخصصة ويجمعون بين التخصص النظري والتطبيق العملي من خلال العمل في مجالات تخصصاتهم، وكذلك من أولئك الذين أثبتوا جدارتهم في الميدان بشكل ملفت من خلال تراكم الخبرات وتنوع المؤهلات ويشهد لهم سوق العمل.
إذاً فما هي الحالات والأوضاع التي يتم فيها تشكيل حكومة التكنوقراط ؟ علينا ان ندرك ان التكنوقراط لا يأتون من العدم وانما يتم صناعتهم في المجالات المختلفة، تصنعهم الدول التي حصلت على نوع من الاستقرار ولو حتى نسبياً، ولذا فهم يأتون في الحالات المستقرة سياسياً والتي لديها مشاكل في الاقتصاد وليس لديها مهددات أمنية ولا اجتماعية، وقد قطعت شوطاً مناسباً في المجالات العلمية والصحية والخدمية عموماً، وقد تحررت اجتماعياً من التبعية القبلية والعشائرية والمناطقية والطائفية؛ لأن حكومة التكنوقراط أيضاً تحتاج الى البيئة الاجتماعية والسياسية والعلمية الملائمة ولا تصلح في حالات الفوضى والانفلات الأمني والعسكري والطائفي.
وبناءً على ذلك فان حكومة تكنوقراط غير ملائمة لليمن فلا ثقة بالتكنوقراط بأنهم مستقلون عن الفئات الحزبية او القبلية و الجهوية والمناطقية والطائفية المتخلفة، ولا يوجد لدينا بيئة مستقرة ستساعد على نجاح مثل هذا النوع من الحكومات التي تأتي أساساً لإنقاذ البلدان من الأزمات الاقتصادية والإدارية الخانقة. ونصل الى سؤال ليس من السهل الإجابة عليه ولذا تظل الإجابة وجهة نظر مجردة: ما الحكومة التي تحتاجها بلادنا ان كان ولا بد من التغيير في مثل هذا الوضع الأشبه بالوضع على ظهر سفينة قراصنة الكاريبي؟ أولاً نحن بحاجة الى إعطاء الحكومة الصلاحيات الكاملة في إدارة البلاد ولا سلطة لحزب او رئيس عليها الا سلطة الشعب الذي لا يمنح عادة السلطة لجهة او لحكومة الا بانتخابات حرة مباشرة؛ ولذا سنقع في إشكالية جديدة تتمثل في من يمنح هذه الحكومة السلطة والشرعية؟ ولاحل لذلك الا بالتوافق على ان الحكومة مهمتها تطبيق مخرجات الحوار بلا إملاءات من احد وتنتهي صلاحيتها باعلان الانتخابات.
سنكون بحاجة الى وزراء لديهم القدرة على إدارة وزاراتهم الممتلئة بالفساد بحيث يعطى الوزير سلطة كاملة في ادارة وزارته. سنحتاج إلى حكماء ومجانين في الوقت نفسه لديهم الخبرة والدراية والكفاءة مثلاً في الوزارات المتعلقة بالاقتصاد سنحتاج الى أنجح صراف في البلد ليدير البنك المركزي والمؤسسات المالية مثل "الكريمي"، سنحتاج إلى "الحباري" وزيراً للتجارة لجلب الحبوب والغذاء للشعب، سنحتاج الى مروان هائل وزيراً للصناعة، نريد شاباً في الثلاثين وزيراً للدفاع- ويا حبذا ان يكون من قوات الحرس الخاص السابق- ولديه القدرة والجنون والطموح لتأديب كل من تسول له نفسه المساس بالأمن القومي اليمني.. وهكذا.