(1) كيف يمكن التواطؤ مع سلاح يرهب السكان ؟ للسلاح تهافتاته و أعباؤه وكُلفته وجرائمه المجحفة .والأسوأ أن يكون طريقاً اصرارياً متربصاً لعدم التعايش وفرض الهيمنات . حينها بالتأكيد تضمحل الوطنية أكثر، كما يتصادم المجتمع وتهلك الدولة على نحو فظيع .
لكن أين يقف دور الدولة في مؤازرة جيشها ومواطنيها ضد العنف البدائي غير السوي للجماعات المليشياوية التي غايتها تحقيق حلمها الأرعن بإسقاط الدولة وإعلان وفاتها تماماً ؟ إن آخر ماتبقى من قيمة الدولة في هكذا ظروف صعبة ينبغي أن يؤدي إلى إنعاش الدولة وتعزيز دورها بالمقام الأول .
ذلك أن طغيان منطق الجماعات المسلحة سرعان ما يجعل البلد مستلب الإرادة والشعب تحت رحمة المسلحين فقط . والثابت ان من ابسط مهام الدولة الوطنية حين تجد نفسها في مواجهة مكر الميليشيات ونزعتها ماقبل الوطنية، القيام بضبط الشارع وصون ممتلكات الدولة بشتى السبل الممكنة ، إضافة إلى إعادة الثقة للمجتمع وبث الروح الوطنية للمقاومة ، فضلاً عن عقلنة الذين يتشنجون أمامها بسلاحهم العصبوي اللئيم ، مالم فتعليمهم دروساً قاسية في عدم التطاول المسلح ، على اعتبار ان دك بنية التعايش في المجتمع والاستعلاء على الدولة، خيانة عظمى من الصعب تجاوزها بسهولة .
ثم أن من يدفعون باتجاه الحرب الأهلية يدفعون في الاتجاه الخطأ دائماً . والشاهد ان الجماعات المليشياوية لاتحترم قيمة السلم الأهلي كما علمنا التاريخ ، بل أن السلاح لن ينتهي كأداة في السياسة اليمنية حسب ما يبدو، كونه غالباً مايؤدي إلى الابتزاز القبلي والطائفي . وإذ يجد مساحة واسعة من التواطؤ اللاوطني للأسف، يكون الأمر أخطر أثراً إذا تم ذلك التواطؤ من داخل مؤسسات الدولة نفسها مايتطلب وجوب نباهة القائمين عليها و كشف الدولة للخيانات وانقاذ الدولة قبل فوات الأوان .
بالمحصلة لايمكن ان يخلصنا سلاح الميليشيات من مآزق متراكمة قدر مايدخلنا في مآزق جديدة اشد كارثية طبعاً .
(2) من قال أن الشعب مع انهيار الدولة ، أو أن الأفعال الحربية والحصارية والاقتحامية والثأرية والتفيدية واللاسياسية من غايات الشعب . إن الشعب مع دولة تحتكر القوة والعدالة ، أي مع دولة لا تحل محلها الميليشيات . كما ان الموقف الذي يأمله الشعب هو الانحياز للكرامة ، فيما المخرج الآمن هو السلم لا العكس . بالتالي فإن سيادة القانون كلما تم هتكها ، كلما انهار معنى التقدم و المستقبل.
والثابت ان الميليشيات تخطف إرادة الشعب، في حين لاتتحقق تطلعات الشعب من دون استعادة دور الدولة بشكل حقيقي . كذلك تضمر الميليشيات الترهيب والابتزاز ، وليس سوى الدولة هي الضمانة المثلى لصون اختلافات الجميع بحسب ما ينبغي .
ولعل الموقف من الميليشيات يعد معياراً أساسياً لروح الثورة السلمية الشعبية وتوق المواطنة والتمدن بالنسبة لغالبية الشعب . ثم اننا اليوم أمام أوضاع لامعقولة تتحدى حقنا في وطن سوي .. تحديداً، أمام عبث قسري مرهق بلا منطق ناضج أو مسئول ، أمام انعطافة تاريخية كبرى لاتحتمل النفاق أو الخوف أو المصلحة الخاصة، بقدر ماتستدعي الانحياز لضرورة انبثاق الدولة من أجل تأمين الصراع السياسي والاجتماعي بمزيد من السلمية الحقوقية التحررية ذات الصالح العام ، لا بمزيد من الاحتراب والتمزق والفوضى ، وصولاً إلى شناعات حالة الانهيار الرهيب .