هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    عناصر الانتقالي تقتحم مخبزا خيريا وتختطف موظفا في العاصمة الموقتة عدن    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    على طريقة الاحتلال الإسرائيلي.. جرف وهدم عشرات المنازل في صنعاء    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    18 محافظة على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للأرصاد والإنذار المبكر    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    اعتراف أمريكي جريء يفضح المسرحية: هذا ما يجري بيننا وبين الحوثيين!!    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من مؤتمر الحوار إلى اغتيال.. المتوكل: أين كان اليمن واليمنيون.. وكيف أصبحوا؟
نشر في المصدر يوم 06 - 11 - 2014

جريمة اغتيال الدكتور/ محمد المتوكل (رحمه الله تعالى) ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في هذا الوطن المنكوب بالشقاء منذ مئات السنين.. لكنها فتحت مجالات شاسعة للحزن والأسى على وطن مبتلى بالدماء، وعلى شيخ في السبعين قتل في قلب العاصمة المكتظة بالأجهزة الأمنية ذات الأسماء المتعددة التي تثير القشعريرة والقرف في قلوب البسطاء والأمان والمحبة في قلوب المجرمين. ومنذ قرابة 45 يوما صارت صنعاء أيضا مكتظة باللجان الشعبية الثورية صاحبة شعار (الترتيبات الأمنية لكم وليست عليكم) التي تتمركز نقاطها في شتى أنحاء العاصمة، ولا سيما في شارع الزراعة الذي في طرفه الشمالي حيث قتل المتوكل وهو يمشي وربما كان لحظتها يقرأ للمرة الألف: الترتيبات الأمنية..!

لم يكن المتوكل يحمل بندقية ولا يحوطه حراس. وخلال الفترة الماضية منذ سقوط صنعاء في سبتمبر الفائت لم يكن له نشاط سياسي وإعلامي كبير –كما يبدو لي- حتى يقال إنه اغتيل انتقاما لموقف ما، وإن كان الانتقام كاد يصير سياسة متفشية في خضم الفوضى التي غرقت فيها البلاد، ودفع كثيرون ثمنا باهظا بما فيها منازل ومبان، وجمعيات خيرية ومؤسسات تعليمية وصحية لما أقل من تحديد
موقف. والبعض دفع الثمن من أمنه وممتلكاته واستقرار عائلته ليس لأنه نافذ أو قائد عسكري أو شيخ معاد. ولكن لأنه من فئة معينة ليس لديها قبيلة أو عشيرة أو أسرة يمكن أن تتفاهم مع السلطة القائمة لحماية المنتسب إليها.. أو لأنه لا يتمتع بمصاهرة أو نسب مع واحد أو أكثر من النافذين الجدد والحاكمين الحقيقيين توفر له الحماية وتحفظ ممتلكاته من المصادرة!
كنا.. وأصبحنا؟
مع بدء أعمال مؤتمر الحوار؛ ساد معظم البلاد أجواء من الثقة والأمل في أن الخروج من عنق الزجاجة صار ممكنا، وخاصة أن مؤتمر الحوار جمع معظم القوى السياسية المؤثرة وفي مقدمتهم مكونات من الحراك الجنوبي وجماعة الحوثيين. وفي ظل أجواء مثالية داخل فندق موفنبيك الراقي توصل الجميع إلى اتفاق تام حول كثير من المسائل، وإلى حلول وسط لتلك الأكثر تعقيدا. وبدا أن شبح الانفصال قد ذهب بعيدا، وأن مشكلة صعدة في طريق الإنصاف، وأن جملة ما خرج به المجتمعون تصلح لبداية صحيحة لبناء اليمن الجديد؛ رغم أن الجميع تقريبا لم يكن راضيا عن كل شيء لكن ما اتفقوا عليه كان يؤسس لمرحلة يمكن فيها إصلاح القصور والأخطاء في ظل مستجدات افضل بعد أن تتعزز الثقة بين اليمنيين!
ولعل مقارنة بين ما كان عليه الأمر يومها وما صرنا إليه تكشف فداحة الهاوية التي انساق إليها البعض وساقنا إليها:
فمن يمكن أن يتحدث الآن عن الدولة المدنية وأطفال الابتدائية يحملون السلاح في الشوارع، وسيارات المسلحين تتمخطر في صنعاء بدون أرقام؟
ومن يستطيع أن يتكلم بتفاؤل عن اليمن الاتحادي وأصوات الداعين للانفصال تبشر به قريبا وتهدد الناس بالطرد من وطنهم؟ وقبل يومين كان ابن جاري، الذي رأيته وهو يكبر أمام عيني حتى صار شابا يافعا، يقف قريبا مني فإذا به يوجه الكلام إليّ بصوت مكتوم: (صحيح تريدون الانفصال يا عم؟).. كان يخاطبني على أساس أنني جنوبي مثلي كمثل من يسمع أنهم يعتصمون في عدن للمطالبة بالانفصال السريع أو الموت الفظيع.. ومن قبل وفي خضم الهياج الذي صاحب الاحتفال بذكرى ثورة 14 أكتوبر في عدن لم تجد شقيقتي التي تعيش هناك وهي تختم كلامها معي على الهاتف إلا أن تقول وكأنها تودعني: (خلاص يا ناصر.. باين قدو انفصال!).

الآمال الكبيرة التي عاشها الشعب بعد انتهاء مؤتمر الحوار، والصور التذكارية التي حرص ممثلو كل المكونات السياسية والاجتماعية على أخذها تذكارا لانتصار العقل ووشائج الرحم؛ لم يعد لها حس وكأنها تبخرت في الهواء.. واليمن الاتحادي الذي كان يلوح أمام أعيننا مبشرا بمستقبل زاهر يكاد يتلاشى في سقوط الدولة، وضياع سيطرتها في غمضة عين على مقدرات البلاد الاقتصادية والعسكرية وعلى تراب الوطن نفسه، متزامنا مع انتشار الحروب الأهلية هنا وهناك.. وبالأمس كان جمال بن عمر يحذر أن الدولة لن تملك بعد شهرين ما تستطيع به تسديد مرتبات الموظفين.. وهي إحدى علامات انهيار الدولة في العالم!
حتى غارات الطائرات الأمريكية بدون طيار لم تعد كما كانت: ملعونة ولها الويل والموت، ويهددها الناشطون بالمحاكم الدولية.. وصارت جزءا من الصحوة الإسلامية العالمية من طراز جديد، وتجاهد ضد الدواعش والتكفيريين!
هذه نماذج من ملامح المشهد المخيف الذي صرنا عليه خلال عام فقط من انتهاء مؤتمر الحوار والبدء في كتابة الدستور. فمنذ ذلك الحين بدا كل شيء وكأنه في طريقه إلى الانهيار، ولكن كثيرين رفضوا أن يصدقوا علاماته، وبعضهم اعتصم بخداع النفس وتعليلها بالأماني الكاذبات، وبعضهم مارس خداع الآخرين وخيانتهم؛ رغم أن كل المؤشرات كانت تدل على أن هناك في الداخل والخارج من لن يرضى أن تستوي اليمن على الطريق الصحيح.. حتى استيقظنا يوما وكل شيء في مهب الفوضى والاحتراب!
القاتل.. والمقتول في اليمن!
مع إيماني بأن القصاص هو الحل العادل لكل جريمة إلا أنني أصارحكم أنني لا أعول كثيرا ولا قليلا على أن يلاقي القاتل في هذه البلاد جزاء عادلا إلا إن كان مسكينا بلا ظهر، وأوقعه حظه في يد العدالة اليمنية(!).. وبالمناسبة فهذا هو موقف الأستاذ الراحل/ أحمد محمد نعمان الذي فقد أعز وأذكى أبنائه في قلب بيروت بعملية إرهابية جبانة مشابهة لما حدث للدكتور المتوكل الذي كان صديقا له وتلميذا للنعمان الأب في مدرسة الحرية حجة عندما كان الأحرار المعتقلون بأمر الإمام يعلمون بعض أبناء وطنهم المحرومين من العلم!
الأستاذ النعمان هو الذي صك العبارة الخالدة المؤلمة ( في اليمن يفر القاتل ويتم إلقاء القبض على.. المقتول!).. في حكاية عنه ذات دلالة أخبرني بها الوالد/ ابن عباس الذي كان مشهورا في تعز بهذا اللقب؛ وهو من قدامى الإخوان (رحمه الله تعالى)؛ أنه سأل الأستاذ عن سبب رفضه العيش في اليمن؟ فرد عليه: سوف يقتلونني.. فلما قال له: هل تخاف من الموت؟ عندما يحين أجلك ستموت في اليمن أو خارجها! فرد النعمان بتجارب العمر: (لو قتلوني في اليمن فلن يعرف أحد من هو قاتلي أما في بيروت أو القاهرة فحتى لو قتلت فعلى الأقل سوف يُعرف القاتل ويُقبض عليه!

حسن العزاء..
عندما استشهد زيد بن الخطاب ؛أخو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؛ في موقعة اليمامة في حروب الردة؛ حزن عليه كثيرا، وظل يذكره بحسرة وألم طويلا حتى التقى بأحد فرسان المعركة الإعلامية الشعرية ضد قريش وحلفائها الشاعر/ متمم بن نويرة شقيق مالك بن النويرة (وهما صحابيان وردا المدينة وأسلما على يد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ولى مالكا على صدقة قومه) وبعد وفاة الرسول كان مالك ممن مارس نوعا من الردة والتمرد، ولقي مصرعه في حادثة ملتبسة مع خالد بن الوليد، وقد حاجج متمم الخليفة الصديق أن أخاه لم يكن يستحق القتل فيها، فدفع الصديق ديته وأعاد الغنائم له التي أخذت من قومه.. وقد كان متمم مثل عمر كثير البكاء على أخيه، وتشهد له على ذلك قصائد كثيرة أبدعها في رثاء مالك (كانت مراثيه هذه موضوعا لبحث أعددته في السنة الثانية في قسم اللغة العربية في مادة الأدب الإسلامي مع د. وهب رومية).. وعندما التقى المكلومان في شقيقيهما وتذاكرا مصيبة كل منهما في أخيه، طلب عمر من متمم أن ينشده بعض شعره في مالك، وبعدها قال له: يا متمم لو كنت أقول الشعر لسرني أن أقول في زيد مثل ما قلت في أخيك.. فقال متمم: يا أمير المؤمنين لو قُتل أخي قتلة أخيك ما قلت فيه شعرا أبدا.. فقال عمر: ما عزاني أحد بأحسن مما عزيتني به!

تذكرت هذه القصة وأنا اقرأ تعزية الأخ المحامي/ خالد الآنسي في استشهاد الدكتور محمد عبدالملك المتوكل إذ قال [.. لقد كتب الله له خاتمة طيبة أن يموت مظلوما لا ظالما.. ومغدورا لا غادرا.. رحم الله الدكتور محمد عبدالملك المتوكل وأحسن الله عزاء أهله وذويه وإنا لله وإنا إليه راجعون]

أبيات من شعر متمم بن نويرة في أخيه مالك:
لقد لامني عند القبور على البكاء رفيقي لتذرافِ الدموع السوافكِ
أمِن أجلِ قبرٍ بالملا أنت نائحٌ على كلّ قبرٍ أو على كلّ هالك
فقال: أتبكي كل قبرٍ رأيته لقبرٍ ثوى بين اللّوى فالدكادك
فقلتُ له: إن الشجا يبعثُ الشجا فدعني فهذا كلُّه قبر مالكِ! ] نستأنف غدا بإذن الله مقالات: آخر كلام في الوحدة والانفصال[


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.