من الأسباب التي تؤدي إلى تخلف الشعوب تقديس الأفراد وإلباسهم بعض صفات الألوهية والشعور بدونية بجانبهم، ويقوم بهذه المهمة على أكمل وجه الإعلام الذي يصور الانحناء للطواغيت بأنه محبة واحترام، وإن الموت في سبيل نزواتهم الخبيثة استشهاد وتضحية من أجل غايات سامية ونبيلة، وآخر صرعات ذلك التزلف هو اختزال الوطن بأكمله في شخص ذلك الطاغوت، فيصبح رجلاً بحجم الوطن، وكأن ذلك الوطن لم يكن له وجود قبل مجيئه، وسيختفي بعد رحيله. فسيد البشرية صلى الله عليه وسلم كان يقول عن نفسه: "إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة"، بينما بقية المدّعين كانوا يتمتعون بألقاب الملوك والإمارة والشاهنشاه والقياصر وغيرها، فبما أن الشخص يأكل الطعام وتجري عليه دورة الطبيعة فهو بشر، بُدئ خلقه بنطفة وستنتهي بتعفنه في قبره مثله مثل بقية المخلوقات، فالبدعة التي بدأت في إيران بتقديس الخميني وإخفائه عن الناس وعدم ظهوره إلا من وراء الشاشات، محاولة غبية لفرض نوع من القداسة الزائفة، لا تصدقها سوى العقول البسيطة والجاهلة.
ولأن نسبة الأمية والجهل في اليمن بلغت معدلات تتجاوز نصف السكان، فتجارة تقديس الأشخاص مزدهرة ورائجة، فمن تقديس الشيخ إلى تقديس القائد وإلى الفندم والسيد والعالم والعلامة والدكتور وغيرهم، فكل من يتم تقديسه من قادة وزعماء الأحزاب أو المليشيات المسلحة أو من يدعون بأنهم مناضلون أو غيرهم ليسوا بحجم الوطن، بل ربما كانوا هم سبب الحالة المتردية التي وصل إليها الوطن، وسيكون الوطن بحالة أفضل بدونهم جمعياً، فمستحيل أن يوجد رجل بحجم الوطن فالوطن أكبر من الجميع.