حكام كثيرون (عرب وأشباههم) ومعهم وسائل إعلامية ومراكز دراسات لا تحصى سوف يهتفون: جالك الفرج.. على طريقة اللص المتلبس بالجريمة الذي فرح والقاضي يطلب منه أن يحلف بأنه بريء! والمناسبة هي صدور تقرير الكونجرس الأمريكي الذي يدين ممارسات التعذيب التي نفذتها المخابرات الأمريكية في سجن غوانتانامو والسجون الأخرى (عدد غير قليل منها سجون عربية) ضد المتهمين بالإرهاب من أعضاء القاعدة والمشتبهين بالانتماء لها أو دعمها وإيوائها! وبصرف النظر عن أن التقرير قد يكون ضربة تحت الحزام من ضمن لعبة التشويه بين الحزبين المهيمنين في أمريكا؛ واستباقاً لمعركة رئاسة حامية قادمة بين الديمقراطيين والجمهوريين الذين ارتكبت تلك الجرام في زمن بوش الابن؛ إلا أن الذين يبدون استنكارهم في منطقتنا العربية الآن (عن حسن ظن) يثبتون أنهم مغيبون فعلاً عن حقيقة تاريخ انتهاكات حقوق الإنسان في التاريخ الأمريكي افتتانا بشعارات الحرية، واحترام حقوق الإنسان، والقيم الأمريكية التي طالما طنطن السياسيون الامريكيون عنها، وخاضوا تحت شعاراتها أقذر الحروب من فيتنام إلى العراق وأفغانستان، وحاصروا وجوعوا شعوباً وبلدانا مثل كوباوالعراق؛ فضلاً عن جريمتهم الكبرى والمستمرة في حق الشعب الفلسطيني! إحدى نوعيات هؤلاء المستنكرين لانتهاكات أمريكا ضد حقوق الإنسان هم من الحكام المتورطين أصلاً في ممارسات انتهاك حقوق الإنسان في بلادهم، وكانت علاقتهم مع حكام واشنطن في هذا المجال تقوم على مبدأ "شيلني وأشيلك" كما فضحها تقرير الكونجرس، وإن كانت حقيقتها مشهورة قبل ذلك.. وهؤلاء فرحوا أن زعيم معسكر حقوق الإنسان الذي يلاحقهم بفجور بتقارير الخارجية الأمريكية السنوية عن حالة حقوق الإنسان انكشفت حقيقته، وأن المعلم والختيار فضح متلبساً بالبلطجة مثل صبيانه المجرمين؛ مما يعطيهم فترة سماح من المساءلة، واستراحة منتهك حقوق (على وزن: استراحة محارب) من الحذر والحديث المستمر عن احترامهم لحقوق الإنسان، وتملق المنظمات الحقوقية وتقارير مجلس حقوق الإنسان العالمي! *** وبعض هؤلاء لن يكتفوا باستراحة منهتك، وسيحاولون رد اللطمات التي كالها لهم الأمريكان أثناء انتهاكاتهم لحقوق الإنسان؛ مثلما هو حادث مع السلطة الانقلابية في مصر التي ارتكبت من المجازر والانتهاكات خلال عام ونصف العام ما يشين قارة بكاملها.. ولأن الانقلابيين المصريين كانوا ينتهكون الحريات والحقوق مطمئنين أنهم والأمريكان.. إيد واحدة، وأنهم "دافنينه سوا" إلا أن السياسة الأمريكية كانت مضطرة لإصدار بيانات احتجاجية على مذابح مصر احتياطاً للمستقبل، وربما لأن المصريين كثروا بالفضائح.. ومن الأمثلة الظريفة عما سبق؛ نصائح قدمها الناطق الرسمي لوزارة الداخلية المصرية في أغسطس الماضي على خلفية حادثة الاشتباكات بين الشرطة الأمريكية ومتظاهرين أمريكيين محتجين على قتل شرطي لشاب أسود، وهي الحادثة التي ما تزال تتواصل تداعياتها حتى الآن بعد أن أخلت المحكمة سراح الشرطي لعدم كفاية الأدلة! حينها نصح الناطق المصري السلطات الأمريكية باللجوء للحوار، والاحتكام لمعايير حقوق الإنسان الدولية، وعدم استخدام القوة المفرطة في مواجهة المتظاهرين السلميين العزل! وبالطبع كانت المسرحية فجة ومضحكة لم يفوتها المصريون لحكومتهم؛ ليس فقط لأنها سلطة غارقة في انتهاك حقوق الإنسان ولكن لأن ما حدث في الولاياتالمتحدة قوبل باستنكار معظم الفعاليات السياسية والشعبية بدءاً من الرئيس الأمريكي نفسه على العكس مما حدث في مصر التي تبارى فيها الساسة الليبراليون العلمانيون، واليساريون، والقضاة، والإعلاميون، وكبار علماء الأزهر وشيخه ومفتى البلاد، وبابا الكنيسة وقساوستها.. تباروا كلهم في تأييد انتهاكات حقوق الإنسان المصري، والتحريض على قتل المتظاهرين واستباحة دمائهم وأموالهم، وإخراجهم من الملة والإفتاء بعدم جواز الزاج منهم وتطليق نسائهم.. إلخ آخر فضائح النخب المصرية المعروفة! الدكتور البرادعي نفسه أحد المتورطين في تنفيذ الانقلاب العسكري في مصر، والذي كان نائباً لرئيس الجمهورية الانتقالي الانقلابي في أثناء تنفيذ عدد من المذابح ضد المتظاهرين المصريين قبل فض اعتصام رابعة.. البرادعي هذا سارع للتوقيع على عريضة مع مجموعة من النوبليين تطالب مجلس حقوق الإنسان في الأممالمتحدة بفتح تحقيق فوري في انتهاكات المخابرات الأمريكية؛ مقدماً الدليل بذلك على أن دماء المصريين مجرد شربة ماء لا تستحق منه أن يستغل مكانته العالمية ي الدعوة لفتح تقيق في مذابح نظام السيسي ولو كان تحقيقاً غير فوري أي تحقيق على مهلك.. على أقل من مهلك! *** الفضيحة ليست جديدة.. والحديث عنها مستمر منذ فتح معتقل الحرية في غوانتانامو، وقد سبقتها فضائح سجن أبو غريب العراقي الذي فعل الامريكيون فيه الأفاعيل ليجسدوا للعراقيين بالصوت والصورة تحضرهم وإيمانهم اليومي بالقيم الأمريكية في الحرية والعدل والمساواة! لكن لأن غوانتانامو بعيدة هناك في النصف الغربي من العالم، وفي جزيرة معزولة مسروقة أصلاً من الشعب الكوبي؛ فقد تأخر كثيراً فضح الصورة الكاملة لما يجري فيها، باستثناء ما كشفه المحررون من ذلك السجن عن همجية الكاوبوي .. وإلا فقد حرص الأمريكان أن يبثوا صوراً عن السجن، وغرفه، وامتيازات يتمتع بها المعتقلون الذين جاءوا من دول متخلفة بما قد يجعل أمثالهم يقولون: يا ليتنا كنا معهم! (جزيرة غوانتانامو أرض كوبية منحها رئيس كوبي قاعدة للولايات المتحدة بإيجار ألفي دولار (وفي رواية:4085) سنوياً، وبإيجار دائم لا يمكن فسخه إلا بموافقة الطرفين؛ امتناناً لدورها في دحر الاحتلال الأسباني لكوبا، لكن أحرار كوبا رفضوا المهانة، وما تزال أمريكا كما يقال ترسل شيكات بقيمة الإيجار إلى البنوك؛ لكيلا يلغى العقد في حالة عدم الدفع! وكان الرئيس الأمريكي السابق بوش قرر بناء معتقل فيها مخصص لأسرى القاعدة، وقرر عدم خضوعهم لاتفاقيات جنيف الخاصة بالأسرى لكي تستطيع الأجهزة الأمريكية ممارسة ما تريده من انتهاكات الحقوق الإنسانية للمعتقلين دون عقاب!).