نحن مسكونون بنظرية المؤامرة.. المؤامرة هي "العامل المستقل" الذي نفسر به كل ما يدور في العالم: تخلفنا وفقرنا وجهلنا مؤامرة غربية!، القاعدة وداعش وحزب الله مؤامرة غربية لتشويه الاسلام!، انتفاضات الربيع العربي مؤامرة غربية!، والانتفاضات المضادة لها مؤامرة غربية ايضا!، سقوط وليد الجيلاني في "ارب آيدول" مؤامرة خليجية!، تسليم صنعاء للحوثيين مؤامرة خليجية، ايرانية، سعودية، ايرانية ، امريكية!، احداث 11 سبتمبر مؤامرة امريكية! وحتى التحصين وتنظيم الأسرة ومنع زواج الصغيرات مؤامرة غربية يهودية ماسونية على أخلاقنا! ..... ولكن لا أحد يسأل نفسه: لماذا قد يتآمرون علينا؟
ان المؤامرات توجه نحو الأقوياء والناجحين، فلماذا يشغل العالم التمقدم القوي نفسه ويحشد طاقاته للتآمر علينا نحن المتخلفين المفككين المخترقين والمستلبين.
عاش القوميون عقودا على ترويج نظرية المؤامرة الغربية ضد الوحدة العربية، ونسيوا ان المؤامرة لا يمكن ان تكون ضد شيء غير موجود.
وعاش الإسلاميون بعدهم عقودا أخرى على ترويج نظرية المؤامرة الكونية ضد الإسلام. قد يكون مفهوما ان يتامر الغرب ضد الصين العملاق الاقتصادي والبشري الذي يبتلع صناعات العالم الغربي، او ضد اليابان القوة الاقتصادية الثالثة عالميا، او ضد روسيا او الهند ، لكن من الصعب تقبل تآمره ضد كيان افتراضي اسمه العالم الاسلامي ودين يعاني من أبنائه اكثر مما يعاني من اعدائه اسمه الإسلام.
ومروجو نظرية المؤامرة ضد الإسلام ينسون ان التكنولوجيا والاقتصاد والقوة العسكرية وليس الأديان هي أساس بناء الأمم القوية.
والظن ان التدين او التهييج الديني قد يبني امة قوية ظن ساذج لا يستقرئ دروس التاريخ ولا يعرف أسس بناء الحضارات. ..... ووصل بنا "جنون الاضطهاد" الى الاعتقاد ان الغرب لا يشغل نفسه ليلا ونهارا ولا يحشد طاقاته وامواله الا لاحتلالنا وتدميرنا وتفكيك نسيجنا الاجتماعي.
في علم النفس مرض مشهور هو "الوسواس القهري".. يتوهم مريض الوسواس ان شخصا او جماعة او حتى شبحا يلاحقه ويريد إيذاءه او قتله. ويتهيأ له ان يسمع اصواتا ويرى افعالا تتآمر عليه وتحد السكين من اجل قتله. ومريض الوسواس يصبح عدائيا ضد اي شخص يريد اقناعه ان "مؤامرته" مجرد وهم، والمريض لا يكره من يحاول تبديد وهمه فقط وانما يعتبره عدوا ومتآمرا من بين المتامرين!
ان نظرية المؤامرة التي نحشو بها عقولنا هي "الوسواس القهري الجماعي" الذي ينخر عقول العرب والمسلمي ويدمر قدرتها على التفكير الصحيح في الوقائع والأسباب. .... نظرية المؤامرة هي التوسيع الدنيوي لفكرة "الشيطان" في الفكر الديني. فكما يصبح الشيطان مسؤولا عن عن كل الآثام والجرائم والمعاصي التي نرتكبها، تصبح نظرية المؤامرة هي الشيطان الدنيوي الذي نعلق عليه تخلفنا وجهلنا وأخطاءنا وتطرفنا وإرهابنا.
التفسير التآمري هو اداة العقل العاجز عن الرؤية الصحيحة للأحداث والتحليل السليم للأسباب والنتائج.. ونتيجته الوحيدة هي العمى الفكري الذي يجعلك عاجزا عن الرؤية والتفكير.