تبددت الآمال، التي دفعت مئات الآلاف من اليمنيين للخروج لساحات التغيير قبل ثلاثة أعوام في ثورة الربيع (2011م)، في ظل تردى الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية للبلد الدافعة للانهيار، خاصة بعد سيطرة جماعة الحوثي المسلحة على مفاصل الدولة وتنامي حدة العنف المسلح. الأحداث التي شهدها العام 2014 قضت على ما تبقى من أحلام الشباب الثائر التي تلاشت تدريجياً على مدى ثلاثة أعوام (عُمر الثورة) بعد أن نقلت المبادرة الخليجية السلطة صورياً وأبقت عليها فعليا.
وتكبّد الاقتصاد القومي وموازنة الدولة خسائر كبيرة نتيجة لتدهور الأوضاع الأمنية والسياسية وغياب الإنفاذ الكامل لمبدأ سيادة القانون الذي يعد أهم التحديات التي تواجه حكومة الكفاءات التي شُكلت نهاية العام 2014، حسبما ورد في برنامجها الذي قدمته للبرمان.
ساهمت المبادرة الخليجية التي اعتبرت في وقتها طوق النجاة لإنقاذ اليمن من حافة الانهيار، وبطرق غير مباشرة في وأد أحلام الشباب التواق للتغيير، بدأ من اختيار رئيس صمد لآخر لحظة في خندق النظام، وإضعاف دور حكومة الوفاق وتقييدها والحد من صلاحيتها، وإعطاء الرئيس السابق علي صالح قوة إضافية وتفعيل دوره على الساحة مع تحصينه من العقاب والمساءلة.
تضافرت العوامل والجهود خلال الأعوام الثلاثة الماضية لإسقاط ما تبقى من الدولة الآيلة للسقوط منذ عهد صالح الذي سعى على مدى 33 عاماً من الحكم لتعزيز حضوره الشخصي وبشكل طاغٍ على حساب الدولة من خلال تهميشها وإضعافها.
ويعد العام 2014 الأسوأ على اقتصاد اليمن البلد الفقير الذي يعاني من اختلالات وعجز مالي في ظل استمرار الاعتداءات المتكررة على أنابيب النفط والغاز المصدر الرئيس لعائدات الخزينة العامة، وتواصل الأعمال التخريبية لخطوط نقل الطاقة الكهربائية.
وتعرض الاقتصاد خلاله لضربات قوية وموجعة أثرت مباشرة على الإيرادات الحكومية وعلى الحالة المعيشية للمواطن، حيث ألقت الأوضاع السياسية والأمنية المتردية بظلال قاتمة على الملف الاقتصادي وساهمت في تدهوره بشكل كبير.
وخسرت الخزينة العامة للدولة ما يقارب من تريليون وأربعمائة واثنين وثمانين مليار ريال خلال الثلاث سنوات (2012 – 2014)؛ نتيجة الاعتداءات المتكررة على خطوط نقل النفط والغاز وشبكات الكهرباء، إلى جانب ما تكبّدته الخزينة العامة من خسائر نتيجة عدم القدرة على إنفاذ القوانين المالية بسبب الانفلات الأمني.
وقالت حكومة بحاح في برنامجها الذي أقرّه البرلمان بداية ديسمبر 2014 إن تلك الخسائر تشكل ما نسبته 94% من إجمالي العجز الصافي لهذه السنوات.
كلفت جماعات العنف المسلحة الاقتصاد اليمني الكثير من الخسائر المباشرة وغير المباشرة، خاصة بعد سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة في سبتمبر الماضي بعد خوضها معارك عنيفة لسنوات واستمرار تمددها في العديد من المحافظات.
بالتزامن مع توسع جماعة الحوثي المسلحة (ذات البُعد الديني) تنامت حدّة الأعمال الإرهابية التي يتبنّاها تنظيم القاعدة، ما ينذر بتصاعد أعمال وتيرة العنف، الذي يعد السبب الرئيس لتدهور وانهيار الوضع الاقتصادي.
دفعت أحداث العنف خلال العام 2014 الوضع المتعثر نحو الانهيار، وساهمت في رفع معدلات البطالة وتزايد أعداد الفقراء خاصة مع إيقاف البرنامج الاستثماري للحكومة، وتوقّف بعض الأنشطة الاستثمارية الخاصة، وإحجام رؤوس الأموال عن الاستثمار في بلد تسيطر علية جماعة مسلحة، أقدمت على اقتحام العديد من الشركات الخاصة والسطو عليها وتشغيلها لصالحها.
النفط خسائر متواصلة شهد قطاع النفط في اليمن تراجعاً كبيراً في الإنتاج خلال العام 2014، حيث وصل الإنتاج اليومي من النفط إلى ما دون 100 ألف برميل يومياً في المتوسط بدلاً عن 300 ألف برميل خلال العام 2010.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن إنتاج النفط تراجع الي 13,82 مليون برميل خلال الأشهر العشرة الأولى من 2014 مقارنة ب 20,25 مليون برميل خلال الفترة نفسها من العام2013, وبفارق يقدر بنحو 6,43 مليون برميل.
وقدر البنك المركزي اليمني في تقرير له الخسائر الحكومة جراء تراجع إنتاج النفط بنحو 660 مليون دولار، وبنسبة 35.5%، خلال الفترة من يناير حتى اكتوبر 2014 للتراجع إلى 1,454 مليار دولار مقارنة مع 2,254 مليار في نفس الفترة من عام 2013.
وتواصل تراجع كمية الإنتاج من النفط بفعل تكرار الأعمال التخريبية التي تعرّض لها أنبوب النفط الرئيس، الذي يربط بين حقول الإنتاج في مارب ومصفاة التكرير في محافظة الحديدة، بحسب تقرير المركزي.
وسيفاقم انخفاض أسعار النفط عالمياً الخسائر على إيرادات البلاد المنتج الصغير للنفط، بالتزامن مع تناقص الإنتاج، خاصة مع تقدير الموازنة العامة لسعر برميل النفط بحوالى 70 دولاراً، بأعلى من السعر العالمي الذي هوى دون 60 دولاراً.
وشهدت أسعار النفط تراجعاً حاداً لتصل إلى أقل مستوى لها في خمسة أعوام لتخسر ما يقارب من 50 بالمائة للشهر الخامس على التوالي لتصل الى ما دون 60 دولاراً للبرميل.
وخلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2014، شهد السوق المحلي أزمات خانقة ولفترة طويلة في المشتقات النفطية نتيجة لتراجع كميات الانتاج المخصصة للاستهلاك المحلي بنحو 2,5 مليون برميل إلى 14,5 مليون برميل مقارنة بالفترة المقابلة من عام 2013.
ورغم أن الحكومة لجأت وخلال الفترة المذكورة إلى تغطية عجز ونقص المشتقات النفطية في السوق المحلية عبر استيراد كميات كبيرة من الوقود من الخارج وبقيمة تتجاوز ملياراً و771 مليون دولار، لم تنته الأزمة إلا بعد رفع أسعار المشتقات النفطية.
كما شهد العام 2014، أبرز القرارات الاقتصادية والتي أطاحت بحكومة الوفاق والمتمثل في رفع الدعم عن الوقود، ما يُطلق عليه رسميا "إصلاحات اقتصادية"، وشعبيا "الجرعة "، رغم تأكيد العديد من الاقتصاديين ضرورة الخطوة لتفادي خطر الانهيار.
في نهاية يوليو الماضي، رفعت حكومة الوفاق أسعار البنزين بنسبة 60% إلى 4 آلاف ريال للجالون (20 لتراً) بدلاً عن ألفين، والديزل بنسبة 95% إلى 3900 ريال للجالون مقارنة بالسعر السابق 2000ريال، قبل أن تتراجع لاحقا وتخفض الأسعار إلى 3000ريال لجالون الديزل والبنزين عقب الاحتجاجات.
الكهرباء ...انتظار الانهيار وتشكل الاعتداءات على خطوط نقل الطاقة معضلة كبيرة تلقي بظلالها على الوضع المالي والاقتصادي، والاستثماري والنشاط الصناعي والحرفي، وتهدد بانهيار منظومة الكهرباء بشكل كلي.
تواصلت الاعتداءات وبشكل متكرر على خطوط نقل الكهرباء على أيدي مخربين من أبناء القبائل تمر بمناطقهم، لمطالب قبلية وفئوية، كبّدت الاقتصاد اليمني خسائر كبيرة.
ويتعين على الحكومة حشد طاقتها لإيقاف الاعتداءات، للحفاظ على المنظومة الكهربائية من الانهيار، جراء استمرار الاعتداءات التي تطال خطوط نقل التيار الكهربائي، بحسب تصريحات مسؤولين.
وقال مدير عام المؤسسة العامة للكهرباء عبد المجيد الدهبلي إنه "بات من الضروري أن تتوقف الاعتداءات التي تُطال خطوط نقل الطاقة؛ فالأوضاع لم تعد تحتمل المزيد من هذه الأعمال التخريبية التي تهدد بالانهيار الكُلي للمنظومة الكهربائية في البلاد".
وبخصوص الخسائر جراء الأعمال التخريبية، أشار الدهبلي إلى أن تلك الأعمال تضع المؤسسة العامة للكهرباء أمام أوضاع صعبة للغاية، ويكبّدها ذلك خسائر طائلة، ويلحق المزيد من الأضرار الكارثية في سائر أجزاء المنظومة الكهربائية.
لم تفلح التوجيهات المستمرة خلال العام 204 من قبل السلطات الأمنية بالقبض على المعتدين رغم الإعلان عن أسمائهم بعد كل اعتداء في إيقاف أعمال التخريب التي تطال خطوط نقل الطاقة.
ويأتي هذا العجز الحكومي في تأمين خطوط نقل الطاقة في الوقت الذي لا يزال نحو 60% من اليمنيين بدون كهرباء ولا ماء، الأمر الذي يضاعف حجم المسؤولية على الحكومة الجديدة وتوفير سيولة مالية وإقامة استثمارات في مجال الطاقة لتغطية العجز وتوفير الخدمة للمحرومين.
احتياطي النقد الأجنبي يتآكل يعد العام 2014 الأسوأ على احتياطي البلد من النقد الأجنبي الذي تراجع بنحو 3,3 مليون دولار وبنسبة 6,3% خلال الاشهر العشرة الاولى ليصل الى 4.9 مليار دولار في أكتوبر الماضي، مقارنة ب 5 مليارات و230 مليون دولار في يناير.
وذكر البنك المركزي في تقرير له أن الاحتياطي لا يغطّي سوى واردات 4.7 شهر من 4.8 شهر في سبتمبر بعد أن كان يغطي 6.5 أشهر من الواردات في شهر يناير.
ولجأت الحكومة لتغطية عجز ميزانيتها إلى السحب من الاحتياطي النقدي بعد عجزها عن إيجاد مصادر تمويل أخرى في ظل ارتفاع الدين العام وأعبائه الكارثية على الموازنة العامة للدولة وتوقف الدعم والقروض من المانحين.
يُذكر أن الاحتياطي النقدي الأجنبي مستمر في الانخفاض، حيث تجاوز حجم التراجع المليار دولار خلال العام 2013، ما ينذر بمخاطر كبيرة على الاقتصاد الهش وعلى سياسة البلد النقدية.
وبحسب الحكومة، فأن غالبية السحب من الاحتياطي ذهب لتغطية قيمة الواردات من المشتقات النفطية لتغطية النقص الشديد لاحتياجات السوق المحلية، في الوقت الذي أقدمت الحكومة على رفع الدعم وإقرار الجرعة بغية الحفاظ على الاحتياطي النقدي.
ويتضمن الاحتياطي المُعلن من قبل البنك وديعة المليار دولار، التي قدمتها السعودية عام 2011 لدعم الاحتياطي النقدي، ويبقى مهدداً بالتناقص إذا ما اقدمت المملكة على سحب الوديعة، خاصة بعد إعلانها وقف دعمها المالي لليمن في اعقاب سيطرة جماعة الحوثي المسلحة الموالية لإيران على العاصمة وأجهزة الدولة.
كما انخفض مجموع ميزانية البنك المركزي خلال الأشهر العشرة الأولى بنحو 84 مليار ريال ليصل رصيد الميزانية إلى 2 تريليون و166 مليار ريال.
الدين العام فجوة تتسع تتعاضد المشاكل مع بعضها لتجرف البلد نحو الانهيار، فمع تراجع ايرادات النفط وتراجع الاحتياطي النقدي ارتفع الدين العام إلى 22.7 مليار دولار حتى نهاية سبتمبر 2014، مقارنة ب 22 مليار دولار في يونيو.
وتلجأ الحكومة إلى الاستدانة لتغطية عجزها المالي من الداخل عبر أذون الخزانة أو الاقتراض من الدول أو مؤسسات التمويل الدولية.
وحصلت الحكومة على قرض بقيمة 500 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات في اغسطس الماضي من صندوق النقد الدولي بعد تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية (رفع سعر الوقود).
وكانت غالبية الدول والمؤسسات المالية أحجمت عن تقديم مزيدٍ من الدعم المالي لليمن عبر المنح أو القروض نتيجة لإخفاق الحكومة في استغلالها وعدم تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية.
وقامت السعودية التى تعد أكبر الداعمين لليمن خلال الفترة الماضية بتجميد كل مساعداتها لليمن في أعقاب سيطرة الحوثيين على العاصمة الذين يظهرون عداءً واضحاً تجاه المملكة.
وذكر البنك المركزي اليمني في تقرير له أن الديون الخارجية للبلاد ارتفعت بشكل طفيف إلى 7.255 مليار دولار مع نهاية سبتمبر الماضي مقارنة ب7.251 مليار دولار في بالشهر ذاته من العام 2013.
وتشير الأرقام الى أن الدين الداخلي يشكل أكثر من ضعفي الدين الخارجي ويقدر بأكثر من 15 مليار دولار، تشكل غالبيتها سندات أذون الخزانة ذات الفوائد المرتفعة تصل في المتوسط إلى 20%.
ارتفاع الدين الداخلي يشكل أحد اختلالات المالية العامة، حيث استحوذ على ما يقارب من 20 في المائة من النفقات العامة خلال العام 2014.
الوضع الإنساني .. يُفاقم المخاطر انقضى العام 2014 مخلفاً مآسي انسانية نتيجة تردي الوضع الأمني واستمرار الموجهات المسلحة التي خضتها جماعة الحوثي المسلحة طيلة العام، وخلفت المئات من القتلى وآلاف الجرحى والمشردين ليرتفع حجم المخاطر على الاقتصاد الوطني مع وجود أكثر من ثلاث مائة نازح من الحروب السابقة، بالإضافة إلى تزايد أعداد اللاجئين من القرن الإفريقي.
يأتي هذا في ظل ارتفاع معدلات الفقر المقدرة بأكثر من 50% من سكان اليمن حسب تقديرات الاممالمتحدة نتيجة لتردي الاوضاع الامنية وانعدام فرص العمل.
وتقول الأممالمتحدة إن حوالي 13.1 مليون شخص في اليمن يعيشون تحت خط الفقر وهم بحاجة إلى مساعدات إنسانية وإن حوالى 7.7 مليون شخص بحاجة لمساعدات ضرورية وعاجلة لمدة سنة، نتيجة لتردي أوضاعهم المعيشية. مشيرة إلى أن واحدا من بين اثنين في اليمن يعاني سُوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي.
وبحسب التقارير الدولية، ما يقارب نصف الأطفال في اليمن ممن تقل أعمارهم عن خمس سنوات، أي نحو المليونين، يعانون من نقص النمو، بينما يعاني نحو مليون من هؤلاء الأطفال من سُوء تغذية شديداً.
ووفقاً للبيانات الرسمية، الجوع وسُوء التغذية يكبّد الاقتصاد خسائر كبيرة تتجاوز 2,5 مليار دولار سنوياً، نتيجة إصابة الأطفال بنقص الغذاء والتقزّم وارتفاع معدل الوفيات بين الأطفال والأمهات.