عندما نشاهد ونتأمل صورة الإرهابي في أغلب الأفلام العربية، وخصوصاً المصرية، نجدها غير مقنعة, وشكلية: عبارة عن لحية ولباس أبيض ووجه عابس وصوت أجش، وحديث عن الجنة والنار والخلافة الإسلامية ومحاربة أعداء الله, وحصر خصومة الإرهاب مع السلطة. ورغم تطور الجماعات الإرهابية واستخدامهم للوسائل الحديثة للترويج عن أفكارهم والإعلان عن انتصاراتهم في محاربة أعداء الله بوسائل تقنية وتكنولوجية، واستخدامهم الطائرات للعمليات الإرهابية وأسلحة أخرى جرثومية أو كيمائية، وتفوقهم المذهل ضد الاختراقات المخابراتية، وانتصاراتهم العديدة على المخابرات الأمريكية، وخوضهم معارك في جميع بقاع العالم, فلم تعد أي مدينة في الغرب أو الشرق آمنة من مكرهم وإرهابهم, رغم كل ذلك مازالت السينما العربية تقدم نماذج سطحية وساذجة.
ولعل هذا يعود للأسف إلى الجهل بالإرهاب وتوظيف مثل هذه الأفلام لمجرد زخرفة أنظمة الحكم في العالم العربي، باعتبار أن هذه الديكتاتوريات الحصن المنيع والحامي الأكبر للمجتمع من خطر هؤلاء.
هناك «إعفاء» شبه رسمي في الأفلام التي تتناول موضوع الإرهاب للسلطة من أي مسؤولية، وجعلها أحد الضحايا, وهذا منافٍ للواقع والحقيقة, كون هذه الأنظمة الديكتاتورية أحد أهم أسباب نمو الإرهاب وانتشاره بهذه الطريقة المفزعة والمخيفة، كون هذه السلطات سيطرت على الثروات، وحرمت الملايين من حياة كريمة، وأغرقتهم في مستنقعات الحاجة والفقر والمرض والبطالة, فأصبح الآلاف من شبابنا المساكين ضحية وصيداً سهلاً في يد العناصر الإرهابية، وذلك بإغرائهم بالجنة والحوريات الجميلات، وأنهر من عسل ولبن وخمر وصبيان مخلدين.
في فيلم «الإرهابي» بطولة عادل إمام وإخراج نادر جلال, ظهر علي، الشاب الذي يرغب في الجنة، وهو تحت سيطرة فئة إرهابية تدفعه لأعمال إرهابية، وبعد تنفيذه لإحدى العمليات، وأثناء هروبه يصاب بحادثة سيارة, ويصبح ضيفاً على عائلة منفتحة وعصرية, وهنا يقع في حب سوسن الفتاة الجميلة والرومانسية, ويرى عالماً آخر يسوده الحب والتفاهم والنقاش، والاختلاف في الرأي والعلاقات الإنسانية دون النظر لهوية الشخص سواءً الدين أو المذهب.
ونكتشف من خلال الفيلم شخصية الإرهابي, وهي مكبوتة ومحرومة وخصوصاً من الجنس، وهي مصابة بالشبق وضعيفة وسريعة التغير. وإن كان الفيلم يطرح مسألة الانفتاح وتوسيع الحريات الاجتماعية، فنحن مع هذا الطرح، ولكن كيف يأتي هذا ومن المسؤول عنه? هنا في هذا الفيلم الصدفة وحدها هي من يلعب هذا الدور. وهذا يعني أننا بحاجة لمائة ألف صدفة أو مليون، كي يحدث تغيير لدى الشباب المغرر بهم والذين هم ضحية الإرهاب.
من الرائع أن تتناول السينما العمق الفكري والإنساني والجانب الجنسي والنفسي للإرهابي, ومن الواجب عليها أن تكتشف هذا العمق بشكل علمي وفلسفي بعيداً عن إملاءات الرقابة، أو الخوف من عواقب طرق مثل هذه المواضيع, كون عواقبها قد تكون فادحة على المخرج والكاتب وجميع العاملين في الفيلم, ونحن لا نرى فرقاً كبيراً بين الإرهاب والنازية والفاشية, كون أي فكر أو مذهب يحاول أن يصنف الناس إلى أهل الجنة وأهل النار هو فكر عنصري فاشي ونازي, أي يختار من يستحق الحياة أو الموت. الحياة والموت هبة من الخالق وهو المتحكم بها وحده, ولا يجوز منازعته.
هناك من يرى أن السينما العربية تحاول تشويه صورة المتدينين وعكس صورة سلبية لهم، وذلك بسبب التأثر بالثقافة الغربية أو لأجندة خاصة لدى صناع الأفلام, ونحن لسنا ضد الإيمان ولا التدين, في حال تقديره للحياة والحرية الاجتماعية، ودون أن يكون نظاماً كهنوتياً متخلفاً ورجعياً يمنعنا من ممارسة حقوقنا كبشر، ولا يفرق بين الرجل أو المرأة، ولا يحد من حرية التفكير والاستمتاع بالحياة.
كثيرة هي الأفلام الغربية التي تناولت إشكالية الدين ورجال الدين، وسخرت منهم وفضحت عيوبهم وأظهرت عجز الكنيسة عن فهم العصر، وتخلفها وجشعها، وكيف أنها تستخدم الدين مجرد وسيلة لكسب غايات مادية بحتة, وانتصر الفن للحياة والحب والإنسانية, وحاول أن يعطي صورة فلسفية لمعاني عديدة مثل الموت والحياة بعد الموت والجنة والنار, وكانت هذه الأفلام مصدر تنوير فكري وفلسفي واجتماعي وسياسي. ولكن الأفلام العربية لا تتطرق إلى هذه المسائل، وتظل تحوم في نقطة واحدة هي الشكل الخارجي والتصرفات الظاهرة وهي تخاف من إثارة النقاش والجدل حول الإشكاليات الأخرى، كالموت والجنة والنار وربطها بالحياة والواقع، واستخدام التأمل والتفكير المنطقي بعيداً عن النصوص الدينية واستخدام الخيال أيضا، والرجوع للأساطير باعتبارها إرثاً خيالياً للطفولة الإنسانية.
في كل يوم تقريبا يتم إنتاج فيلم أو حلقة تلفزيونية أو برنامج في الغرب وأمريكا يعطي صورة معينة للإرهابي المسلم، من وجهة نظر سياسية بحتة، ولإثارة نوع من الخوف في نفوس الناس. لكن لو أن السينما العربية تتقدم خطوة نحو هذا الاتجاه، كون المخرج السينمائي العربي يعيش في هذه البيئة ويفهمها ويمكنه التحقق من الوقائع واستخدام اللغة السينمائية لقراءة هذا الواقع, لو أن هذا يحدث فربما يستفيد صناع الأفلام في الغرب وأمريكا من هذه الرؤية.
أن نتحدث عن واقعنا ونعرّي سلبياته ونعالج أمراضه، فهذا أمر ضروري، ولكن للأسف هناك نوع من الخوف وأيضاً جهل بحقيقة الواقع, وهناك أفلام يتم إنتاجها لمصالح معينة، لإضفاء نوع من الزخرفة والمكياج للسلطات المستبدة التي تحكمنا. نحن فعلا بحاجة لأن نناقش هذا الموضوع ونتعمق فيه، ونستخدم الفن السينمائي الساحر والتعبيري المدهش والعالمي، لعكس حقيقة الإرهاب دون الخوف منه أو من السطات، ولكن من أجل مجتمعنا والحياة والإنسانية.