هناك حقيقة غائبة عن وعي السلطة، إن لم تكن غائبة عن الوعي الجمعي اليمني أيضاً، وهي أن تقدم المجتمع وتخلفه بصفة عامة مرتبط بنظامه التربوي ارتباطاً وثيقاً ، ذلك إننا عندما نتتبع تاريخ النهوض والانتكاسات في المجتمعات الغابرة والحاضرة نجد وراء ذلك نظاماً تربوياً ناجحاً أو فاشلاً ، والسبب في ذلك – كما يشير بعض المتخصصين - أن النظام التربوي بمؤسساته يعد مصانع الرجال والأجيال ، فإذا كانت المصانع جيدة متقدمة ، فإنها تصنع أجيالاً متقدمين، يدفعون عجلة التقدم إلى الأمام في كافة المجالات الحياتية والحضارية بقدر مهارتهم العلمية والفنية ، وبقدر روح التضحية من أجل تحقيق أهداف الأمة ورفعة مكانتها بين الأمم، وإذا كانت المصانع متخلفة ، فإن منتجاتها ستكون متخلفة أيضاً ، وبالتالي فإن العلاقة بين نظام التعليم وإستراتيجية التنمية كما يرى علماء التربية والاجتماع علاقة متبادلة ، فكل تقدم أو قصور يصيب التعليم لا بد أن ينعكس بالكيفية ذاتها على التنمية ، إلا أن استراتيجية التنمية في أي مجتمع لها تأثير كبير الأهمية على التعليم ، علاوة على أنها ترسم الأهداف والسياسات وتضع الآليات ، ومن خلالها أيضاً يتحقق الاتساق بين التعليم وغيره من عناصر عملية التنمية ، فكلما كانت استراتيجيه التنمية محكمة والأهداف والتطلعات رفيعة المستوى والأنشطة التي هي موضع الاهتمام ، ذات طبيعة متطورة ديناميكية وذات ارتباطات محلية قوية ، تمخض عن ذلك الطلب المتزايد على نوعية جيدة من التعليم واتسعت آفاق التعليم وتعاظمت جودته وتعمقت ارتباطاته بقطاعات الاقتصاد المختلفة وقدرته على التأثير وحفز عمليات التنمية والعكس صحيح ، كلما تراخت جهود التنمية وتواضعت متطلباتها من القوى البشرية ، ضعفت العلاقة بين نظام التعليم وقطاعات الاقتصاد الأخرى وكانت الدوافع لتطوير التعليم والارتقاء به محدودة. في سنوات الحرب الباردة تأكد للأمريكان أن تقدم السوفييت عليهم (وخاصة عند إطلاق الاتحاد السوفييتي لقمره الصناعي الأول سبوتنيك عام 1957) يقوم على تعليم أولي وعال متقدم ، وشكل ظهور كتاب «»أمة في خطر» (a nation at risk) عام 1984 في الولاياتالمتحدةالأمريكية منطلق صحوة علمية تربوية في أمريكا ، امتد صداها إلى مختلف بلدان العالم . وقد عرفت الولاياتالمتحدةالأمريكية أهم حركة إصلاح تربوي في عام 1989 حيث عقدت قمة رئاسية حول أوضاع التعليم ، حضرها وشارك فيها الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب في الفترة الواقعة بين 27 – 28 سبتمبر في مدينة تشارلوتزفيل في ولاية فرجينيا ، وأطلق على هذه القمة قمة الرئيس وحكام الولايات للتربية ، وصدر لاحقاً على أساس هذه القمة بيان في 18 إبريل عام 1991 وثيقة بعنوان: أمريكا عام 2000.. استراتيجيه للتربية، تضمنت ملامح حركة إصلاح تربوي شاملة تعد أمريكا لقيادة العالم في القرن الحادي والعشرين . وعند تفاوض وفدان أمريكي وياباني في عام 1990 مناقشة الميزان التجاري بين البلدين، وهو في صالح اليابان منذ سنوات ، نصح الجانب الياباني الأمريكان بتحسين تعليمهم وتحديثه، لكي يستطيعوا تحقيق إنتاجية أعلى في المصانع الأمريكية ، وذلك سوف يمكنهم من تحسين موقفهم المالي . خلاصة القول كما يرى بعض المتخصصين: إن التعليم والتربية وكل المؤسسات التي تساعد العملية التعليمية والمعرفية ، من الإعلام إلى مراكز البحوث والدراسات، إلى معامل ومصادر المعرفة في وطننا العربي هي المسؤول الأول عن التخلف، وسوف لا نأتي بجديد، أو نقرر حقيقة غائبة، إذا توقفنا عند هذه الحدود.