ثمة شبه كبير بين الرجلين المرتبطين بعلاقة وطيدة برئيس الجمهورية، ورغم إن رصيد أحدهما يمتد إلى نحو عقدين من الزمان، إلا أن ذلك لا يمثل شيئاً إذا ما قارناه بتلك التحالفات الأزلية التي أتقن صانع القرار الأول نسج خيوطها، ومن ثم بترها واحدة تلو أخرى!. فارس مناع الذي يقال إن القصر الجمهوري أناط به مهمة استيراد الأسلحة والمعدات الحربية للجيش منذ مطلع التسعينات، هو ذاته من تمكن من حصر المقاعد البرلمانية بمحافظة صعده لصالح الحزب الحاكم.. في حين تمكن حسين الأحمر من دفع آلاف من أبناء قبيلة حاشد للانضمام لحزب المؤتمر ، بعد أن كانت تدين بولائها السياسي لوالده الراحل زعيم حزب الإصلاح المعارض الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر. كلا الرجلين كُلّفا برئاسة لجان الوساطة بين الحكومة وتنظيم الحوثي، فمناع تولى ذلك في مطلع العام 2008، ومن ثم حلّ الأحمر بدلاً عنه في 23 نوفمبر من العام نفسه، ثم تعود الدفة إلى يد مناع مرة أخرى. في الواقع لم تقتصر مهامهما على الوساطة فحسب، بل امتدت نحو دفع أبناء القبائل لمحاربة الحوثيين، غير أن فكرة إلحاق أولئك المتطوعين بالتجنيد العسكري واجهت معوقات لا حد لها، بل إن القلة التي حظيت بذلك تم إيقاف صرف رواتبها. مناع حصر تحالفاته في شخص رئيس الجمهورية كتعبير عن إخلاصه وولائه العميق، وذلك لما تستوطن كيانه من قناعات بأن صنع تحالفات أخرى لن تجدي نفعاً، وأنها قد تؤدي إلى فهمها بصورة سلبية، وبالتالي يستخدمها الخصوم للنكاية به. ومع أن السلطات السعودية ترتبط بعلاقات وثيقة مع مختلف المشائخ والشخصيات الاجتماعية، إلا أن كشوف اللجنة الخاصة تخلو تماماً من اسم فارس مناع، والذي ظل عصياً على المملكة التي لطالما حاولت استمالة الرجل كما هو الحال مع غيره. حسين الأحمر المتمتع بعلاقة وطيدة مع الجارة الغنية بالنفط، سعى بإيعاز من السلطات السعودية إلى إقناع الرجل بالانتقال برفقته إلى الرياض، وهذا ما تسنى له فعلاً وكان ذلك في العام 2009. ومع أن مناع حظي باستقبال رسمي من المملكة التي أوفدت 15 من أمرائها للاحتفاء بوصوله إليها، إلا أنه سرعان ما غادر إلى دبي بعد ساعتين من وصوله، وبذلك يكون قد ضيّع الفرصة التي يتوق إليها كثير من مشائخ اليمن. على مدى العقدين الماضيين لم يدر بمخيلة مناع أي طموحات سياسية كما هو الحال مع الأحمر الذي سعى في السنوات الأربع الماضية إلى إنشاء "مجلس التضامن الوطني"، وسخر أمواله في سبيل خلق تلك التحالفات التي تمكن خلالها من استقطاب فرقاء السياسية اليمنية. في حين أن مناع لم يكترث لتلك القيادات المدنية والعسكرية التي اتخذت من منزله في شارع مازدا قبلة لها، بسبب ما يتمتع به من علاقة حميمة بالقصر الجمهوري! إضافة إلى تحاشيه المفرط لتولي أية مناصب سياسية وحكومية. مؤخراً اتهم إعلام الحزب الحاكم الرجلين بتلقي أموال طائلة من الرئيس الليبي معمر القذافي، كما تربع مناع على القائمة السوداء لتجار السلاح، ووجه الرئيس انتقادات لاذعة للأحمر. فارس مناع المفتقر تماماً لأي حصانة دستورية قد تعيق إقدام السلطات على اعتقاله ومحاكمته، لم يتردد في المضي نحو جهاز الأمن القومي بعد أن تلقى مكالمة من ذلك الشخص الذي يثق فيه تماماً منذ تحالفهما الممتد لنحو عشرين عاماً. لعل النظام الحاكم بصنيعه هذا لقن الشيخ فارس مناع درساً لن ينساه، ما يوجب عليه القيام بصنع تحالفات واسعة قد تحميه من غدر الزمان، أو على الأقل الظفر بحصانة رسمية تعيق الأمن من تكرار فعله!. في الأيام الماضية أوعز النظام الحاكم للمصدر القضائي بنفي تسريبات أشارت إلى عزمهم تقديم مناع إلى المحاكمة، فهل يمكن اعتبار هذا النفي بمثابة صك براءة من القضاء مجاني لمناع الذي لا يزال رهن الاعتقال؟ ثمة غموض يلف القضية. ويعتقد كثير من المحللين إن قرار الاعتقال لم يكن يمنياً خالصاً، بدليل أن قرار مجلس الأمن إدراج مناع على القائمة السوداء لتجار السلاح كان بإيعاز من دولة مجاورة، ونتج عنه تجميد أرصدة وأموال الرجل وأصوله. صباح الثلاثاء 11 مايو الجاري، قامت السلطات بنقل مناع إلى النيابة الجزائية المتخصصة مصحوباً بحراسة أمنية مشددة تابعة لجهاز الأمن القومي، وعلى إثر خروجه من مبنى النيابة اعترض مسلحون مجهولون الموكب، وقاموا بإطلاق الأعيرة النارية، ولاذوا بالفرار. فعلاً الأمر محير للغاية. والشارع الشمالي لسور جامعة صنعاء الممتد من الفرقة الأولى مدرع وحتى جولة مذبح يخلو من الشوارع الفرعية، فكيف تسنى للجناة الفرار خصوصاً أن الحراسة هم من أفراد الأمن القومي المعروفين بالقوة والحيطة والحذر؟ الحادث، الذي أسفر عن إصابة اثنين من رجال الأمن، اعتبره أحد المقربين من أسرة مناع مدبراً ومفتعلاً، وأن الهدف منه خلق توتر بين رئيس الجمهورية وفارس مناع. غير أن نقله إلى النيابة بعد أن نفى المصدر القضائي محاكمته في أواخر إبريل الماضي يثير كثيراً من التكهنات: فهل هناك من يسعى إلى النكاية بالرجل وتوريط النظام مع أحد حلفائه الاستراتيجيين، أم أن السلطات قامت بذلك وفقاً لتلك الخطة المرسومة سلفاً، أم أن الأمر لا يعدو عن سجالات بين النظام الحاكم وأسرة مناع!! [email protected] المصدر أونلاين