منذ بداية الربيع العربي وقفت الكثير من النخب العربية بعيدا عن فعل الانتقال نحو الديمقراطية وهي ترى شعوب تتحرك ولا تدري كيف تتفاعل ازاء هذا التغيير الذي يفوق قدرة هذه النخب على الاستيعاب والتنظير. فيما يتعلق بالثورة اليمنية, الثوره انجزها الشعب ولم ينجزها النخب ولذلك عندما انطلقت انطلقت من القاع تحاول ان تحرك المياه الراكده وتهز اركان النظام اليمني ودفعت ولا تزال تدفع ثمنا باهضا ازاء ذلك التحرك... اليمنيون اليوم يواجهوا مشروعين: مشروع عودة الامامة ومشروع عودة العائلة, والبديل الواضح امامها هو الانتقال بناء على مخرجات الحوار الوطني....... الغائب الاكبر في هذه المواجهة هي النخب اليمنية (الا من رحم ربي)... النخب اليمنية اما وقفت مع مشروع صالح في العودة الى السلطة او تماهت مع مشروع الحوثي السلالي والعنصري اوفي احسن حالاتها وقفت موقف الحياد.
تطالب النخب من الشعب الكثير, وفي خلال كل متابعاتي استخلص ان النخب وصلت الى ثلاثة استنتاجات رئيسية: اولها ان الشعب لم يكن جاهزا للتغيير ثانيا ان الشعب وكل قوى الثورة لم تخطط لما بعد الثورات ثالثا ان هناك اليات وطرق اخرى كان يجب التفكير بها قبل الخروج بالثورة
وهنا احاول ان افند هذه الثلاثة النقاط بشكل مختصر اولا: الشعب اليمني عندما تحرك كان جاهزا ولذلك دفع ثمن ذلك التغيير باهضا, وعندما حاولت القوى المضادة للثورة ان تسقط مشروع الحوار الوطني التفت القبائل اليمنية والمكونات الاجتماعية والسياسية بالاضافة الى كل القوى القادرة على مواجهة الانقلاب لكي تدافع عن استحقاقاتها. وهنا كانت المفارقة الاولى: القبائل اليمنية تدافع عن مخرجات الحوار الوطني والنخب تنظر ضد هذه المخرجات, اذا ليست القضية ان الشعب لم يكن جاهزا للتغيير, بل ان النخب لم تكن جاهزة او لم يروقها ذلك التغيير.
ثانيا: في كل الثورات مهمة الشعب هي كسر جدار الخوف والدفع بالعجلة للامام وليس التخطيط ووضع الاستراتيجيات, المرحلة الثانية وهي مرحلة البناء ووضع الخطط والاستراتيجيات لتنتج الفعل الانتقالي الديمقراطي هي مسؤولية النخب, ولكن النخب العربية (واليمنية مثالا) بدل من ان تنجز وتتفاعل مع الشعوب مثلما عملت النخب الفرنسية والبريطانية والامريكية بعد كل الثورات, رأينا النخب تتآمر على الثورات وتروج لعودة نظام صالح او النظام السلالي كبديل آمن مرة اخرى, الشعوب تهز وتدفع, النخب تخطط وتقود وهنا المفارقة الثانية, شعب حي وواعي لثورته, ونخب تثبط ثورته.
ثالثا: لم تحدث الثورة في اليمن الا وقد وصلت العملية السياسية الى حالة اختناق كامله, فلم تختار الشعوب الاليات ولا الادوات بل هي تعبر عن نفسها بما هو متاح ولو راجعنا التاريخ لوجدنا ان معظم الثورات تحركت بنفس الطريقة واستخدمت ذات الاليات لأنها ببساطة ثورة, والثورة لا تختار الياتها وليس لها قيادة تحركها بل هي تحرك نفسها بنفسها وتتفاعل بناء على المتغيرات.
النخب العربية ظلت تحذر العالم منذ العام 2011 من التطرف الديني بدل من ان تسوق مشروع المواطنة المتساوية والدولة المدنية, وللمفارقة في اليمن فان النخب نفسها لم تتجرأ على فضح جماعة الحوثي رغم ان الجماعة هي ابرز تجليات التطرف الديني. انتقدت النخب الثورات بأنها سرقت, ولذلك عادة ما نسمع عبارة "انا كنت مع الثورة في بدايتها... او انا كنت مع الثورة قبل ان يتم استغلالها" . والحقيقة ان الكثير كانوا مع الثورة في حالة توهجها ولكن لا يريدوا ان يتحملوا تبعات ما بعد الثورة ولذلك تواروا عن الانظار, او وقفوا في موقف الحياد عندما كان المطلوب ان يقفوا مع الشعوب في تعثرها. الثورة تحتاج النخب اثناء تعثرها وليس في حالة توهجها
المنطقة الرمادية هي منطقة آمنة لانها منطقة لا تتبع احد وهي اشبه بحالة الترانزيت في المطار, النخب اليوم مضيعة طريقها وهي في الترانزيت لا تدرك الى اين تتجه, الشعب يدرك جيدا ولذلك يدافع عن ثورته, يدافع عن استحقاقاته, يدافع عن مخرجات الحوار الوطني, وستجد النخب نفسها قريبا متخلفه عن الركب مثلما وجدت نفسها في العام 2011