لا يحتاج القادم للعاصمة المؤقتة عدن، إلى كثير وقت وعناء ، ليفهم ويحس بمايدور فيها من فوضى وانفلات وأزمات متفاقمة ومركبة.. يكفيه فور الوصول، أن يستقل سيارة أجرة، ويسأل السائق عن حاله وحال المدينة، وأثناء ذلك سيكون قد رأى وسمع ما يكفي لأخذ انطباع عن سوء وتردي الأوضاع في "العاصمة" التي من المفترض انها تحررت قبل عامين، وأصبحت مركزاً نموذجياً للسيادة الوطنية ومستقراً لدول التحالف وحكومة الشرعية، وبالتالي منطلقاً لاستكمال مشروع تحرير بقية أجزاء اليمن من تسلط وانقلاب عصابات الحوثي _ صالح، التي بات من المسلٌم به يقينا تبعيتها لمشروع خارجي توسعي مدمر يستهدف أمن المنطقة، الأمر الذي على أساسه انطلقت عاصفة الحزم واتحدت دول الإقليم في تحالف عسكري بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة.. تتعدد مظاهر التخريب والفوضى وتردي الأوضاع في عدن لتطال كل شيء تقريباً، خصوصاً فيما يتصل وينعكس مباشرة على حياة الناس اليومية وأمنهم النفسي والمعيشي والإجتماعي، بما يضع علامة استفهام كبيرة عن المصلحة من وراء إفساد وتلطيخ النموذج الذي ينبغي أن تمثله عدن كعاصمة مؤقتة آمنة ومستقرة للدولة اليمنية!!
معضلة الكهرباء في عدن.. لم تعد الكهرباء في عدن مجرد مشكلة؛ بل غدت معضلة تعجز عن إصلاحها وتأهيلها حكومة الشرعية ودول التحالف ذات الإمكانات المهولة كما يبدو!! وكغيرها من المرافق الخدمية الأخرى، لازالت الكهرباء ضمن سيطرة أدوات المافيا العفاشية المحلية المتشابكة المصالح مع شخصيات نافذة في الحراك، والذين تم تعزيز مواقعهم وتقوية نفوذهم في مفاصل هذه المصالح الحيوية، بدلاً من مكافحتهم ومعاقبتهم، ليتسنى لهم التلاعب بملف الكهرباء وما شاكلها متى وكيفما أرادوا، وهذه الأدوات- وللأسف الشديد - تتسابق على كسب ولاءاتها قوى نافذة في الشرعية والتحالف، وهي شبكة مترابطة ومعقدة تجيد فن التأمر والتلون والتخريب، وتلبس لكل حالة لبوسها.
مؤخراً وبعد الإعلان عن تقليص ساعات الإنطفاء التي وصلت إلى ستة عشرة ساعة في اليوم والليلة ، طورت العصابات أساليبها في التخريب ونقلت نموذج وخبطة "كلفوت" إلى خطوط الطاقة الرئيسية بين عدن ولحج، وهي المساحة الصغيرة التي تصول وتجول فيها عناصر ومصفحات مايسمى بالحزام الأمني، والتي تتزايد انتهاكاتها وجرائمها يوماً عن يوم؛ إذ لا تتورع عن قتل الأبرياء بدم بارد كما فعل المجرم "الشوحطي" مع الشاب الحدث "سعيد الصبيحي" والذي هبت على إثره قبائل الصبيحة واعتصمت في ساحة العروض مدة من الزمن للمطالبة بالقصاص؛ إلا أن الوعود لازالت تقطع بينما المجرم تحت الحماية!!
ومن مظاهر الإنفلات الأمني في عدن وحولها، انتشار العصابات المتجولة، والتي ترتدي ثياب رجال الأمن، وفي الحقيقة هي عصابات تنهب وتعبث وتلاحق من تشاء، في ظل غياب شبه تام لأجهزة الأمن الرسمية ، وإهمال مراكز الشرطة والنجدة والمرور وغيابها شبه الكلي عن المشهد.. ويتحدث المواطنون بمرارة عن انتهاكات وتجاوزات للمجاميع المسلحة تتزايد مع مرور الوقت؛ فبعض الاشخاص يستنجد بطقم أو مجموعة مسلحة من معارفه ويستجلبهم ليتم زج خصمه في السجن بعد الضرب والسحب على أتفه القضايا كما يتم استغلال وابتزاز الباعة والبساطين وأصحاب المحلات باستلام مبالغ مالية منهم دون وجه حق تحت مسميات كاذبة كرسوم نظافة وتحسين وحماية وغيره، وفي وقت آخر تاتي مجاميع أخرى تدعي أنها هي الجهة المستحقة دون أي مسوغ أو وازع من دين وزاجر من ضمير..
وثمة عصابات أخرى مختصة بالأراضي والبنايات والمتنفسات والمتنزهات والمعارض والمحلات وغيرها، وما يميز هذه العصابات كونها ذات صبغة مناطقية في ظل حماية أمنية محسوبة لمناطق بعينها باتت معروفة لكل سكان مدينة عدن، وهي نشطة وسريعة الحركة ولديها الإمكانات المسخرة والأموال وتحظى بالحماية ولديها علاقات وطيدة ونفوذ وتواصل بالمسؤلين "الكبار" وتتفنن هذه المجاميع في ابتزاز أصحاب المعارض والمحلات التي تستعصي عليها؛ حيث تقدم لها عرض الشراكة معها بحجة حمايتها من آخرين وتنتقل معها من الترغيب إلى الترهيب حتى يتم لها ما تريد!!
إنه لمن المخيف أن يكون قانون الغاب هو السائد وكما يقال حاميها حراميها. وفي مظهر آخر من مظاهر الظلم والتعسف والمعاناة الإنسانية المتفاقمة هو استمرار عائلات المختطفين للمطالبة بذويهم دون أن يستجيب لهم أحد .. أمهات يبحثن عن أبنائهن لا يعرفن أين مصيرهم، ويجري الحديث عن خيرة شباب المقاومة في عدن، من الذين تم الزج بهم في السجون والمعتقلات السرية دون توجيه تهم واضحة لهم وفي ظل غياب تام للنيابة والمحاكم، وقد تحدثت تقارير ومنظمات دولية عن هذه الانتهاكات والسجون والمعتقلات السرية والتعذيب إلا أن القائمين بهذه الأعمال ماضون قدماً ماداموا هم المسيطرون وليس هناك من يردعهم. * مقال خاص بالمصدر أونلاين