أن تلعب لعبة الكراسي الدائرة طفل صغير في المدرسة شيء، وأن تحملها على أكتافك طوال حياتك شيء آخر. لعبة الكراسي، اللعبة الاكثر بغضاً بين ألعاب الطفولة، من سن قوانينها تعمد إيجاد جيل أناني، تعلم بطريقة عملية بأن العنف والتربص بنقاط ضعف الآخر حتى تحين لحظته المناسبة هي الطريقة المثلى لينال ما يطمح اليه.. لم أعد أشاهد الأطفال يلعبونها في أيامنا، ربما لاستبدال الكراسي الفردية بأخرى مزدوجة، أو لعدم وجود أيه كراسي في مدارسنا.. لكن اللعبة لم تختفِ تماماً، شاهدنا جولات سياسيي البلد وقادة أحزابها وهم يمارسونها، في كل جولة منها نرى منتصراً وآخر متربص ينتظر إعادة الدائرة لينقض بجولة أخرى أكثر شراسة. اتخذت الأحزاب اليمنية من هذه اللعبة أسلوب حياة في سبيل البقاء، لا تكمن مأساتنا في لعب أحزاب اليمن تلك اللعبة وعدم البحث عن طرق لتطوير عملها للأفضل، المشكلة الكبرى تكمن في كونها السياسة الوحيدة المتبعة. حدثت الكارثة ودخلنا أتون نار لا يملك أحد تقدير وقت إطفائها، غيرتنا الحرب ولم نعد كما كنا، أزيلت الأقنعة ووصمنا بألم لا أظن أنه سيمحى، ذقنا طعم التشرد والجوع وأضيفت لقاموسنا الكثير من كلمات الكراهية والبغض، تعلمنا فيها السهر بحثاً عن وهم أمل لم نجده حتى اليوم. لكن الأحزاب لم تتعلم الدرس بعد ولم تتغير، نتفاجأ بعد تحرير عدة اشبار من الارض بأنها عادت للعبتها القديمة. أمر يفوق التصور أن تترك الأحزاب البحث عن مخرج لمعاناة هذا الشعب، أو منفذاً ينقذنا من الجحيم الذي وضعنا فيه من الأساس بسبب انشغالهم بألعابهم، بينما تترك الآخر يحد سيفه ليبتلع بقية اليمن!! أي جنون أصاب الاحزاب، اي كراسي تدورون حولها، تأملوا حولكم جيداً، وليفترض كل منكم نصره النهائي، هل تملكون موضع لقدم، شبر، تغرسون فيه رجل واحدة من ارجل الكرسي البغيض! آن لكم أن تفيقوا، الوطن يا سادة ليس مجرد مقاعد نحارب للاستحواذ عليها وإزاحة بعضنا البعض من فوقها، الوطن هو الأرض التي تسع الجميع سواءً استوى جلوسك فيه على كرسي أو تبركت بترابه، إن استمرت هذه اللعبة في الدوران لن تجدوا هذا التراب، وسيكون عليكم حمل ذلك الكرسي الملعون فوق رؤوسكم .