هل توجد قومية ارجنتينية او مكسيكية. لا تكتفي Bي قومية بالعرق، رغم أنها جزء رئيسي من مخيلتها. لكن في أمريكا اللاتينية هناك المفهوم القومي يتعدى المسألة المحلية، إذ أنه مشبع بجذور خلاسية من تلاقح أسباني- هندي أحمر. ومع أن دولة كالأرجنتين يشكل جذورها غالبية بيضاء معظمهم ذو أصول إيطالية، وهو الأمر نفسه بالنسبة للأورجواي، وتتغير تلك الخارطة العرقية بالنسبة لتشيلي حيث تقل نسبة الجنس الأبيض، وفي البيرو وبوليفيا وفنزويلا مروراً بكولومبيا ودول البحر الكاريبي حتى المكسيك. لكن فضاءً واحداً يجمع تلك الشعوب، تشكلها بدرجة رئيسية اللغة الأسبانية، ومع وجود استثناء برتغالي تشكله البرازيل، وهي لغة قريبة إلى حد كبير ومتجاورة في موطنها ا لأوروبي الأصلي بشبه الجزيرة الإيبيرية. وهذا الفضاء لا يكتفي باللغة فقط، بل يتمتع بمحيط جغرافي واسع، ورابط عقائدي تشكله الكاثلويكية المسيحية، ثم هناك فضاء ملتبس مع هيمنة الولاياتالمتحدةالأمريكية. إضافة إلى الجغرافيا يحضر تاريخ مشترك؛ النضال ضد مستعمر أسباني، ونستثني منه البرازيل، إلا أنها بلدان تحررت بفترات متقاربة، وأثرت على بعضها بشكل حيوي. وفي فترات جموح اليسار شهدت ثورات وتقلبات سياسية، أوصلت اليسار إلى الحكم تبعها انقلابات عسكرية مدعومة أمريكياً انتجت أبشع أشكال القمع والعنف من الأرجنتين وتشيلي مروراً بالبرازيل حتى نيكاراغو. في حديث للروائي الراحل جابريل جارسيا ماركيز قال أنا لاتيني قبل أن أكون كولومبي. وفي المكسيك تم التنبؤ بأن "مئة عام من العزلة" ستكون انجيل أمريكا اللاتينية. ثم هناك المشترك الثقافي، ليس المرتبط فقط بالواقعية السحرية، التي ستكون أكثر واقعية في الأرجنتين ذات المسحة الأكثر أوروبية نتيجة الذات العنصرية التي قمعت الملونين أكثر من سواها في بلدان أمريكا اللاتيينة. هذا الفضاء والمشترك لا يكون إلا بعدة سمات، أما المخيلة العرقية أو الجنسية فهي أشبه بفسيفساء مركب ينتحل من مصادره المتعددة، ويمكنه أن يكون في الأمريكتيين أكثر وضوحاً من بلدان العالم القديم، أوروبا وآسيا وأفريقيا. ولا يشترك فضاء جغرافي بتلك المؤثرات المتداخلة سوى العالم العربي، فالعلاقة التي تمنحها مخيلة الجنس العربي، يمكن دعاويها أن تسقط في معامل الفحص الجيني، لكنها مدموغة باللسان والثقافة والمشترك الديني، الذي لا يعيقه وجود تعدد ثقافي وديني. لهذا سنسأل انفسنا هل يمكن اعتبار اليمن قومية؟ في أوروبا هناك قوميات صغيرة وأخرى أوسع؟ لكن تبعثها لغات مختلفة. وبحسب الجذور اللغوية سنرى ثلاث قوميات واضحة، أو ثلاث ثقافات؛ لاتينية، جرمانية او إنجلو سكسونية، وأخرى سلافية. وهناك مشترك جغرافي متعدد وملتبس في أصغر القارات، لكن القومية الألمانية تحكمها لغة، ثم هناك الاسكندنافية التي تتفرغ، وفي الأخير ملامح متعددة ترسمها ثقافة جنوبية وأخرى شرقية ذات ماضي يوناني أو بيزنطي، وأخرى سلافية جنوبية وغربية وشمالية. وهناك أيضاً حوض البحر المتوسط بسماته المتعددة التي اختلطت فيها اوروبا بالشمال الافريقي. وبعضها ذات جذور قوقازية و فارسية وتركية، وإن لم تكن.
وفي اليمن سنرى فسيفساء متعدد تشكله الأوجه، والسمات، لكنه أيضاً حاضر بالأشكال الثقافية، هناك أصوات موسيقية تم جلبها من الهند كما تحضر في ملامح البشر، وهناك موجات أفريقية في الإيقاع وأيضاً الملامح اختلط في البحر. لكن العربية هي العنوان البارز لأنها لسان وإن وشم اللسان اعوجاجات تشكلها مصادر لغوية قديمة وأخرى طارئة. لكن القومية ليست هي المنبر الجيد الذي يصبح عنوان ادعاء للتميز والاستثناء، بل باعتبارها نسيج إنساني يجسد نفسه ويعبر عن ذاته بشتى الطرق. أن تكون قومية فهذا لا يرتبط فقط بالجنس، بل أيضاً بخيار ثقافي ومشترك جغرافي. نعرف أن هناك أشكال شاذة أو دخيلة. لكن في هذا المدار الحيوي الشرق الاوسطي حضرت ثقافات سامية وهي ما سنسميها أجناس، رغم أنها لم تكن يوماً أجناس واحدة المصادر، إنما جمعتها عائلة لغوية سامية. لا يتيح هذا الفضاء الإلكتروني في التبحر، وإن أسهبت في ذلك. لكن سأعود لأسأل هل اليمن رغم عزلتها مقارنة بحوض الأبيض المتوسط والهلال الخصيب، تحتفظ بقوامها الجنسي النقي. هل همدان بالفعل كانت سبئية، وحمير أيضاً، وبكيل، وما علاقة همدان بعاصمة الميديين في الهضبة الإيرانية. ومتى ظهرت في الساحة اليمنية، حيث لم تشر لها على سبيل المثل حروب الملك السبئي كرب ال وتر. هل التنقيب في تلك الأصول يقلل من يمنية تلك الفئة عن غيرها الأكثر قدماً. فالقومية إذاً كنا سنبحث عنها في الأصل اللاتيني للفظ قومي، يمكننا أن نتوصل إلى مفهومها الأوسع من الإرتباط العرقي. والقومية لم تنشأ كمفردة في القاموس العربي إلا في فترات متأخرة، وتم اشتقاقها من لفظ قوم والمرتبطة بدلالة قبلية أي بدلالة أكثر بدائية، كما تحاول القوميات بمفهومها المتطرف التمسك بها. وقوم ذات أصل لاتيني يمكن إيجاد مقارب لها في لفظ انجليزي common، أي الشائع او المشترك. لكن أصل اللفظين هو مشتق من كلمة لاتينية، حيث لم أجد مصدراً قريباً له في اللغات السامية، وربما لعدم درايتي العميقة بها، لكن في العبرية قومية تعني ليئوم إذ كانت أحد المصادر السامية للغة العربية. أما في اللاتينية فسنجد لفظتين ko-moini وتعني ko معاً، بينما moin نلتحق بجذر، وتكون محصلتها نلتحق بجذر معاً، لكن اللفظ الأقرب ko-mei وهنا تعني نتغير معاً، بمعنى أن قومية ننتمي لجذر يتغير بصورة مترابطة، وهو المشترك الذي يشكله التجاور والتعايش، والاختلاط. والعربية تعالت على مصادرها، إلا أن هناك كثير من الألفاظ ذات جذور لاتينية وأخرى يونانية إضافة إلى جذور سنسكريتية وفارسية، والمصدر الأكبر المشتق من اللغات السامية. ويمكن أن تكون على سبيل المثل قبيلة كهمدان أتت من الهضبة الإيرانية، بعد أن أزالت دولة فارس الميديين في القرن الخامس قبل الميلاد، وربما وصلوا اليمن في القرن الرابع قبل الميلاد ليختلطوا باجناس أخرى عربية، شكلها تحالف قبلي اسمه حاشد. وهذا الأمر أيضاً يمكن أن تكونه حمير التي لا تنتمي للسبئية إلا في مسرح الصراع على السلطة مع قبائل همدان الحاشدية ومرثد البكيلية. بينما ظهرت مذحج كقبيلة بدوية أتت من الصحراء في القرن الميلادية الأولى باعتبارهم محاربين استعانوا بهم الحميريين. وهذا الفضاء الجنسي ناغمه مشترك وطني وثقافة لغوية تقاربت وتجانست، لكن مصادرها السابقة سنجد بعضها في تغير اللهجات التي تعني أصول لغوية مختلفة. إذاً لا تبحثوا عن الأجناس والعرقيات في الفضاء الوطني وحتى القومي، مادام هناك مشترك وانتماء أصبح معترفاً به وندين له بصرف النظر عن جذورنا، لأن الجذور تتغير معاً وتتشكل معاً. وهذا الأمر سنلقيه على العدنانية والقحطانية؛ كوهم ومحفز للهويات والعصبويات البائدة. وتلك مجرد استفاضة ساخرة ضد مدعيي القوميات، لأن بحر الإنسانية أعلى. والقومية مشترك ثقافي ننميه ببعد إنساني وليس في قوقعة عصبية وبدائية. * من صفحة الكاتب على الفيس بوك