يمر العالم في مرحلة انتقال شامل من الأنظمة الفاسدة و الأستبدادية إلى الأنظمة الديمقراطية والحكم الرشيد، ويشهد نظام العلاقات الدولية تحولاً ديمقراطياً نحو بناء نظام قانوني ديمقراطي عالمي متعدد الأقطاب يسود فية سيادة القانون على السياسة، وبدأ نهاية ازدواجية المعايير، ويحل فية محل توازن القوى واقع توازن المصالح في ظل أولوية مصالح المجتمع الدولي أمام المصالح القومية. ثورات الربيع الديمقراطي هي عملية موضوعية لتحقيق الأنتقال نحو النظام الديمقراطي في البلدان التي لا تستطيع انظمتها التكيف مع واقع المتغيرات الديمقراطية العالمية وحاجة التطور الداخلي بالقيام بالأصلاحات الديمقراطية الضرورية . و هذا الثورات الديمقراطية (كجيل جديد من الثورات) تتميز عن مثيلاتها من الثورات التقليدية ( التحررية) بدرجة رئيسية بالطابع السلمي والعفوي، ولا تعتبرظاهرة استثنائية ، وأنما هي حالة موضوعية عامة لجميع البلدان التي تعاني من ظلم أنظمة الفساد والأستبداد والمحسوبيات والأدارة السيئة، في ظروف انعدام التنمية، والأعتماد بدرجة اساسية على المساعدات والقروض الخارجية، وانعدام المساواة أمام القانون، وتفشي البطالة وانخفاظ مستوى دخل الفرد أمام حياة البذخ والترف التي تعيش فيها القيادات السياسية والدوائر المحيطة بها. في مثل هذه البلدان من الصعب أن لم يكن من المستحيل القيام بأصلاحات ديمقراطية فعلية نتيجة غياب أو عدم وجود المعارضة الديمقراطية الحقيقية القادرة على التأثير على القوى الحاكمة بتبني سياسة التحولات الديمقراطية التدريجية، وتصبح الثورة من هذا النوع في مثل هذه الحالة نتيجة طبيعية ومنطقية تفرضها وتيرة التطور المحلي والعالمي . روسياعبرت عن دعمها لأرادة الشعوب في كلاً من تونس ومصر واليمن، ورحبت بالتغييرات الديمقراطية في هذه البلدان، ولكنها كانت متحفظة وحذرة في موقفها بالنسبة لليبيا، ودعمت النظام السوري بثبات واصرار بشكل متواصل وعلى جميع المستويات، وبهذا الموقف الأخير تكون روسيا قد فاجئت الشعوب العربية والشعب السوري على وجه الخصوص. فقد تعودت شعوب المنطقة العربية على المواقف المساندة لقضاياها العادلة من قبل الأتحاد السوفياتي السابق والتي تعتبر روسيا خليفه الشرعي (مع الفارق في الأبعاد الديمقراطية والجغرافية بين النظامين). وعلى العكس من ذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية التي كانت تساند الأنظمة الأستبداية تقف اليوم وكأنها مساندة للشعب السوري في ثورته ضد نظام الأستبداد والفساد. وقبل الأستعجال في إدانة موقف روسيا بهذا الشأن يتوجب معرفة بعض الأسس الرئيسية الذي يستند عليه هذا الموقف كما يطرحها ممثلي الدبلوماسية الروسية وبعض علماء السياسة الروس، والتي من بين اهمها : - أعتبار ما يحدث في سوريا ما هو إلا مؤامرة خارجية لتغيير النظام السوري بالقوة من قبل قوى خارجية، بالتالي هذا يتناقض مع المبادئ الرئيسية للقانون الدولي . وهذا التصور من وجهة النظر الروسية يقوم على الوقائع التالية: ما يحصل في سوريا على العكس تماماً عن ما حصل في تونس ومصر واليمن ولا ينسجم مع فكرة ما يطلق علية بالربيع العربي (مضاهرات سلمية ضد أنظمة الأستبداد والفساد)، ففي سوريا كما جرى في ليبيا تماماً بدأت العمليات العسكرية ضد السلطات الشرعية مع بدأ الأحتجاجات، وكرست الغالبية العظمى من وسائل الأعلام الغربيه والعربيه نشاطاتها الموجهة من البداية ايضاً في التغطية الأعلاميه بنقل اخبار ومعلومات مشوهة وغير موضوعية للرأي العام العالمي عن حقيقة ما يحدث في سوريا وأضهرت فيها وكأن الحكومة السورية فقط هي وحدها التي تستخدم العنف ضد المتظاهرين السلميين، الذين ينادون بالديمقراطية . توتر الوضع في سوريا ما هو إلا نتيجة لسياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلف الناتو التي تستغل الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية من أجل تغيير الأنظمة العربية الغير مرغوب فيها. و وجود سوريا قرب ايران جعل منها أن تكون الضحية. و محاولة اسقاط النظام في سوريا هو جزء من خطة عزل ايران. ويرى بعض المحللين الروس أن سبب التقارب السوري الأيراني هو النزاع العربي الأسرائيلي فيما يتعلق بموقف غالبية الدول العربية المعادي للقيادة السياسية السورية حسب الرؤية الروسية، يكمن في التناقض بين المذهب السني والشيعي، الذي ازداد نموه بعد العمليات العسكرية الأمريكية في العراق. واعضاء السلطة في سوريا غالبيتهم من العلويين - اتجاه قريب من الشيعة. وحسب التصورات الروسية من وجهة نظر الدول العربية التي يجمعهم الأتجاه السني، تشكيل حزام شيعي يظم العراق عبر ايرانوسورياولبنان يشكل خطراً على الدول العربية الأخرى . - روسيا لم تقم فقط في دعم ومساندة النظام السوري في أطار القانون الدولي، وأنما ايضاً قامت بواجبها الدولي في محاولة التوسط بين اطراف الصراع من أجل الدخول في حوار سياسي حقناً لدماء الشعب السوري، وعلى الرغم من وجود بعض الأصوات من معسكر المعارضة السورية التي ارادت الحوار مع الحكومة السورية، إلا أن قيادة المعارضة رفضت قطعياً التواصل معها ورفضت كل المحاولات العديدة للتفاوض على نهاية إراقة الدماء لأنها كما يبدو تستمد التوجيهات من الخارج بحسب ما يضنه بعض المحللين السياسين الروس . - دعم النظام السوري عسكرياً من قبل روسيا يأتي نتيجة الأتفاقيات الثنائية السابقة مع الحكومة السورية. وأمكانية تزويد روسيالسوريا بالصواريخ الدفاعية «ياخونت» «أس 300» ترى فيه روسيا عامل استقرار يحول دون التدخل الأجنبي في النزاع السوري، وهذه الصواريخ لا تصلح للأستخدام لضرب المدنيين داخل سوريا لأنها اسلحة دفاعيه جويه، ولا يمثل هذا الإجراء من قبل روسيا إذا ما حصل خرقاً للقانون الدولي. ويأتي هذا كما يبدو رد فعل على قرار الأتحاد الأوربي الذي يرفع الحضر بتوريد الأسلحة للمعارضة . ويوضح الأكاديمي والمستشرق المعروف أفجيني بريماكوف موقف روسيا والصين في مجلس الأمن في أحدى مقالاته على صفحات الأنترنيت بقوله، أن روسيا والصين من حيث المبدأ لم تمانعا من أتخاذ قرار في مجلس الأمن بشأن سوريا، لكن بتصورات موضوعية تجعله قريباً من الواقع لكي يكون ذو فاعلية عملية. والحديث هنا من وجهة نظر السيد بريماكوف يدور حول عدم خرق القانون الدولي بأدخال المطالبة الذي كانت تتبناها عدد من الدول الغربية والتي تقضي بعزل الرئيس الشرعي المنتخب من قبل الشعب، وتحميل مسؤولية اراقة الدماء على طرف واحد - القيادة السورية وأستبعاد الطرف الآخر في النزاع من المسؤولية، واتخاذ عقوبات ضد سوريا. و مثل هذه الأحكام إذا ما تمت الموافقة عليها وكما بينته الأحداث في ليبيا، من وجهة نظر الأكاديمي بريماكوف ممكن استخدامها للتدخل العسكري في سوريا. وروسيا والصين لم يريدا أن يخدعا مرة ثانية. فكما حصل في الآونة الآخيرة الولاياتالمتحدةالأمريكية طلبت عدم الأعتراض على قرار الأممالمتحدة بشأن ليبيا فيما يخص أغلاق الأجواء الليبية لتجنيب المدنيين من الضربات الجوية التي ممكن أن تضر المدنيين من قبل طيران القذافي، عندها هذاالجزء من قرار الأممالمتحدة، تم بلورته بشكل مغاير من أجل اسقاط نظام القذافي. و من أجل تقييم الموقف الروسي الذي يستند على القانون الدولي، يجب الأشارة إلى بعض الحقائق التي ينبغي أن تؤخذ بعين الأعتبار وهي: : - سوريا لم تعرف انتخابات ديمقراطية منذ عام 1963م ، والنظام في سوريا نظام استبدادي فاسد . . - النظام السوري كان بأمكانه أن يقوم بالأصلاحات الضرورية ولا ينتظر حتى يخرج الشعب بالمطالبة بها. - بدأت مطالب الشعب بالأصلاحات من خلال المظاهرات السلمية، لكن النظام فضل التعامل والحل الأمني مع هذه المظاهرات و بشكل متأخر اعلن عن عدد من الأصلاحات التي لم يشرع أو لم يستطيع أن يظهر مصداقيته في تنفيذها. - من المحتمل جداً أن هناك كانت قوى تتربص بالنظام السوري وأستغلت الحراك الشعبي السلمي ونفذت خطتها المعدة سلفاً، لكن هذا لا ينفي تحيمل المسؤولية للنظام السوري لما وصلت الية الأمورفي سوريا إلى هذا الحد . - روسيا قطب عالمي ولها سياساتها ومصالحها الدولية و سوريا حليف استراتيجي لروسيا في الشرق الأوسط، وترتبط روسيا ايضاً بمصالح اقتصادية مع ايران الحليف الرئيسي لسوريا. وروسيا لا تريد خلق سابقة أو عرف جديد في العلاقات الدولية يشرعن ويشجع التمردات المسلحه الداخليه بهدف تغيير الأنظمة السياسية من خلال التدخل العسكري الخارجي، لأنه من الممكن أن يتكرر هذا في المستقبل في دول أخرى. وبأختصار شديد الثورة السورية تواجه عدد من الصعوبات التي تحددها عدد من العوامل الداخلية والخارجية، من بينها الموقع الجيو سياسي لسوريا و تعدد القوميات والديانات للشعب السوري وضرورة التحولات الديمقراطية...الخ، في مرحلة تشكل هيئة نظام تعدد الأقطاب في العلاقات الدولية . وفي كل الأحوال وبناءً على جميع المعطيات يبقى الحل الدبلوماسي هو الأمثل خاصة مع الأخذ بعين الأعتبار الحقائق التالية : - وصول عدد الضحايا أكثر من ثمانين الفاً وهذا الرقم قابل للزيادة. - وصول عدد النازحين واللاجئين إلى أكثر من خمسة ملايين وهذا الرقم ايضاً قابل للزيادة. - التدمير المتواصل للبنية التحتية. - طول فترة الصراع العسكري وعدم أمكانية حسم الأمور عسكريا من قبل طرفي النزاع، ولا توجد أي بوادر لمثل هذا الحسم في المستقبل المنظور والذي أن استمر من الممكن أن يأخذ بعدا طائفيا. واستمرارية الحرب التي اصبحت متعددة الجنسيات ودوخول قوى دولية وأقليمية اطرافاً فيها يجعل منها حرب طويلة الأمد يصعب التنبؤ بموعد نهايتها، وأفضل احتمال للنتائج، هو تقسيم سوريا، الذي سيكون له انعكاسات خطيرة على جميع دول المنطقة، والدخول ايضاً في الصراعات الطائفية في أكثر من بلد. ويكفي الأشارة لما تعانيه الآن كلاً من تركياولبنان والأردن والعراق من تداعيات القضية السورية في تدفق أعداد اللاجئين إلى اراضيها، وأمتداد المعارك إلى شمال لبنان . - الشعب السوري بكل تأكيد يريد إيقاف الحرب المدمرة، وفي نفس الوقت يرفض النظام السياسي القائم . وفي ظل جميع المعطيات يظل الحوار الدبلوماسي هو الخيار الأمثل أن لم يكن الوحيد لمعالجة جميع الأوضاع في سوريا. المؤتمر الدولي جنيف أثنين ينبغي أن يتضمن بدرجة اساسية: - وقف القتال فوراً والعمل على إيجاد الضمانات لتحقيق الأنتقال السلمي من النظام الأستبدادي إلى نظام ديمقراطي على اساس دولة مدنية قادرة على استيعاب كل المتناقضات والتنوع الأجتماعي والسياسي والديني ... الخ في المجتمع السوري . - ضرورة المطالبة بفتح التحقيقات فيما يتعلق بالجرائم الدولية وغيرها من الأنتهاكات لحقوق الأنسان ومحاكمة المذنبين محاكمة دولية عادلة . وفي الوقت الذي فيه يتم التأكيد على عدم تغيير الأنظمة السياسية للدول ذات السيادة من الضروري الأعتراف بأن ثورات التغيير الديمقراطي السلمية واقع يفرض نفسة على الأنظمة التي يستحيل فيها القيام بأي اصلاحات ديمقراطية، وبالتالي عدم السماح لمثل هذه الأنظمة من استخدام العنف واساليب القمع لأخمادها . هذا الأعتراف يتوجب أن يخص الثورات الديمقراطية السلمية التي لا تعتمد في تحقيق اهدافها على العنف مطلقاً، والعفوية التي لا تنطوي تحت ادارة أي حزب سياسي معين ،بأعتبارها الأسلوب الملائم أن لم يكن الوحيد لتحقيق التحولات الديمقراطية في البلدان التي يعتذر فيها تحقيق أي اصلاحات ديمقراطية فعلية نتيجة انظمة الفساد الشامل، وانتهاك حقوق الأنسان وغياب المعارضة الحقيقية والديمقراطية