أسرة المتوكل توضح بشان الاتهامات الموجه له باختطاف طائرات اليمنية    انقطاع الكهرباء في عدن يهدد بتوقف خدمات المياه والصرف الصحي    العلاقات الجنوبية - الروسية: جذور راسخة وشراكة استراتيجية متجددة    برشلونة غارق في الديون: 159 مليون يورو مستحقة لأندية أوروبا    رئيس الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية الأستاذ عبدالوهاب المهدي ل"26 سبتمبر": نطالب بتدخل أممي عاجل لوقف استهداف العدوان المباشر أو غير المباشر للمناطق الأثرية    جنوبيون يطلقون وسم #قنوات_اخوانيه_يمنيه_ساقطه ويفضحون خبث إعلام العدو    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يزور فرع مصلحة الضرائب في شبوة    الراية الثقيلة... عام على رحيل صالح الناخبي الحاضر في الغياب    الوزير الأشول: اليمن يسعى لاستعادة عافيته الاقتصادية والانخراط في النظام التجاري العالمي    العليمي: العدالة في تعز ماضية كمسار مؤسسي شامل لا استثمار سياسي    صنعاء.. تشييع جثمان رئيس هيئة الأركان العامة السابق    الدين العام الأميركي يسجل رقما قياسيا    الونسو: مبابي لاعب حاسم يمنحنا النقاط، وهذا ما نحتاجه    بكأس مونديال الشباب... المغرب يتربع في قلب التاريخ    اليمن يودع الشهيد الغماري على درب الفتح الموعود والجهاد المقدس    الارصاد: أجواء باردة على المرتفعات وتوقعات بأمطار متفرقة على عدد من المحافظات    أمين عام حزب الرابطة: الجنوبيون يدفعون ثمنًا باهظًا لجريمة "يمننة الجنوب"    تقرير حقوقي يوثق ارتكاب مليشيات الحوثي 4896 جريمة بحق رجال الدين ودور العبادة    اتفاقيات لدعم موازنة الحكومة اليمنية وتوفير نفط للكهرباء    قبل الكلاسيكو.. مبابي يعيد الريال إلى الصدارة    يونايتد يذيق ليفربول الخسارة الرابعة تواليا    مدرب ليفربول متفاجئ من خسارة فريقه أمام مانشستر يونايتد    عدن غارقة في الظلام والمرتزقة ينهبون الايرادات    انطلاق مراسيم تشييع الشهيد المجاهد الغماري    خلال 7 دقائق.. عملية سرقة "لا تقدّر بثمن" في متحف اللوفر    وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن. "17"    بالنظر إلى تعاطيه الإيجابي مع مأساة (قطاع غزة) وكادره الطبي ..تخطى (غوستافو كولومبيا) 21 حاكمًا عربيّا    مقتل شخصين بحادث اصطدام طائرة أثناء هبوطها في مطار هونغ كونغ    الشهادة بداية حياة وليس نهايتها    شبابنا.. والتربية القرآنية..!!    فيما تم تدمير 300 لغم من مخلفات العدوان .. المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام يبحث توسيع الشراكة والتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر    اللواء الغماري.. فارس الميدان ومرعب الكيان    قراءة تحليلية لنص "رغبة في التحليق" ل"أحمد سيف حاشد"    الاتحاد السياحي اليمني يكشف عن فساد في مجلس الترويج السياحي    قافلة من وادي حضرموت تصل إلى الضالع دعماً للمقاتلين وتجسيداً لوحدة الصف الجنوبي    أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة المناضل والأكاديمي محمد الظاهري    الإمارات شعلة العلم في سماء الجنوب .. من بناء المدارس إلى ابتعاث العقول.. بصمات لا تُمحى في مسيرة التعليم الجنوبي    أبعدوا الألعاب الشعبية عن الأندية!    رئيس تنفيذية انتقالي لحج الحالمي يُعزي الشيخ نائف العكيمي في وفاة والده    وزارة الإعلام تُكرم الفائزين بمسابقة أجمل صورة للعلم اليمني    عدن.. مصلحة الجمارك توضح حول رفع سعر الدولار الجمركي    الأرصاد يكشف عن تكوّن منطقة ضغط جوي منخفض فوق جنوب شرق بحر العرب    اجتماع موسع للامناء الشرعيين لمناقشة آلية تفعيل وتنفيذ وثيقة تيسير الزواج في البيضاء    700 طالب وطالبة يؤدون اختباراتهم في المعهد العالي لتأهيل المعلمين بذمار وفرعيه    الدوري الالماني: بايرن ميونيخ يفوز على دورتموند ويبتعد في الصدارة    إشادة بتمكن عامر بن حبيش في احتواء توتر أمني بمنفذ الوديعة    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على اوساسونا بهدف يتيم    قراءة تحليلية لنص "العيب المعوَّق للمعرفة" ل"أحمد سيف حاشد"    السقاف يزور الشاعر المخضرم عبدالله عبدالكريم للاطمئنان على صحته    حضرموت بحاجة إلى مرجعية دينية بحجم السيد "الحداد"    لو فيها خير ما تركها يهودي    المداني خلفا للغماري .. بعضاً مما قاله خصمه اللدود عفاش في الحروب الست    اليمن انموذجا..أين تذهب أموال المانحين؟    ابتكار قرنية شفافة يقدم حلا لأزمة نقص التبرعات العالمية    معهد امريكي: شواء اللحوم يزيد خطر الاصابة بالسرطان    متى يبدأ شهر رمضان 2026/1447؟    الرمان... الفاكهة الأغنى بالفوائد الصحية عصيره يخفض ضغط الدم... وبذوره لها خصائص مضادة للالتهابات    ما فوائد تناول المغنيسيوم وفيتامين «بي-6» معاً؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى سقوط غرناطة


د. عبدالعويز المقالح
في أوائل شهر يناير المنصرم، وبالتحديد في الثاني منه، احتفل بعض الغلاة من المتطرفين الإسبان بالذكرى السنوية لسقوط مدينة غرناطة آخر معاقل العرب في الأندلس بعد حكم استمر ثمانية قرون، ازدهرت خلالها حضارة عربية إنسانية لاتزال آثارها تبعث على الدهشة، وتلهب خيال المبدعين وتشدُّ اهتمام المشتغلين بالتاريخ. ويلاحظ أن أغلبية الشعب الإسباني لم تشارك في هذا الاحتفال العنصري، بل عارضت إقامته بشدة لما يتضمنه من تحريض مباشر على العداء والكراهية. وقد انحصر الاحتفال في ولاية غرناطة، حيث بقايا العائلات المنحدرة من أولئك الذين أسهموا في تدمير المدينة، بعد أن قدمها سلمياً آخر ملوكها وهو أبو عبدالله الصغير، الذي سلَّم مفاتيح المدينة وغادر أرض الأندلس مع أفراد عائلته وحراسته دامع العين كسير النفس ترافقه لعنات التاريخ، ويطارده صوت أمه السيدة الجليلة التي كانت أول من عيّره على ضعفه واستسلامه المهين بعبارة ترددت عبر العصور، ولاتزال تتردد، وهي:

ابكِ مثل النساء مُلكاً عظيماً لم تحافظ عليه مثل الرجال

وأعترف هنا، بأن الذي لفت انتباهي إلى تناول موضوع هذه المناسبة مقال رصين وبديع نشرته إحدى الصحف للكاتب المغربي محمد محمد الخطّابي، وفيه لا يكتفي الكاتب بالحديث عن الاحتفال المشار إليه، وما رافقه من ردود أفعال إسبانية وطنية معارضة للجماعات العنصرية الهادفة إلى إحياء الضغائن والأحقاد، بل نجح في إيراد بعض النصوص المتميزة لما كتبه في هذه المناسبة بعض المعارضين، ومنهم مسؤولون ومبدعون كبار. فقد أورد جزءاً من كلمة عمدة غرناطة الذي يرى أن 2 يناير 1492م «لا يقدم لنا أي قيم ديمقراطية، وهذا الاحتفال تستغله جماعات متطرفة موغلة في الحقد المجاني، ومدينة غرناطة لم يتم استرجاعها أبداً، بل تم تسليمها في أجواء سلمية للملكين الكاثوليكيين، والاتفاقات التي أبرمت خلال هذا التسليم بين الطرفين لم تُحترم ولم تُطبّق أبداً». هذا بعض ما قاله عمدة غرناطة «فرانسيسكو كونيكا» في كلمته.

والأهم من كلمة العمدة والأدعى للتوقف والتأمل، ما نشره الكاتب والشاعر والروائي الإسباني «أنطونيو غالا» الذي يقول: «في مرحلة بداية إراقة الدم في إسبانيا أيّ في يوم 2 يناير، عندما تم تسليم غرناطة للملكين«فرناندو» و«إيزابيل» من طرف آخر ملوك بني الأحمر أي؛ عبدالله الصغير، أصبحت إسبانيا فقيرة ومنعزلة وهرمة لمدة قرون، بعد أن أفَلَتْ شمس الحضارات السامية العربية فيها، عندئذٍ انتهى عصر العلم والحكمة والفنون الرفيعة والذوق والتهذيب، وتم مزج كل ما هو قوطي وروماني بالمعارف العربية البليغة. وكان هؤلاء الذين يطلقون عليه غزواً لا يدركون أنه كان فتحاً ثقافياً أكثر من أي شيء آخر، ما جعل الإسبان يسبقون عصر النهضة بنحو قرنين، ظلت إسبانيا بعد ذلك التاريخ تافهة مكروبة مغمومة ومخذولة، وكان عليها أن تنظر إلى الخارج، ومن ثمّ إلى ما كان يسمّى عصر الاكتشافات».

ولا يقف هذا الكاتب المبدع الكبير عند هذه الحقائق التي نكاد نحن العرب نجهلها، بل يزيدنا علماً ومعرفة بما قدمه عرب الأندلس لإسبانيا وللعالم كله فيضيف: «إن مكتبة قصر الحمراء كان أكبر قسط منها يتألف من مكتبة «مدينة الزهراء» التي كان بها ما ينوف على 600000 مجلد، وقد أحرقها الكاردينال سيستيروس عام 1501م في مكان يسمى«باب الرملة» في مدينة غرناطة، هو اليوم ساحة تحمل الاسم العربي القديم نفسه، فاختفى العديد من الوثائق والمخطوطات، وأمهات الكتب النفيسة التي أبدعها علماء أجلاء في فروع المعارف في الأندلس... ويقال إن الجنود الذين كلفوا القيام بهذه المهمة، كانوا يخفون بعض هذه المخطوطات أثناء إضرامهم النار فيها في أرديتهم لفرط جمالها وروعتها، إذ كان معظمها مكتوباً بالذهب والفضة، ويا لعجائب المصادفات، ففي المدينة نفسها (قلعة النهر، الكالادي إيناريس) التي نُقل إليها ما تبقى من هذه الثروة نحو 4000 مخطوط التي نجت من الحرق، ستكون المدينة التي سيولد في ما بعد بها الكاتب الإسباني الأشهر «ميغيل سرفانتيس» صاحب رواية «دون كيخوته» الشهيرة المستوحاة في أغلبيتها من التراث العربي».

نقف أمام هذه الكلمات باحترام كبير وتقدير أكبر لصاحبها الذي رفعته الموضوعية الخالصة إلى الدرجة التي يسعى لأن يكون عليها المبدعون الكبار، بعد أن يتحرر وعيهم من رواسب التعصب الإقليمي والعرقي، ويصير المبدع ناطقاً باسم الحقيقة في صورتها الأنصع والأبهى. وحبذا لو أجدنا نحن قراءة تاريخنا القديم والحديث مستفيدين من النظرة ذاتها والأسلوب العميق ذاته.

* الخليج الإماراتية
في أوائل شهر يناير المنصرم، وبالتحديد في الثاني منه، احتفل بعض الغلاة من المتطرفين الإسبان بالذكرى السنوية لسقوط مدينة غرناطة آخر معاقل العرب في الأندلس بعد حكم استمر ثمانية قرون، ازدهرت خلالها حضارة عربية إنسانية لاتزال آثارها تبعث على الدهشة، وتلهب خيال المبدعين وتشدُّ اهتمام المشتغلين بالتاريخ. ويلاحظ أن أغلبية الشعب الإسباني لم تشارك في هذا الاحتفال العنصري، بل عارضت إقامته بشدة لما يتضمنه من تحريض مباشر على العداء والكراهية. وقد انحصر الاحتفال في ولاية غرناطة، حيث بقايا العائلات المنحدرة من أولئك الذين أسهموا في تدمير المدينة، بعد أن قدمها سلمياً آخر ملوكها وهو أبو عبدالله الصغير، الذي سلَّم مفاتيح المدينة وغادر أرض الأندلس مع أفراد عائلته وحراسته دامع العين كسير النفس ترافقه لعنات التاريخ، ويطارده صوت أمه السيدة الجليلة التي كانت أول من عيّره على ضعفه واستسلامه المهين بعبارة ترددت عبر العصور، ولاتزال تتردد، وهي:

ابكِ مثل النساء مُلكاً عظيماً لم تحافظ عليه مثل الرجال

وأعترف هنا، بأن الذي لفت انتباهي إلى تناول موضوع هذه المناسبة مقال رصين وبديع نشرته إحدى الصحف للكاتب المغربي محمد محمد الخطّابي، وفيه لا يكتفي الكاتب بالحديث عن الاحتفال المشار إليه، وما رافقه من ردود أفعال إسبانية وطنية معارضة للجماعات العنصرية الهادفة إلى إحياء الضغائن والأحقاد، بل نجح في إيراد بعض النصوص المتميزة لما كتبه في هذه المناسبة بعض المعارضين، ومنهم مسؤولون ومبدعون كبار. فقد أورد جزءاً من كلمة عمدة غرناطة الذي يرى أن 2 يناير 1492م «لا يقدم لنا أي قيم ديمقراطية، وهذا الاحتفال تستغله جماعات متطرفة موغلة في الحقد المجاني، ومدينة غرناطة لم يتم استرجاعها أبداً، بل تم تسليمها في أجواء سلمية للملكين الكاثوليكيين، والاتفاقات التي أبرمت خلال هذا التسليم بين الطرفين لم تُحترم ولم تُطبّق أبداً». هذا بعض ما قاله عمدة غرناطة «فرانسيسكو كونيكا» في كلمته.

والأهم من كلمة العمدة والأدعى للتوقف والتأمل، ما نشره الكاتب والشاعر والروائي الإسباني «أنطونيو غالا» الذي يقول: «في مرحلة بداية إراقة الدم في إسبانيا أيّ في يوم 2 يناير، عندما تم تسليم غرناطة للملكين«فرناندو» و«إيزابيل» من طرف آخر ملوك بني الأحمر أي؛ عبدالله الصغير، أصبحت إسبانيا فقيرة ومنعزلة وهرمة لمدة قرون، بعد أن أفَلَتْ شمس الحضارات السامية العربية فيها، عندئذٍ انتهى عصر العلم والحكمة والفنون الرفيعة والذوق والتهذيب، وتم مزج كل ما هو قوطي وروماني بالمعارف العربية البليغة. وكان هؤلاء الذين يطلقون عليه غزواً لا يدركون أنه كان فتحاً ثقافياً أكثر من أي شيء آخر، ما جعل الإسبان يسبقون عصر النهضة بنحو قرنين، ظلت إسبانيا بعد ذلك التاريخ تافهة مكروبة مغمومة ومخذولة، وكان عليها أن تنظر إلى الخارج، ومن ثمّ إلى ما كان يسمّى عصر الاكتشافات».

ولا يقف هذا الكاتب المبدع الكبير عند هذه الحقائق التي نكاد نحن العرب نجهلها، بل يزيدنا علماً ومعرفة بما قدمه عرب الأندلس لإسبانيا وللعالم كله فيضيف: «إن مكتبة قصر الحمراء كان أكبر قسط منها يتألف من مكتبة «مدينة الزهراء» التي كان بها ما ينوف على 600000 مجلد، وقد أحرقها الكاردينال سيستيروس عام 1501م في مكان يسمى«باب الرملة» في مدينة غرناطة، هو اليوم ساحة تحمل الاسم العربي القديم نفسه، فاختفى العديد من الوثائق والمخطوطات، وأمهات الكتب النفيسة التي أبدعها علماء أجلاء في فروع المعارف في الأندلس... ويقال إن الجنود الذين كلفوا القيام بهذه المهمة، كانوا يخفون بعض هذه المخطوطات أثناء إضرامهم النار فيها في أرديتهم لفرط جمالها وروعتها، إذ كان معظمها مكتوباً بالذهب والفضة، ويا لعجائب المصادفات، ففي المدينة نفسها (قلعة النهر، الكالادي إيناريس) التي نُقل إليها ما تبقى من هذه الثروة نحو 4000 مخطوط التي نجت من الحرق، ستكون المدينة التي سيولد في ما بعد بها الكاتب الإسباني الأشهر «ميغيل سرفانتيس» صاحب رواية «دون كيخوته» الشهيرة المستوحاة في أغلبيتها من التراث العربي».

نقف أمام هذه الكلمات باحترام كبير وتقدير أكبر لصاحبها الذي رفعته الموضوعية الخالصة إلى الدرجة التي يسعى لأن يكون عليها المبدعون الكبار، بعد أن يتحرر وعيهم من رواسب التعصب الإقليمي والعرقي، ويصير المبدع ناطقاً باسم الحقيقة في صورتها الأنَصع والأبهى. وحبذا لو أجدنا نحن قراءة تاريخنا القديم والحديث مستفيدين من النظرة ذاتَها والأسلوب العميق ذاته.َ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.