لا فاعلية تذكر للمنظمة الدولية في اليمن؛ فعلى صعيد المحاولات السياسية أظهرت فشلاً ذريعاً في إثناء المتمردين للعدول عن إدخال البلد في نفق مظلم لا خلاص منه على المدى القريب، بل ولم تحرك ساكناً تجاه انتهاكاتهم الصارخة بحق المدنيين والأبرياء واكتفت بقرارات مفروغة الفعل حيناً وركيكة السياق حيناً ومغيبةً عن ما يدور في أحيان كثيرة. الدور السياسي المشبوه الذي تحاول الأممالمتحدة لعبه في اليمن لم يتوقف عند حد فضيحة المبعوث الأول بل استمر بأوجه أخرى وسياقات أشد قتامة في فترة ولد الشيخ الذي وجد نفسه مقيّداً ببرتوكولات المرجعية الأممية المدعية جدلاً للحياد فيما سجلها الإنتهازي والمفضوح يظهر تواطئاً لا مثيل له في التعامل مع قضايا أكثر وضوحاً كفلسطين مثلا. في مؤتمري جنيف وحوار الكويت بين أطراف اليمن لم تبرز المنظمة العالمية بفاعلية حقيقية ولم تضغط على المعرقلين واللاعبين الإقليميين المعروف عنهم بدعمهم للمتمردين لإخراج اليمن من مستنقع حرب مجهولة السبب سوى لأغراض مذهبية تطغى عليها مصالح تجاوزت حدود بلد تنهشه الأزمات منذ عقود،واكتفت ببيانات القلق ودعوة الأطراف المتنازعة للتوقف الفوري عن الإستمرار في الحرب. بوجه آخر برزت الأممالمتحدة للتعامل مع وضع اليمن مصوبة الجهود تجاه الوضع الإنساني المتفاقم جراء المتغيرات الكارثية والنتائج السلبية للحرب، حيث وجهت نداء استغاثة في مطلع فبراير من العام الجاري مطالبة بإنقاذ 19 مليون يمني يحتاجون حسب وصفها إلى المساعدة العاجلة والحماية اللازمة منهم 12 مليون مهددين بالمجاعة. توجه جديد يحمل في طياته تسويق قضية اليمن على المستوى الإنساني دون إجراءات جادة لمعالجة الأسباب الجوهرية التي خلفت الوضع الإنساني المتردي..هذا الإستنتاج يقود إلى حقيقة يجهلها الغالبية ممن لا زالوا عالقين بقشة المنظمة العالمية،هذه الحقيقة تستنبط من خلال استغلال المحيط النفطي لليمن الذي ساهم مؤخراً في مؤتمر الإستجابة الإنسانية الذي نظمته الأممالمتحدة بنحو 800 مليون دولار،واليمن ليست الدولة الأولى في المنطقة التي يتم تسويق قضيتها لذات الهدف ففلسطين ولبنان والعراق والصومال والسودان وجنوب السودان دول تم تسويق قضاياها بأوجه أخرى وتحت شعارات وأسباب تختلف في تفاصيل كثيرة مع قضية اليمن ولا هدف من ذلك سوى الاستفادة من ثروات الدول النفطية في المنطقة.. وبالعودة إلى الرقم الكبير الذي أعلنته المنظمة الدولية لتغطية احتياجات اليمنيين الضرورية والذي يتجاوز 2 مليار دولار فإن علامات الإستفهام الكبيرة تثار حول هكذا رقم ومدى وصول المساعدات إلى كافة اليمنيين خاصة والتجارب السابقة كفيلة بتوضيح الموقف في ظل احتجاز عشرات الشاحنات المحملة بالأدوية والمستلزمات الضرورية ومنعها من الوصول إلى تعز وكذا مصادرة عشرات الحاويات الإغاثية وتحويلها إلى جبهات القتال التابعة للمتمردين وبيع أخرى للإستفادة منها فيما يسمونه بالمجهود الحربي،عوضاً عن ذلك مشاريع أخرى اعتمدت فيها الإنتقائية تارة في اختيار المحافظات وتارة في اختيار المناطق..حتى بعض المشاريع التي يؤذن لها برؤية النور والبدء بالتنفيذ فإنها تشاب بمخالفات فادحة على مستوى المسح المناطقي وكذا اختيار المحتاجين في ظل تدخل المحسوبية وما شابهها. استغلال منظمة الأممالمتحدة للوضع الإنساني في اليمن يأتي من باب إغاثة خزينتها وطواقمها العاملة في أكثر من بلد وكذا فعالياتها ومؤتمراتها التي لا تكاد أن تنقطع إضافة إلى مبعوثيها العاملين في أتون قضاياها المتعددة والتي لم ترَ حلولاً ناجعة حتى الآن. لا يصل ما هو معلن وإن وصل فإنّه يمر بمئات المراحل الإستقطاعية بدءاً بنسبة دراسة المشروع وانتهاءً بخطط التنفيذ مروراً بتكاليف التوصيل والإشراف والمبالغ المهولة التي تصرف للفرق المخلوطة والمطعّمة بجنسيات من القارات الخمس وعلى ذلك فلنقس! تستغيث الأممالمتحدةباليمن كقضية حيوية وفاعلة ولها صداها وقابليتها لدى الشعوب قبل الحكومات الممولة،وتستنجد بها لإظهار وجه آخر مغاير للوجه السياسي الفاشل والوجه الحقوقي المعطّل والمرتمي في حضن جهات ومنظمات حقوقية محسوبة على المتمردين ولا يعرف الحياد إليها سبيلا، حيث تستقي الجهات الحقوقية العالمية منها كل ما تريده وعلى ذلك تبني رغم علمها المسبق وإيمانها الدامغ بتبعيتها! حريٌ بالأممالمتحدة – إن أرادت لمساعداتها أن تصل لمستحقيها- أن تعمل مع جهات محلية ذات خلفيات أهلية تعاونية كالمؤسسات الخيرية والإئتلافات الإنسانية بعيداً عن المتمردين الحوثيين الذين تصلهم المعونات أولاً بأول فتكدس في مخازنهم العسكرية فيما محافظة كالحديدة تستقبل حاويات الإغاثة بشكل يومي يعاني أبناؤها من وضع مأساوي هو الأشد بعد تعز،وبعيداً أيضاً عن محسوبية الحكومة الشرعية التي يعمد مسؤولو الإغاثة فيها على التقييم المناطقي والحزبي قبل البدء في التنفيذ وهو ما يعني القصور بعينه في توصيل تلك المعونات إلى مستحقيها. أما وقد وقع الفأس على الرأس،ولُمَ الريعُ إلى خزينة الأممالمتحدة فإننا بانتظار توزيع عادل وتوفير شامل لا يقتصر على احتياجات دون أخرى فالناس كما حاجتهم للأكل فإنهم يحتاجون لما يحضرونه به كالغاز والمياه الصالحة للشرب والمستخدمة وكذا احتياجات السكن والصحة والجوانب المتعلقة بالبيئة فالمبلغ المعلن عنه ليس بالقليل،يكاد يستجيب لكافة الإحتياجات ويفيض. على الأممالمتحدة أن تكون واضحة أكثر من أي وقت مضى فالتجارب المريرة معها مفعمة بالفشل وحافلة بالسلبية فعامين من الحرب أظهرا حقيقتها في التعامل مع ملف الحرب في اليمن فوقفت عاجزة متفرجة وأتاحت المجال في بعض الجوانب للمتمردين لالتقاط أنفاسهم تحت غطائها ليستنشقوا الأكسجين والعودة برتم أشد في مهاجمة الأبرياء بكافة الأسلحة..وحين سُد الأفق بات التسويق لمخلفات الحرب من أهم المهمات لديها لمآرب يجهلها الكثير وهكذا تستغيث الأممالمتحدةباليمن لإنقاذها من أزماتها المالية والتشغيلية،علماً أن هناك 63000 يمني ماتوا خلال الحرب لأسباب يمكن تفاديها بحسب تقارير أممية،مع أن ما نراه في الواقع يتجاوز العدد وتلك الأسباب التي يمكن تفاديها لا يمكن أن نبرئ الأممالمتحدة وكافة منظماتها من تورطها بوجه أو بآخر من المعضلة التي يعيشها ملايين اليمنيين اليوم.