بقلم / توكل كرمان الإدارة الذاتية للجنوب التي أعلن عنها الانتقالي تُحيلنا إلى مصطلح "الإدارة المحلية" أكثر مما تحيلنا إلى قضية الانفصال واستقلال الجنوب. وهو بالمناسبة أقل بمسافة عن الحكم المحلي وبمسافات شاسعة عن الحكم الفدرالي الذي خلصت إليه مخرجات الحوار الوطني، هذا من الناحية النظرية، ومن الناحية العملية، أقل بكثير من الوقع؛ حيث تتمتع محافظات الجنوب عمليًا بحكم فدرالي كامل الصلاحيات. الجنوبيون يحكمون كل محافظاتهم مثلما يديرون القرار المركزي للسلطة الشرعية، فما الذي يقصده الانتقالي بالإدارة الذاتية؟ وما الذي يريده بالضبط. هل هي مجرد مصطلحات يلقيها مجموعة من العشوائيين لا يعرفون مدلولاتها! واضح أن المقصود: أن يتولى الإدارة الذاتية للجنوب "الانتقالي" لا أي جنوبي آخر، وهو اعتراف بالسلطة الشرعية من جهة، وإقرار بتخليه عن الانفصال من جهة إخرى، وهذه مدلولات الإعلان، وإن كان لا يقر أن هذه المدلولات الفعلية لإعلانه عن الإدارة الذاتية، غير أن ما يريده من هذه الإعلان: أن يتولى هو إدارة الجنوب، وهو هدف صعب المنال غير قابل للتحقق، رفضه وسيرفضه الجنوبيون قبل غيرهم، هذا يتطلب أن تكون سيطرته الفعلية على كل الجنوب في حين أن أغلب المحافظات وأهمها خارج سيطرته، أعني بذلك شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى بالإضافة لأبين. والسيطرة تتطلب إمكانات مادية كثيرة تمكنه من دفع الرواتب وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين وتتطلب إقرار واعتراف دولي، غير أن كل ذلك ليس متوفرًا، ولن يتوفر ابداً. لقد رفض الجميع الإدارة المحلية لعيدروس ومجلسه الانتقالي للجنوب فكيف سيكون الحال لو ذهب القرار لما هو أبعد من الإدارة الذاتية ؟!! حتى السعودية والإمارات وجدتا نفسيهما مضطرتين لرفضه، فلا تجرؤ هذه البلدان على القول علنًا: بتأييد ما قد يفهمه اليمنيون محاولة لتقسيم بلدهم، يعلمون أنهم سيجدون أنفسهم يومًا في مواجهة شاملة مع شعب صلب كبير لا تحمد عواقب مواجهته. تتطلب الإدارة الذاتية التي أرادها عيدروس، أن يصدر قرارات بتعيين المحافظين ومدراء المديريات وغيرها من المناصب، وهو ما لا يقوى عليه في هذه اللحظة، ولهذا لن يقدم عليه. لاحظوا: أن محافظي عدن والضالع ولحج - وهي المحافظات التي يسيطر عليها الانتقالي وغيرهم من مسؤولي الإدارة المحلية لتلك المحافظات - لا يزالون مُعينين من هادي، ولم يُصدر الانتقالي قرارًا بتغييرهم، فكيف ببقية المحافظات الخارجة عن سيطرته؟ آخر عجائب الانتقالي بعد أيام من إعلانه عن الإدارة الذاتية، مطالبته بتغيير محافظ سقطرى!! من الذي يطالبه الانتقالي بتغيير المحافظ؟! هادي بالطبع هو المعني؛ فالانتقالي عمليًا يقدم نفسه - وإن ادعى غير ذلك - كمقر بالنظام السياسي، يلعب فقط دور المعارضة المقرة به في مزاولة النقد والضغط من أجل تحقيق المطالب. المشكلة أن هناك جنوبين كثر هم من يتولون مقاليد الأمور في محافظاتهم لا يقرون بأنه ممثل للجنوب والمتحدث باسمهم، حتى يتولى هو مهام الإدارات المحلية، وهم كثر، في المحافظات التي يسيطر عليها ناهيك عن المحافظات الأخرى.