"وثيقة" تكشف عن تعويم حكومة صنعاء للدولار الجمركي مع سعر السوق الموازية    "وثيقة" تكشف عن تعويم حكومة صنعاء للدولار الجمركي مع سعر السوق الموازية    إحباط عملية تهريب مخدّرات وإيقاف المتورطين في منفذ الوديعة    الاتحاد اليمني لكرة القدم يصدر تعميمًا تنظيميًا شاملًا يحدد ضوابط ومواعيد مسابقات الدوري بدرجاته الثلاث    قراءة تحليلية لنص "هروب وعودة" ل" أحمد سيف حاشد"    النائب بشر: لا يوجد "ضيف" محبوس وممنوع من الزيارة    بثلاثية نظيفة.. المنتخب الأولمبي يفوز على "كسكادا المصري" استعدادا للمشاركة في كأس الخليج    ثلاث ميداليات لليمن في بطولة غرب آسيا للجودو    العراق يواجه الفائز بين بوليفيا وسورينام وإيطاليا مع إيرلندا الشمالية في الملحق    الأحد المقبل .. تدشين مخيم للعيون في الزهرة بالحديدة    1000 مقابل 30 .. روسيا واوكرانيا تتبادلان جثث قتلاهما    اللحم غير المطهو جيداً... مسبّب للسرطان؟    باتيس يشيد بدور نقابة المهندسين الجنوبيين بحضرموت في تعزيز العمل الهندسي    قبائل حرض تُعلن النكف وفاءً لدماء الشهداء واستمرارًا للتعبئة    المؤسسة الوطنية لمكافحة للسرطان تحتفي بإنجازاتها وتكرم مجموعة هائل سعيد أنعم كداعم رئيسي للمؤسسة    ثورة في علاج السكري: توصيل الأنسولين عبر الجلد دون حقن    تشكيلات عسكرية.. حضرموت اليوم بحاجة إلى العقلاء، لا إلى مشعلي الحرائق.    أيهما أفضل: العمرة أم الصدقة؟    دراسة: سيجارتان يوميًا تضاعفان خطر فشل القلب والوفاة المبكرة    "استنكار شديد": الأورومتوسطي يدين خروقات وجرائم جيش العدو في غزة    واشنطن: إنهاء حرب اليمن يتطلب وقف تدفّق الموارد إلى الحوثيين    توزيع هدايا رمزية عينية للأطفال المرضى بمستشفى الثورة بالبيضاء بمناسبة اليوم العالمي للطفولة    تراجع الذهب مع توقعات خفض الفائدة الأمريكية    مصطفي حسان يطلق رواية أبناء الرماد.. تكشف خيبات الحرب وتعرّي الفساد    الصفقة السعودية ‐الأمريكية.. خطوة استراتيجية تعيد رسم موازين القوة    جرحى تعز يعلنون رفع الاعتصام من أمام الجوازات عقب اتفاق مع قيادة المحافظة    البنك الدولي يحذر من تفاقم أزمة الأمن الغذائي في اليمن    10578 شهيدا وجريحاً من الأطفال في اليمن    الإمارات تتخذ ميناء بوصاصو مركزا للمؤامرة على اليمن والمنطقة    تركيا تتاجر بآلام غزة وتناور بورقة نتنياهو... وكذبة اعتقال النتن ياهو    الغيثي: استمرار شراكة الانتقالي مع حكومة الشرعية يدفن القضية الجنوبية    لوجه الله.. امنعوا الباصات وأعيدوا باصات النقل العامة    أحسم الأمر قبل تفاقمه    الجنوب بين معاناة الناس الحياتية وتسابق أجندة المصالح الخارجية    استعداد لمنع استيراد الملابس الجاهزة وتوفيرها محليا بجودة افضل    اختتام جمعية المنتجين ومركز سند دورة في تمكين المرأة اقتصاديًا    وزير الداخلية.. جابي ضرائب لا حامٍ للمواطن.. غرامة مالية متنقلة على ظهور الناس    متقاعدون معاقون في عدن: راتب 25000 ريال لا يعيل أسرة ولا يغطي أجرة المواصلات    العزي يطلّع على سير العمل في ملعب الظرافي تمهيدًا لافتتاحه    خبير في الطقس: البرد سيبلغ ذروته خلال اليومين القادمين ودرجات الحرارة السطحية تنخفض إلى ما دون الصفر    الاتفاق بالحوطة يتغلب على البرق بتريم في البطولة التنشيطية الثانية للكرة الطائرة بوادي حضرموت    قراءة تحليلية لنص "عيد مشبع بالخيبة" ل"أحمد سيف حاشد"    تعز.. مسلح يعتدي على قيادي تربوي وزوجته    المبعوث الأممي يناقش في مسقط جهود التوصل إلى تسوية سياسية في اليمن    (هي وهو) حين يتحرك النص بين لغتين ليستقر    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع شبكة تحويلات مالية وأربع منشآت صرافة    العراق يستفيد من نتائج القارات ويخوض مباراة واحدة في الملحق العالمي    مدينة الوفاء والسلام المنكوبة    العلامة مفتاح يشيد بالمشاريع الكبيرة لهيئة الزكاة    مهرجان "إدفا" ينطلق من أمستردام بثلاثية احتجاجية تلامس جراح العالم    يا حكومة الفنادق: إما اضبطوا الأسعار أو أعيدوا الصرف إلى 750    تفاصيل اجتماع رونالدو مع الرئيس ترامب    الإعلان عن الفائزين بجوائز فلسطين للكتاب لعام 2025    فريق أثري بولندي يكتشف موقع أثري جديد في الكويت    إحصائية: الدفتيريا تنتشر في اليمن والوفيات تصل إلى 30 حالة    قطرات ندية في جوهرية مدارس الكوثر القرآنية    تسجيل 22 وفاة و380 إصابة بالدفتيريا منذ بداية العام 2025    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتفاق والتسريع لا يكفيان
نشر في المشهد اليمني يوم 08 - 09 - 2020

بعد معركة شرسة مدمرة ومقاومة استمرت ثلاثة أشهر، تمكنت قوات التحالف العربي بمساندة من المقاومة المحلية في مدينة عدن من إخراج الميليشيات الحوثية منها، ومن المناطق التي تؤدي إليها، وحينها توقع الكثيرون أن يتم العمل داخلها بهمة وبسرعة لتثبيت الأوضاع الأمنية وتحسين الخدمات المنهارة بهدف جعلها نموذجاً يأمل الناس في محاكاته بالمناطق التي سيطر عليه الحوثيون بعد 21 سبتمبر (أيلول) 2014، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث بسبب سوء إدارة المدينة والتزاحم داخلها حول أحقية قيادتها والانشغال في تثبيت زعامة محلية بدلاً من لملمة الصفوف وتوحيدها لتأمين ساكنيها الذين هجروها خشية تعرضهم للنيران الصديقة والعدوة التي كانت تغطي المدينة طيلة أشهر الحرب.
للأسف الشديد ضاعت الفرصة التي تمناها المواطنون في عدن وخارجها بعد خروج الميليشيات وتمناها المواطنون بعد الوعود الكثيرة حول إعادة التعمير وتشغيل الميناء وتحويل عدن إلى عاصمة موقتة مؤمنة يقيم فيها الرئيس هادي والحكومة، لكن الأمنيات لم تتحقق بسبب الصراعات وتعدد الولاءات داخل "الشرعية"، فتمّ استحداث وحدات عسكرية وأمنية موازية لتلك التي تخضع لوزارتي الداخلية والدفاع بدلاً من العمل على توحيدها. وصار الأمر أقرب إلى سباق بينهما للسيطرة على المدينة التي تحولت لساحة معارك مفتوحة، ولم يتمكن المسؤولون من البقاء طويلاً في العاصمة الجديدة، ونسي حَملة السلاح أن هناك مواطنين لا يعنيهم من يسيطر بقدر اهتمامهم بمن يؤمّن ويعطي فرص عيش كريم.
ولا ننسى أيضاً الحملات الظالمة التي طالت كثيراً من اليمنيين، ثم قطع الطرق المؤدية إلى المحافظات الشمالية، وأدت إلى تسميم الأجواء بين أبناء وطن واحد يحق لهم العيش والعمل حيثما رغبوا.
وكان من النتائج المباشرة لهذا الارتباك تعثر كل المحاولات للنهوض بالخدمات، وزاد من عمق المشكلات الغياب الطويل الطوعي، للرئيس والحكومة، عن الناس ومتابعة أحوالهم وانشغال المسؤولين بقضايا جانبية تافهة واحتدام الصراع حول النفوذ وانتشار الروايات الموثقة وغير الموثقة عن الفساد واستغلال الوظيفة العامة واحتكارها على الأقارب والمقربين، ولكن الأكثر خطورة كان أن ابتعد الجميع وتناسى تنفيذ الشعارين الأثيرين ل"لشرعية" وهما، "استعادة الدولة" و"دحر الانقلاب"، اللذان رافقا كل بيانات "الشرعية"، فصارت جبهات الصراع بين مكوناتها ومعاركها غير مرتبطة بما هو معلن وغاب عن القائمين عليها مهمتهم الحقيقية.
وعند خروج الحوثيين من عدن وبقية المحافظات الجنوبية وتلقيهم خسارة بشرية مذهلة، كان من المؤمل أن يتمّ التركيز على الملف السياسي عبر مبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة، وهو ما حدث في الكويت وسويسرا، وجرت جولات بعضها طويل وبعضها قصير، ولم تصل كلها إلى نتيجة إيجابية تضع اليمنيين على مسار وقف نهائي للمعارك، واستمر النزيف والدمار، وتزايدت الأحقاد والكراهية على المستويات كافة داخل كل منطقة وبين المناطق، ونتيجة لذلك تدهورت الحالة المعيشية للناس وانهارت قيمة العملة وغابت المحاسبة على أداء المسؤولين الذين فضل معظمهم الهروب مع أسرهم على الوجود في الداخل، ما أدى إلى سوء الخدمات بمختلف أشكالها وزيادة إحباط الناس.
وكان من الطبيعي أن يصبّ الناس جمّ غضبهم على "الشرعية"؛ إذ إنه على الرغم من الاقتناع بمسببات الأزمة منذ البداية في 21 سبتمبر (أيلول) 2014 حين استولى الحوثيون على كل مؤسسات الحكومة المركزية، فإن ذلك لا يعني أن يغضّ الناس أبصارهم عن الكيان الذي توخوا أن يشكل نموذجاً بديلاً أفضل حالاً، وهو ما لم يحدث حتى الآن، بل على العكس من ذلك، لحقت به اتهامات بالفساد تحدث عنها كل المرتبطين بها، ودارت نقاشات طويلة بينهم للتوصل إلى إعادة تشكيل بنائها على أسس مختلفة لخلق كيان يعيد للناس الثقة بها، وهو ما لم ولن يتمّ لأنه من المحتم أن استخدام الأدوات والآليات نفسها سيعيد إنتاج المخرجات نفسها.
إن التمسك بالشعار القديم "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" لم يعد صالحاً اليوم، والأجدر هو إعادة النظر في أسلوب الحكم كاملاً، وهو ما يستدعي بداية تغيير الأدوات التي أدارت المشهد اليمني منذ عام 2012، وكانت سبباً رئيساً في فشل تحقيق الانتقال السياسي السلمي، بل إنها هي التي مهدت بتخاذلها، وربما تفاهماتها، الطريق للحوثيين لإحداث الانقلاب على كل الاتفاقات التي سبقت 21 سبتمبر 2014، ولا أجد حالياً ما يبعث على التفاؤل بأن هذه الشخصيات والأحزاب قادرة على إعادة تدوير نفسها بطريقة إيجابية تغير من منهاج الحكم.
ينتظر الكثيرون منذ الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 حدوث فعلٍ إيجابي يعيد إليهم شيئاً من أمل في ممثلي "الشرعية"؛ لعلهم يبرهنون أولاً على رغبتهم بالعودة إلى الداخل للعيش بجوار المواطنين، ومن دون هذا، فلن يكون مفيداً إطلاق الشعارات والبيانات المخدرة، ومما يبعث على الضيق والضجر والإحباط عند الناس هو طول المدة التي يستغرقها تشكيل الحكومة لأنه تعبير يقيني عن خلافات ذاتية بحتة بعيدة عن مصالح المواطن، بل إنها أدمنت التعثر داخل مساحة ضيقة من الحسابات الحزبية والمناطقية، فلم يتمكنوا من الارتفاع إلى منسوب الوطنية التي تُخرجهم من دائرة البحث عن حقائب، لمجرد الاستفادة من مزاياها، إلى الوصول للمصلحة الوطنية الجامعة؛ لأن الجميع يعلم أنهم لا يمثلون ثقلاً انتخابياً معتمداً.
ولقد خلق "اتفاق الرياض" صعوبات عملية تعيق تنفيذه، فعلى الرغم من أنه ضمن إعادة المناصفة بين الشمال والجنوب في المواقع الوزارية فإنه جعل توزيعها عملية حسابية معقدة، وفرض أن يكون على خطوط شمالية جنوبية من دون التفات إلى الارتباطات التي جعلت الأحزاب عاجزة عن توزيع حصتها شمالاً وجنوباً، وإنه لمن المبالغة الترويج بأن "الاتفاق" يمثل طوق نجاة لليمن والمنطقة، ما لم يصاحب ذلك حضور جاد داخل البلاد وبين الناس للمكونات السياسية كافة، والتوقف عن تجاهل معاناة الناس ومتاعبهم، ويجب توقف كل من يعيش في الخارج بأمان مع أسرته عن الاستجداء والتوسل لاستمرار الحرب والإشادة بالقتلى وشجاعتهم لأن المنطق الأخلاقي يحتم عليهم حينها العودة إلى الداخل والاقتراب من ويلات الحرب والتعرف إلى نتائجها.
"الاتفاق" و"التسريع" يحتاجان إلى إرادة سياسية ترتفع فوق الصغائر مبتعدة عن فكرة المحاصصة؛ لأن الصراع الحالي الدائر بين غالبية القوى التي تتحكم بالمسارات الحالية مرتبط بصبغة ذاتية أكثر من كونه تعبيراً عن حالة وطنية راغبة وقادرة على الانتقال بالوطن نحو تسويات لإنهاء الحرب والدخول في مرحلة المصالحة الوطنية الشاملة على أساس المواطنة المتساوية والقانون الواحد، وقبل ذلك وبعده، فاليمنيون الذين يعانون بالداخل والخارج بحاجة إلى البحث في وسائل للنجاة من سيطرة الأدوات التي تحكمت بمصيرهم طيلة ثماني سنوات، ولم تنتج إلا هذه المأساة التي طالت كل بيت يمني وخليجي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.