يعتمد اليمنيون على استيراد السكر بأنواعه من الخارج بصورة كلية، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن قيمة واردات اليمن من السكر ومصنوعاته بلغت (117) مليار و(352) مليونا و(121) ألف ريال خلال عام 2011م. مقابل ذلك ينفق اليمنيون (63) مليار و(709) مليونا و(537) ألف ريال سنويا على شراء السكر بأنواعه؛ وتشير تقديرات مسح ميزانية الأسرة للعام 2011م إلى أن إجمالي ما استهلكته الأسر من السكر بأنواعه خلال ذات الفترة بلغ (37) مليارا و(657) مليونا و(215) ألف ريال. تذهب عوائد تلك المبالغ المهولة إلى جيوب "ملوك السكر" الذين يحتكرون السوق المحلي منذ سنوات ويحظون بإعفاءات ضريبية وجمركية وامتيازات منظورة وغير منظورة. وسبق وأعلنت الحكومة في 2010م إعفاء السلع الأساسية والغذائية من الرسوم الضريبية والجمركية إلى أجل غير مسمى نظير تخفيف العناء على المواطن الذي لم يستفد من كل التنازلات والمجاملات والقربات التي تقدمها الحكومة لبيوت المال والأعمال المتاجرين بأقوات المواطن والمتحكمين في حياته. تحظى تجارة السكر بدرجات عالية من السرية، والمعلومات حول هذا المجال نادرة وصعبة المنال. ووفقا للمعلومات التي تسنى الحصول عليها فإن استيراد السكر محصور على: شركات شاهر عبدالحق، مجموعة هائل سعيد أنعم، المؤسسة الاقتصادية اليمنية (الذراع الاقتصادي للجيش)، وبعض البيوت التجارية الكبيرة. يوصف رجل الأعمال شاهر عبدالحق بشر بإنه "ملك السكر" في اليمن وفي الشرق الأوسط، ويستحوذ على النسبة الأكبر من السوق المحلي وتعد شركاته الوكيل الوحيد في اليمن لعدد من شركات تصدير السكر. وتستثمر مجموعة هائل سعيد أنعم في تجارة السكر عبر "الشركة اليمنية لتكرير السكر". جشع واستغلال.. ورقابة غائبة خلال الأسبوع الأخير من ديسمبر المنصرم انخفضت الأسعار العالمية للسكر الأبيض بنحو 15 دولار، سجل 508.7 دولار للطن بنسبة انخفاض بلغت 16.4% عن أسعار الفترة نفسها من العام 2011م.. فيما شهدت أسعار السكر الخام انخفاضا بنسبة 21.2% حيث سجل 425.71 دولار للطن. مقابل ذلك لم تشهد الأسواق المحلية أي انخفاض في سعر السكر الذي تعتمد البلاد على استيراده من الخارج، يحدث ذلك ونحن قاب قوسين أو أدنى من عضوية منظمة التجارة العالمية. ومن المفارقات أن تقرير ملخص تطورات الأسعار العالمية والمحلية للسلع الأساسية للأسبوع الرابع من ديسمبر 2012م الصادر عن وزارة الصناعة والتجارة تحدث عن انخفاض السعر العالمي بشكل مختلف، قال التقرير إن متوسط أسعار السكر عالميا شهدت انخفاضا عن الأسبوع الثالث، وأوضح التقرير أن متوسط سعر الطن (522) دولار للطن (تسليم شهر مارس 2013م). تقرير الوزارة يقول إن متوسط سعر الجملة للسكر البرازيلي سجلت انخفاضا بنحو (2.7%) عن الأسبوع الثالث من ديسمبر، موضحا أن متوسط سعر الجملة للبرازيلي عبوة 50كجم خلال الأسبوع الرابع (7.300) ريال، مشيرا إلى أن سعر التجزئة (المستهلك) للكيس خلال ذات الفترة (7.500) ريال. وعلى النقيض من تقرير الوزارة أوضح عدد من التجار بالعاصمة صنعاء ل"الأهالي" أن سعر الكيس البرازيلي بلغ خلال الأسبوع الرابع من ديسمبر المنصرم (7.700) ريال، فيما تجاوز سعره في مناطق ريفية (9.000) ريال.. هذا التناقض يؤكد بوضوح غياب الرقابة الحكومية على الأسواق والتقصير في حماية المستهلك وضبط الأسعار. ورغم انخفاض سعر الدولار أمام العملة الوطنية خلال الفترة الماضية إلا أن الانخفاض المحدود في أسعار السكر لا يرقى إلى مستوى الانخفاض في سعر الدولار وفي أسعار السكر عالميا. ويرجع اقتصاديون الاختلافات والتناقضات في الأسعار التي يفترض أنها موحدة إلى جشع التجار والاحتكار القاتل للسوق من قبل كبار البيوت التجارية ذات النفوذ والقوة. يتحدث المستوردون عن ارتفاع أسعار السكر في السوق العالمية وارتفاع أسعار الدولار لتبرير ارتفاع الأسعار محليا، وعندما تنخفض الأسعار العالمية وينخفض سعر الدولار ويكون من صالح المستهلك المحلي الشراء بالسعر العالمي يصم التجار آذانهم ويغرقون في أطماع رفد أرصدتهم وتوسيع ثرائهم. وفي هذا الصدد يقول خبراء اقتصاديون إن اعتماد السعر العالمي للسكر سيكون في صالح المستهلك، لكنهم يشككون في ذات الوقت في قدرة الحكومة على كسر الاحتكار القائم. وفي مطلع يناير 2010م أحالت وزارة الصناعة والتجارة سبعة من تجار السكر المخالفين (لم تكشف هويتهم) إلى النيابة لاتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحقهم، بسبب عدم تقيدهم بقرار مجلس الوزراء الخاص بتنظيم الارتفاعات التي تشهدها الأسعار العالمية للمواد الغذائية الأساسية بما فيها مادة السكر. الوزارة حذرت يومئذ جميع التجار ومستوردي السكر من فرض أية زيادة على الأسعار، وأوضحت أن الارتفاعات في أسعار السكر "تتم بصورة غير منضبطة، مما ساهم والى حد كبير في المبالغة بأسعار السكر في السوق المحلي وعلى مستوى تجارة الاستيراد والجملة والتجزئة". المستهلك.. تحت رحمة المستورد ربما لا يعرف كثير أن بلادنا لا تنتج رقما يذكر من مادة السكر وأن اليمنيين يعتمدون على الخارج في الحصول على سلع تعد ضرورية، إنهم واقعون تحت رحمة عدد محدود من المستوردين ورحمة تقلبات بورصة الأسعار العالمية.. وربما لا يعرف صناع القرار في البرازيل والمزارعون أن دخول بلادهم في أي اضطرابات أو مخاطر أو تعرض المحصول لأية كوارث سيكتوي بنارها وبصورة مباشرة المواطن اليمني.