يعيش البرلمان اليمني منذ منتصف شهر مايو الماضي أزمة حادة وذلك بعد إعلان كتلة أحزاب اللقاء المشترك انسحابها من الجلسات بحجة مخالفة رئاسة البرلمان وكتلة حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح ويمتلك غالبية مقاعده بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية والتي نصت على ضرورة التوافق في القرارات بعيدا عن مفهوم الأغلبية والأقلية . وبدأت بوادر الأزمة داخل البرلمان في الجلسة التي عقدت في ال11 من شهر مايو الماضي إثر خلاف بين كتلة أحزاب المشترك التي ناصرت ثورة الشباب السلمية ضد نظام الرئيس السابق وكتلة حزب المؤتمر على قانون ينص على تعيين قيادات الجامعات اليمنية عبر الانتخابات وهو القانون الذي صوت نواب حزب المؤتمر ضد إقراره، وأعلنت أحزاب اللقاء المشترك حينها تعليق مشاركتها في جلسات البرلمان ,متهمة ما أسمتها عناصر التطرف المسكونة بالماضي في قيادة حزب المؤتمر وكتلته البرلمانية بالسعي إلى استغلال كل الوسائل والأساليب اللامشروعة في مناهضة التغيير وإفشال التسوية السياسية والنقل السلمي للسلطة. وأكدت أن استمرار انعقاد مجلس النواب بدون كتلة المشترك تفقده ومايصدر عنه أية مشروعية وفقا لمضامين التوافق الوطني التي نصت عليها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية الحاكمة خلال هذه المرحلة الانتقالية, ومنذ الأسبوع الماضي تضاعفت حدة الأزمة بعد قيام وزارة الشؤون القانونية اليمنية برفع مذكرة لرئيس الحكومة محمد سالم باسندوة والرئيس عبدربه منصور هادي تطعن في شرعية قرارات وافق عليها البرلمان في ظل غياب نواب أحزاب المشترك وعدد من المستقلين . ودفع هذا الإجراء كتلة حزب المؤتمر في البرلمان إلى استدعاء الدكتور محمد المخلافي وزير الشؤون القانونية لمساءلته غير أن الوزير المحسوب على أحزاب المشترك رفض استدعاء البرلمان بحجة أن جلساته غير شرعية وفي المقابل طالبت كتلة حزب المؤتمر التي تواصل عقد جلساتها منفرده مطلع الأسبوع الحالي بالتحقيق مع الوزير المخلافي وعدد من وزراء حكومة الوفاق رفضوا أيضا الحضور إلى البرلمان مهددة بالسعي إلى سحب الثقة عنهم. وحذر عدد من المسؤولين والسياسيين اليمنيين من أن تؤدي أزمة البرلمان إلى نسف التسوية السياسية القائمة في البلاد، وطالبت الدكتورة حورية مشهور وزيرة حقوق الانسان باليمن بضرورة حل البرلمان الحالي وقالت في تصريحات صحفية إن بقاء البرلمان بصيغته الحالية ربما يؤدي إلى أزمة قد تؤثر في مؤتمر الحوار الوطني الشامل وكذا التسوية السياسية القائمة في البلاد،ودعت إلى تبني بدائل أخرى بما في ذلك حل البرلمان وتكوين جمعية وطنية تأسيسية متوازنة تمثل فيها كل القوى الوطنية وتسعى لإيجاد حلول وطنية استراتيجية تنسجم مع استحقاقات التغيير المنشود . وأشارت إلى أن أهمية هذه الخطوة تكمن في الاحتياج لمرجعية تشريعية ورقابية لهذه المرحلة التي عجز فيه البرلمان عن القيام بهذا الدور المهم . وقالت إن البرلمان القائم بتركيبته الاجتماعية والسياسية كان أحد إفرازات المرحلة السابقة التي ساد فيها لون سياسي واحد وتم إقصاء القوى الوطنية الأخرى. ومن جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي محمد اللطيفي في تصريح لوكالة الأنباء القطرية إن الأزمة الحادة التي يعيشها البرلمان اليمني حاليا والخلاف بين كتل الأحزاب قد تمتد إلى حكومة الوفاق الوطني التي يتقاسم حقائبها حزب المؤتمر وحلفاؤه وأحزاب اللقاء المشترك وشركاؤها وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، مشيرا إلى أنه إذا امتدت جذورالأزمة إلى الحكومة فإن ذلك قد يؤدي إلى نسف التسوية السياسية القائمة في البلاد كون الحكومة تم تشكيلها وفقا لتلك التسوية كما اكد أن على كافة الأطراف العمل على تجاوز هذه الأزمة وهناك بنود واضحة في المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية تنص على أن تشمل عملية التوافق أيضا قرارات البرلمان وإلغاء شرط الأغلبية الذي كان سائدا قبل الثورة الشبابية والمبادرة الخليجية. وأبدى اللطيفي تخوفه مما وصفه بالصمت الرسمي تجاه أزمة البرلمان وقال لابد من أن تتدخل القيادة السياسية وأيضا رعاة المبادرة الخليجية لوضع حد للأزمة حتى لاتدفع بالوضع السياسي إلى مرحلة تكون أكثر تعقيدا. وبدأت يوم أمس بوادر تحرك دولي لإنهاء أزمة البرلمان اليمني ,حيث التقى السيد يحي علي الراعي رئيس البرلمان مع السيد عبد الرحيم صابر مستشار السيد جمال ابن عمر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، وأكد الراعي الذي تطالبه أحزاب المشترك بالاستقاله نظرا لانتهاء فترة رئاسته القانونية خلال اللقاء التزام البرلمان وتمسكه بنصوص وأحكام الدستور وقانون اللائحة الداخلية المنظمة لعمل المجلس وتكويناته المختلفة وكذلك بنود مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية المزمنة وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، منوها إلى أنه لا يوجد خلاف بالبرلمان على أي موضوع من المواضيع التي قال بأن البعض يدعيها خارج البرلمان في إشارة لأحزاب اللقاء المشترك، موضحا أن البرلمان قد عمل خلال الفترة الماضية كفريق عمل واحد وأنجز العديد من المهام محل اختصاصاته القانونية. وقال الراعي الذي يشغل أيضا منصب أمين عام مساعد لحزب المؤتمر إن أي افتعال لبعض القضايا خارج إطار البرلمان لا يخدم المصلحة الوطنية العليا ولا مصالح الشعب اليمني بل يعمل على تعطيلها. ويرى الدكتور سلطان العتواني القيادي في أحزاب اللقاء المشترك أن محاولة يحي الراعي للتقليل من أزمة البرلمان ومقاطعة كتلة أحزاب المشترك لجلساته أسلوب دأب عليه حزب المؤتمر منذ ما قبل الثورة الشبابية حتى أوصل الوضع السياسي في البلد إلى طريق مسدود. وقال في تصريح له مساء أمس إن حزب المؤتمر الشعبي العام ما يزال يختطف مجلسي النواب والشورى في تعارض فج مع بنود التسوية السياسية القائمة على الشراكة والتوافق . وأضاف إن المؤتمر يتعمد حرف هذه المؤسسات عن أداء مهامها المناطة بها وفقاً للمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية والإستمرار بإدارة هذه المؤسسات بنفس عقليات النظام السابق وآلياته والإستقواء بالأغلبية في محاولة مكشوفة لتعطيل الشرعية التوافقية وإجهاض العملية السياسية. ويعد البرلمان الحالي أطول البرلمانات عمراً في تاريخ اليمن الموحد، حيث انتخب في العام 2003 وكان من المفترض أن تنتهي ولايته عام 2009 لكن اتفاقاً سياسياً أفضى إلى تمديد أعماله لمدة عامين ومع اندلاع الثورة الشبابية الشعبية عام 2011 وتوقيع اتفاق نقل السلطة المتمثل بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية مُدد عمل البرلمان حتى نهاية الفترة الانتقالية في فبراير 2014 ، على أن تكون القرارات الصادرة عنه بالتوافق بين الأطراف السياسية وليس بالأغلبية العددية التي يمتلكها حزب الرئيس السابق. ومع تفاقم حدة الأزمة بين كتل الأحزاب السياسية التي وقعت على المبادرة الخليجية على أداء البرلمان وآلية عمله في الوقت الحالي يضع الكثير من المحللين والمراقبين للوضع في اليمن عدد من الاحتمالات أبرزها أن تؤدي هذه الأزمة إلى إنهيار التسوية السياسية، أو أن يتدخل الرئيس هادي ويعلن حل البرلمان الحالي وإنشاء هيئة وطنية متوازنة تمثل فيها كافة الأطراف والقوى السياسية لتكون مرجعية تشريعية لما تبقى من الفترة الانتقالية.