مثلت أحداث سبتمبر 2001 نقطة تحول في العلاقات الأمريكية تجاه المنطقة العربية، وخاصة بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي عبرت عن عدم ارتياحها من الوجود العسكري الأمريكي على أراضيها في شهر يناير 2002، مما دفع بالقوات الأمريكية لبحث بدائلها في المنطقة.[1] ومنذ ذلك الحين أخذت مراكز البحث الأمريكية تدعو إلى تبني إستراتيجية جديدة تتعامل مع المنطقة العربية من منظور الأمن القومي الأمريكي وتوظيف التعددية الإثنية والدينية والمذهبية في المنطقة لخدمة مصالحها، حيث صرحت إحدى الدراسات أن 61 بالمائة من سكان منطقة الخليج العربي البالغ عددهم 81,3 مليون نسمة هم من الشيعة (وهو مجموع سكان كل من: إيرانوالعراق ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية)، واستنتجت الدراسة أن التعاون معشيعة الخليج العربي وتمكينهم من تولي نظم الحكم والإدارة يصب في المصلحة الإستراتيجية للولايات المتحدةالأمريكية.[2] وفي غضون العقد الماضي؛ تأسست الإستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة الخليج العربي على مجموعة من المعطيات الخاطئة، ومن أبرزها: 1- يمثل الشيعة أغلبية سكانية في منطقة الخليج العربي. 2- يشكل التعاون بين المنظمات الشيعية وأمريكا في حكم العراق قاعدة لبناء تعاون أكبر يهدف إلى تنسيق المواقف وتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي. 3- على الرغم من وجود خلافات أساسية مع إيران حول برنامجها النووي؛ إلا أنه من الممكن التعاون معها في حماية مصالح الطرفين في الخليج العربي على نفس النسق الذي تعاونت فيه الدولتان في كل من العراق وأفغانستان. 4- يتمثل الخطر على المصالح الأمريكية بمنطقة الخليج العربي في ثلاثة عناصر هي: الجماعات "السنية" المتطرفة، والفكر الوهابي المتشدد، وأنظمة الحكم الملكي ذات الطابع الشمولي. وفي سعيهم للتماهي مع توجهات الإدارة الأمريكية؛ طرح الباحثون المقربون من دوائر اتخاذ القرار السياسي في واشنطن عدة مشاريع للمحافظة على مصالحهم في المنطقة من خلال تمكين المنظمات "الشيعية" من مؤسسات الإدارة والحكم، وذلك عبر محاولة فرض مشروع إصلاحي يعزز مبادئ:"تداول السلطة"، وضمان "الحريات العامة"، وتقليص صلاحيات الأسر الحاكمة في المنطقة. وتستعرض هذه الدراسة أبرز مراحل تطور الإستراتيجية الأمريكية تجاه إيران والجماعات المرتبطة بها في المنطقة منذ عام 2002 وحتى إعلان التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران في شهر يوليو 2015، ومن ثم تقدم بعض التوصيات للتعامل مع مخاطر هذه السياسة. * تطور العلاقة بين الإدارة الأمريكية والمنظمات الشيعية المرتبطة بإيران (2002-2009): مثّل مؤتمر لندن الذي نظمه زلماي خليل زاد في ديسمبر 2002 نقطة فارقة في التعاون الأمني والسياسي بين الإدارة الأمريكية والمعارضة العراقية المرتبطة بإيران متمثلة في: "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية"، و"حزب الدعوة"؛ ففي أعقاب ذلك المؤتمر عقد أقطاب المعارضة العراقية لقاءات عدة مع مسؤولين بالخارجية الأمريكية في شيكاغو، ومنذ ذلك الحين بدأت تترسخ العلاقة بين الزعامات الشيعة المرتبطة بإيران وأجهزة الاستخبارات الغربية في المراحل التمهيدية للإطاحة بنظام صدام حسين ومن ثم تمكينهم من تولي مؤسسات الحكم في العراق.[3] وشكل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 نقطة تحول في المنطقة العربية، حيث تم اعتماد نظام سياسي يقوم على تقسيم الحكم بين الأكراد والشيعة والسنة، وأصبح الانقسام العرقي والطائفي في المحافظاتالعراقية أمراً لا يمكن تجاهله على أرض الواقع. ومنذ ذلك الحين ارتبط المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط بترجيح كفة المنظمات الشيعية المرتبطة بإيران، والدعوة إلى زيادة تمثيلها في أنظمة الإدارة والحكم، وذلك بعد أن قام الأمريكان بالدور الأكبر في تدمير القدرات العسكرية العراقية والتي كانت تمثل آلة الردع في وجه إيران ومشروعها التوسعي. وفي المرحلة الممتدة ما بين عامي 2003 و2007 تبنت الإدارة الأمريكية سياسة "دعم الديمقراطية" في الشرق الأوسط باعتبارها أحد أهم ركائز أمنها القومي، وبادرت إلى تنفيذ دورات تدريبية ومحاضرات تثقيفية وجلسات حوارية تستهدف المعارضة الشيعية المرتبطة بإيران في دول الخليج العربية. وبعد خمس سنوات من النشاط المكثف لبرامج دعم الديمقراطية، لاحظ الباحث الأمريكي ماكسميلان أن الأحزاب السنية التي تعاملت بحذر وريبة مع هذه البرامج قد ضعف دورها، بينما انتعش نشاط المنظمات الشيعية التي تجاوبت مع برامج دعم الديمقراطية وكانت المستفيد الأكبر منها، حيث نظمت زيارات رسمية لزعماء الجماعات المتطرفة مع مسؤولين أمريكيين وأعضاء في الكونغرس، وتم ربطهم بالصحافة الغربية والمنظمات الحقوقية الرسمية والأهلية.[4] وبحلول عام 2007 تحدثت مجلة "ميدل إيست بوليسي" عن انتشار مشاعر القلق في البلدان العربية من تنامي الجماعات المتطرفة المتعاطفة مع إيران، وتردد الحديث عن خطورة المد الإيراني على لسان قادة كل من: الأردن، ومصر، والمملكة العربية السعودية، والبحرين، إلا أن الإدارة الأمريكية لم تأخذ هذه التحذيرات على محمل الجد، بل ادعت أن حكام الخليج "السنة" يبالغون في الحديث عن الخطر الإيراني دون وجود أي دليل على وجود خلايا إيرانية نشطة في بلادهم منذ منتصف التسعينيات![5] وفي الفترة التي كانت تواجه دول الخليج العربي تصعيداً من قبل إيران والمنظمات الشيعية المحلية، كانت العلاقات الأمريكية-الإيرانية تشهد تحسناً ملحوظاً؛ ففي الأشهر الأخيرة من رئاسته رفع جورج بوش مستوى العلاقة مع إيران عن طريق إجراء حوارات غير مباشرة، وعبّر أحمدي نجاد عن ترحيبه بالحوار مع الإدارة الأمريكية في شهر يوليو 2008.[6] وما لبثت صحيفة لوتون السويسرية أن كشفت عن تفاصيل اجتماعات سرية كان يقوم بها ممثلون عن حكومتي واشنطن وطهران في العاصمة السويسرية جنيف خلال الفترة 2003-2009، وذلك بهدف: "مد جسور غير رسمية للحوار بين إيران والولايات المتحدةالأمريكية،ضمن مبادرة يطلق عليها "تراك2" والتي تستلهم فكرها م