في مخيم "المنجورة" للنازحين من المناطق الحدودية، الوجوه تشبه بعضها البعض، حزينة، هزيلة، شاحبة.. ويروي أصحابها قصصاً لا تصدق عن الجوع والحرمان والخوف على مدى أكثر من سبعة أشهر عاشوها هنا. في ساحة المخيم المترامي الأطراف الواقع بمنطقة "بني حسن"، شمال مديرية "عبس" بمحافظة حجّة، إتكأ أبو علي (52 عاما) على فراش ملقى أرضاً، وإلى جانبه عصا خشبية، متحدثاً لنا بمرارة: " أستيقظ صباح كل يوم مع إبني ونذهب لسوق "بني حسن"علّنا نجد أي شيء نسد به جوعنا". وأضاف الرجل الذي يرتدي الزي التهامي، ووضع على رأسه شالاً أبيض، بصوت مخنوق من شدة التأثر: "كنت أعمل في حرض وأؤمن القوت لأولادي. أما الآن.."، ويتوقف عن الكلام ليمسح عينيه اللتان احمرتا واغرورقتا بالدموع. هرب "أبو علي" من منطقة "المزرق"، شرق مديرية حرض، والتي تتعرض بشكل شبه يومي لغارات الطيران والقصف الجوي والمدفعي المكثف، حيث أصبحت أشبه بمنطقة عسكرية مغلقة بعد أن نزح سكانها جنوباً للمديريات المجاورة بحثاً عن الأمان. أكواخٌ صغيرة غير صالحة للسكن تعيش فيها أسرٌ بعضها تتكون من 10 أفراد يعيشون في كوخ صنعُ من أغصان الشجر وبقايا الحبال أو خيمة مهترئه، دخلنا إحداها فوجدنا فيها ثلاثة وأمهم، كان الأطفال يأكلون من قدرٍ شبه فارغ عدا بعض الأرز الأبيض في قعره، كان المكان غير ملائم لسكن البشر، إطلاقاً. في زاوية أخرى من المخيم، تجلس أم حنان (35 عاماً) على فراش صغير في خيمة مهترئة وهي تحضن طفلتها ( 5 أعوام)، وتقول بحسرة: "تركنا منازلنا بما فيها خوفاً من القصف وإلا كنا سنتعرض للموت، على أية حال، أولادنا يموتون هنا أيضاً من الجوع والبرد". وكانت "أم حنان"، وهي أم لطفلين، تقيم في بلدة "ميدي" الساحلية غربي "حرض" مع زوجها الذي كان يعمل صياداً ويجلب لهم كل يوم السمك الطازج والخضروات والفواكة حيث كانوا في نعيم حد قولها. ويروي "سالم"، القادم من مدينة حرض، وهو يهز رأسه بأسى قائلا: "بعنا كل مانملك حتى نقتات هنا"، لم يتبق لدينا أي شي، لذا أعمل كل يوم في جمع الحطب وتقطيعه وبيعه كي أوفر قيمة وجبة لأسرتي التي تتكون من 5 أفراد. ويتحدث "صالح" الذي كان يعمل صيدلانياً في مدينة "حرض" عن أمراض عدة إنتشرت في المخيم أهمها الملاريا وسوء التغذية والجرب والإسهالات مناشداً الجهات الصحية والمنظمات إلى الإلتفات لهم والنظر لأوضاعهم المأساوية. وحذرت منظمة "أطباء بلا حدود" غير الحكومية، الأسبوع الماضي، من أن "الوضع الصحي في اليمن وظروف الحياة عموماً قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء". ويقول مصطفى (50عاماً) الذي بدا جسده نحيلاً جداً تحت ثوبه الأبيض، إنه فقد نحو 20 كيلوغراماً من وزنه خلال 7 أشهر قضاها في هذا المخيم. ويضيف الرجل الذي كان يعمل جزاراً ويبيع اللحم في سوق مدينة حرض متحسراً: "بعد أن كنت قادراً على تعليق خروف يزن 50 كيلوجراماً بمفردي، لم أعد أقوى على حمل أي شيء". من جهته يقول "أبو أحمد"، "نعيش في هذا المخيم أوضاعاً صعبةً جداًمنذ نحو 7 أشهر، "لم نتلقّ مساعدات لا من المنظمات الإنسانية ولا من الحكومة، الا كيس قمح ودبة زيت كل شهرين، أغلبنا نازحون منذ الحرب السادسة في صعدة وكنا في مخيم المزرق بحرض، بعد قصف المخيم وموت العشرات هربنا لهذا المكان، هربنا خوفاً من الموت وهانحن نواجه مع أطفالنا موتاً من نوع آخر.. وهو الجوع". بالإضافة إلى الجوع والمرض، خسر عدد كبير من سكان مدينتي حرض وميدي منازلهم وممتلكاتهم. فقد أدى القصف المستمر والمعارك المحتدمة هناك إلى تدمير الكثير من المنازل والفنادق والمحلات التجارية، كما اضطر السكان إلى ترك كل ما يملكونه لدى مغادرة منازلهم التي تعرضت إلى النهب والسرقة. ويتحسر "الحاج أبو ناصر" الذي كان يعيل 20 فرداً على ما وصل إليه: "كانت حالتي المادية ممتازة، لكنني الآن لم أعد أملك شيئاً، تهدم منزلي ومحلي وتبخّر كل ما جنيته في حياتي". ويضيف هذا الستيني الذي كان يملك متجراً لبيع مواد البناء والسباكة في سوق المزرق على خط حرض- صعدة قائلاً: "ضاع مني كل شي، ضاع جهد العمر والسنين، لم أحمل معي سوى الوثائق العائلية". في الوقت الحالي، لا يفكر النازحون من جحيم الحرب في المناطق الحدودية كثيراً بالمستقبل، وتقول "أم حنان": "كل ما يهمنا حالياً هو الحصول على هذا"، مشيرة بيدها إلى كيس من الخبز.