- وزارتا الوجيه وقحطان تستقبلان المنكوبين بكتائب من النصّابين والمبتزين - جنود سعوديون يرفضون الإفراج عن يمنيين في "الطوال" بسبب كاميرا "المنتصف" حرض/ الطوال - المنتصف - نايف رحمة: بعد فراق طويل للأهل والوطن، ها نحن نغادر الأراضي السعودية.. والشوق والاعتزاز يغمرنا، غير مكترثين بتشدد الحكومة السعودية ومراقبيها حيالنا. الفرحة العارمة تنسينا معاناة الغربة وسياط التسلُّط والقمع والتمييز الممنهج تجاهنا نحن المغتربين اليمنيين. لكن ما إنْ تطأ أقدامنا منفذ الطوال اليمني، نشعر بالإحباط والتعاسة حين نرى وجوه مسئولينا التعيسة؛ تزداد معاناتنا وتتراكم مآسينا، نغيب سنوات ونعود إلى أرض الوطن والوضع يزداد سواءً.. تجاهلوا مآسينا في منافي الغربة، عاثوا فساداً في بلد لم يعد يسعهم لوحدهم.. هذا ما قاله محمد المحبشي، أحد المغتربين اليمنيين العائدين إلى أرض الوطن، عندما التقيته في منفذ الطوال البري بمديرية حرض. يهينون اليمنيين السابعة مساءً، وأنا في البوابة الخارجية لمنفذ الطوال البري أٌتابع، عن قرب، مآسي المغتربين اليمنيين منتظراً الإذن بالسماح لي بعبور البوابة الخارجية باتجاه المكاتب والبوابة الداخلية والحد الفاصل بين المنفذين: اليمني والسعودي، بعد يوم طويل من السفر للوقوف عن قرب على وضع المغتربين اليمنيين، إلاّ أن أفراد حراسة البوابة أبلغوني برفض مسئولي المنفذ السماح لي بالدخول، وأن عليّ أن أتقدم بطلب رسمي إلى مسئولي المنفذ في صباح اليوم الثاني. لم أجد بُدّاً من مغادرة بوابة المنفذ والعودة إلى الفندق والبحث عن وسيلة أٌخرى لعبور البوابة بعد أن لمست شيئاً من الارتباك الذي حصل عقب معرفة المسئولين هناك بوجود صحفي يريد الدخول إلى المنفذ. صاحب تاكسي الأجرة الذي أوصلني إلى الفندق ويعمل في نقل الركاب من المنفذ إلى مركز مديرية حرض، سألته عن المغتربين اليمنيين. أجاب، بلكنته التهامية: (والله يهينون أميمنيين في السعودية)، مؤكداً أنه وصل إلى المنفذ في ذلك اليوم 10 باصات محمَّلة بالمرحَّلين من السعودية يحمل كل باص 50 - 57 مرحَّلاً. متسللاً في بلدي! في اليوم التالي عاودت الدخول إلى المنفذ بعد أن تلقيت الإرشادات بكيفية العبور إلى فنائه، سبق ذلك تواصل مع سكرتير مدير الجوازات في منفذ الطوال البري فيصل الحارثي مساء اليوم الأول الذي بدا من خلال تواصلنا معه عبر الهاتف متفهماً، وطلب منّا كتابة الأسئلة والاستفسارات التي نريد الإجابة عليها من مدير الجوازات ليقوم بالرد عليها. حاولنا لقاء المدير لكنه اعتذر قائلاً إنه سيجيب على أسئلتنا. وطلب منا ترك الأسئلة في مكتبة الحكمة لبيع الصحف والمجلات.. تفهم مهمتنا وقدّم لنا أرقام المسئولين هناك، فله منّا كل الشكر والتقدير. بينما كنت متوجّهاً إلى منفذ الطوال، التقيت أحد موظفي الجمارك الذي تعرَّفت عليه في سيارة الأجرة ونصحني بعبور بوابة المنفذ دون أن يحس بي حراسة البوابة حتى أرى، حد وصفه، الانتهاكات التي يتعرَّض لها اليمنيون العائدون من أرض الغربة لأتمكن من التحرُّك بسهولة ويسر، وعرض عليَّ أخذ الكاميرا والمسجِّلة؛ كونه موظفاً لا يخضع للتفتيش. نصحني أن أبلغ حراس الأمن بأني أريد مقابلة صديق سعودي ينتظرني في البوابة الداخلية في حال طلبوا مني جواز السفر.. بعدها تجاوزنا البوابة التي بدت لنا كعبور بوابة برلين أمام الفاتحين! شعور بالانتقام! من النظرة الأولى للمرحَّلين اليمنيين، انتابني شعور بالنقمة حيال الأشقاء وتفننهم في الجور والتسلّط حيال إخوانهم اليمنيين. لقد أحالوهم إلى أجساد منهكة ووجوه قاحلة.. قصدت أحد باصات النقل الجماعي، كان الصمت يخيّم على الركاب المرحَّلين.. لا أدري هل يستعذبون الصمت أم يستمرئونه..؟! أخبرتهم أني قدمت إلى المنفذ لعمل تحقيق صحفي عن أوضاعهم وما يتعرَّضون له في أرض الغربة، فانتفضوا جميعاً: الأول يحكي قصته، والثاني يسرد مصيبته، والآخر يروي معاناة اليمنيين. أحرق الإقامة وسلَّم نفسه قايد عبده صالح، كان يعمل في منطقة "أبهى" منذ سنة و8 أشهر ولم يستطع توفير حق الكفيل، ففضَّل إحراق إقامته والتعرُّض لإحدى دوريات الشرطة لتقوم بترحيله، ويضيف قائد: كنا ندفع في السابق 3500 ريال سعودي، حق إقامة وحق الكفيل، الآن يمارسون ضغوطات على اليمنيين لمغادرة الأراضي السعودية من خلال رفع تكاليف الإقامة ومستحقات الكفيل، ومكتب العمل وصلت إلى 10 آلاف ريال سعودي، إضافة إلى تأمين صحي. أحمد العشيري، في العقد الرابع من عمره، قال إنه غادر الأراضي السعودية بعد أن تعرّض هو والكثير من المغتربين للاستفزازات السعودية والمضايقات. ويروي العشيري قصة قال إنها استفزته بشكل لم يعد بعدها قادراً على البقاء في السعودية مهما كانت العواقب. حيث إنه في الأسبوع الماضي كان يعمل في مشروع تابع للحكومة السعودية في "النماص" بجدة، وهجمت الشرطة والجوازات منتصف الليل على عُزَب المقيمين وسألوا الحارس عن عُزَب اليمنيين، فدلّهم عليها. ويضيف: "أخذونا من بين الباكستانيين والمصريين وقالوا هوياتكم وأعطيناهم الهويات والإقامات، ومع ذلك أصروا أن يأخذونا معهم إلى قسم الشرطة وحققوا مع البعض منّا بطريقة مهينة وأسلوب استفزازي، ثم أعادونا إلى العُزَب قرب الفجر"، يقول أحمد إنه قرّر بعدها مغادرة الأراضي السعودية. مضايقات.. ومداهمات ليلية جمال محمد الهجري، مقيم في المنطقة الشرقية: قال إن المشكلة تكمن في أن المقيم اليمني لابد أن يكون معه كفيل، والكفيل لايوجد معه عمل، وفي نهاية السنة يطلب الكفيل من المقيم ما بين (12 - 15) ألف ريال سعودي، وإذا رفض يتم ترحيله إضافة إلى مضايقات ومداهمات ليلية من قبل الشرطة، وإذا لم تكن في المنطقة التي كفيلك منها يقومون بترحيلك، مشيراً إلى أن هذه الممارسات بدأت في الأسابيع الأخيرة. وعلى مقربة من المنفذ السعودي وصلت عربات نقل سعودية وهي مكتظة بالبشر التقطت لها بعض الصور، حينها حاول جندي حرس الحدود السعودي المرافق للعربة إثنائي عن مهمتي، لكني أكدت له أني على الأراضي اليمنية، لذلك لا جدوى من إصدار الأوامر. تقدَّم حرَّاس المنفذ اليمني وطلبوا منهم إفراغ الحمولة، لكن السائق السعودي ومرافقه أكدا للحراسة اليمنية أنهما لا يستطيعان إفراغ الحمولة مع وجود كاميرات التصوير. وبعد أن عجزا عن إقناع الحراسة اليمنية بإخراجي من المنفذ، اتفقوا أن ينقلوا المرحلين إلى بوابة المنفذ الخارجية حيث لا وجود لكاميرات التصوير التي تعرِّي إنسانيتهم. "الطوال".. وجه اليمن التعيس! أفواجاً يتدفق المغتربون إلى الأراضي اليمنية ولاشيء نقدمه لهم في منافذنا للتخفيف من معاناتهم سوى كثير من الابتزاز، وكتائب من النصَّابين والنشَّالين يعج بها المنفذ الذي يفتقر لأبسط مقومات العمل كمنفذ بري يرسم للقادم، ولو من باب التزلُّف، صورة تليق باليمن السعيد. ما إنْ تدلف منفذ الطوال اليمني إلاّ وينتابك شعور بالإحباط والتعاسة، حين ترى وجه اليمن التعيس ماثلاً أمامك في منفذ الطوال. وحدها المباني السعودية التي سُلِّمت لليمن بناءً على اتفاق جدة تستخدم كمبانٍ للجوازات اليمنية وصالة الانتظار تضفي نوعاً من وجود بلد اسمه اليمن. أما مباني المنفذ الآخر فهي من الصفيح والألواح الخشبية والكراتين في حالة يُرثى لها: الأبواب والنوافذ مكسّرة.. دورات المياه غير صالحة للاستخدام.. الممرات مليئة بالأوساخ والقمامة..!! أما رجال الأمن والجيش وحرس الحدود منهم من لباسه مدني والبعض الآخر عسكري، منهم من يحمل السلاح ومنهم من يحمل العصي وفيهم ضباط تراهم يمضغون القات في جانب المنفذ الذي تحوَّل إلى سوق سوداء يأتونك من كل ناحية، صرّافين ونشَّالين ومبتزين في آنٍ واحد.. مجموعة من المحاور السطحية كنا حاولنا إغراء مدير جوازات الطوال بالإجابة عنها كمدخل في الرد على ما شاهدناه وأشرنا إليه سابقاً كواقع ملموس، ورغبة في الحصول على أرقام عدد المرحّلين عبر منفذ الطوال، لكنه يدرك عظم حالة الانفلات والتسيُّب والابتذال التي يزخر بها مكتبه الحافل بكل منفّرات السفر، لذلك تهرَّب وماطل.. وفي الأخير أغلق هاتفه. فساد منظَّم.. غادرنا فرع وزارة الوزير قحطان، وتوجّهنا إلى مكتب جمارك منفذ علب. سألنا عن المدير، قالوا مسافر، وعن النائب.. قالوا مُخزّن..!! علي قاسم درويش، أحد المغتربين قال: "بعد تخليص جوازك والانتهاء من الروتين تذهب للجمرك وتفرش أمتعتك على الرصيف للتفتيش، حينها يأتيك مسئولو الجمرك، منهم من يحثّك على مخارجة نفسك حتى وإن لم يكن عندك ما يستحق الدفع ولن يتركك مسئولو الجمرك وموظفوه حتى يأخذوا حقهم بعد كل هذه المعاناة والمشاهد التي تضيف إلى معاناة المغتربين كمّاً إضافياً من العذاب". رفيقي في رحلة التنقُّل بين مرافق منفذ الطوال هو أحد متعاقدي الجمارك، أكد على وجود فساد منظَّم استشرى في أروقة المنفذ بتواطؤ كبار المسئولين في صنعاء، لاسيما في وزارتي الداخلية والمالية.. يقول: إذا الشحنة، مثلاً، عليها (200,000) ريال يمني جمارك يتم دفع (150,000) ريال، ويسجّلون في المستندات (100,000) ريال أو أقل، فقط هذا كنموذج. يمكن تصنيف العمالة اليمنية في السعودية إلى صنفين: الأول العمالة التي دخلت بطريقة رسمية وتحمل الإقامات، والأخرى التي تسللت بطريقة غير شرعية عبر حدود البلدين. الصنف الأول، مشكلتهم تكمن في قيام المواطنين السعوديين ببيع الفيزا من العمالة اليمنية مقابل مبالغ مالية ما بين ال(12- 15) ألف ريال سعودي كقيمة الفيزا يتبعها التزام من قبل المغترب اليمني بدفع مبلغ للكفيل هو (8500) ريال سعودي نهاية كل عام. هذه الطريقة لا تطبق على العمالات الأخرى المقيمة في المملكة العربية السعودية كون دخولهم للعمل في السعودية يأتي عن طريق مؤسسة وشركات سعودية تتقدم إلى مكاتب العمل الموجودة في البلدان العربية وغيرها تطلب عمالة ذات مواصفات مهنية محددة حسب احتياج مقدم للطلب وبمرتب محدد يتم الاتفاق عليه مسبقاً. الإجراءات التي قامت بها وزارة العمل السعودية، مؤخراً، ضاعفت من معاناة المقيم اليمني وتمثلت في التزامات مالية تبلغ 3500 ريال سعودي على كل مقيم داخل الأراضي السعودية لمكاتب العمل وإقامات وتأمين صحي واجتماعي إضافة إلى منع العمل مع غير الكفيل خلافاً للسابق. الصنف الآخر من العمالة اليمنية وهي التي تسللت للأراضي السعودية عبر الحدود اليمنية، حيث كان الكثير من اليمنيين يعملون داخل المملكة بطريقة غير رسمية وكان هناك تعاون من قِبل المواطنين السعوديين وبتسهيلات من أجهزة الأمن السعودي بالسماح لهم بالعمل، إلا أن الإجراءات الأخيرة حرمت العمالة اليمنية غير الشرعية من العمل داخل الأراضي السعودية لأسباب يعلمها الأشقاء وحدهم. * صحيفة المنتصف - العدد (39), 8 / 4 / 2014