المبررات التي قدمها النظام السعودي لهجومه العسكري على اليمن، لم تكن كافية ولا مقنعة، فضلا عن كون هذا العدوان جاء ضد دولة عربية، استبق عن عمد وتقصد انعقاد القمة العربية بيومين، كأنما أراد أصحابه وضع القادة أمام الأمر الواقع، ما أعدم هذا الهجوم العسكري كل أوجه الشرعية سواء على المستوى العربي أوالدولي، دون أن نشير للوجه الثاني الذي يحمله هذا الاستباق، من استخفاف وإهانة بالغة برأي القادة العرب؛ فمن المفارقات أن يأخذ علما بهذا الهجوم السيد رجب طيب أردوغان بثلاثة أيام قبل بدئه، في حين كما ورد في صحيفة الشروق المصرية، أن السيد عبد الفتاح السيسي لم يحط بشأنها إلا ساعات قبل انطلاقها، وأما البقية من القيادات فأغلبها علم بالهجوم من الفضائيات، مثلهم مثل العوام وسواد الناس، وتُمعن القيادة السعودية في الإهانة بعد هذا الموقف، حين تأمر ولا نقول تطلب، من الرؤساء العرب مساندة هذا الهجوم المسمى “عاصفة الحزم”، مستعرضة عضلات القوة، المتمثلة في الدعم الأمريكي، غير عابئة بوجود مبعوث الأممالمتحدة في اليمن السيد جمال بنعمر، ولا بموقفه الذي كان يؤكد ساعة العدوان أن الحوار بين مكونات الشعب اليمني قائم ومستمر؛ وإن وجدت القيادة السعودية نفسها في مأزق بالغ الحرج، حين اصطدمت بالرفض القاطع من الجزائروالعراق، وتحفظ قادة عشر دول عربية أخرى، فقد استخلصت بعد ضغط كثيف بيانا فضفاضا نصُّه، وظفته لصبغ الشرعية المتأخرة على خطوتها العدوانية؛ مع أن نصه واضح جدا “دعم الشرعية في اليمن” وليس دعم العدوان على اليمن، ولم يتطرق البيان لأدوات الدعم المشروعة؛ وسارعت به لهيئة الأممالمتحدة ومجلس الأمن، في نسخة من التغابي مكررة لمسعى السيسي حين قام بقصف ليبيا، وكليهما لم يستوعب على ما يبدو-مع الأسف الشديد- الأدوات الفعلية والآليات القانونية ذات الصلة لاستصدار قرارات من الهيئة الأممية، ولا المعاهدات والاتفاقات التي تسندها؛ وللأمانة والموضوعية، فهذا السلوك ليس سابقة نتهم بها القيادتين المصرية والسعودية بعدها، ذلك أن الولاياتالمتحدة ذاتها كانت سبّاقة للخروج عن القوانين الدولية، ووطأت بنعلها العسكري هيئة الأممالمتحدة ومجلس الأمن، حين قررت عدوانها على العراق واحتلاله، وإن كان تفسير حالة طغيان الولاياتالمتحدة، هوشعورها بالقوة المفرطة بل المتورمة، ما اعتبرتها عاملا مُشرّعا لكل ما تريد فعله، فالحالتين العربيتين هنا لا تختلفان عنها في شيء إذا وضعنا القياس النسبي، بمعنى أن ليبيا واليمن هما الآن في حالة من العجز، حتى لا نقول الفشل التام مثلما كان العراق 2003 بمواجهة أمريكا، يقابلهما مصر والسعودية في حالة تورم شديدة للقوة العسكرية، التي تستعرض عضلاتها على غزة المحاصرة، أوليبيا الممزقة أواليمن المُعدم؛ وفق ما تعتقدان أنه يتهدد مصالحهما وأمنهما القومي، دون الشعور بالحاجة لاستشارة أحد فضلا عن طلب الموافقة منه؛ طبعا لا ننتظر بل لا نتوهم فرك هذه العضلات أمام العدوالإسرائيلي، حتى وإن ارتكب جرائم ضد الإنسانية، وهدد بشكل مباشر حدود تلكم الدول العربية. وبمحصلة هذه النقطة لم يبقى للسعودية وحلفها غير ورقة التوت اليابسة، ترفع لتبرير شرعية العدوان، كما جاء أمس على لسان مندوبها الدائم في الأممالمتحدة السفير عبد الله المعلمي ” لا لبس على شرعية عاصفة الحزم، لأنها جاءت استجابة لدعوة الرئيس الشرعي اليمني وهذا يكفي لاعتبارها شرعية”. ثم القول بأن حركة (الحوثيين) تشكل خطرا ليس فقط على السعودية ودول الخليج، وإنما على الأمن القومي العربي كله، يجعلنا إذا سلمنا بصحة هذا الزعم نتساءل: بما أن القيادة السعودية وشقيقاتها في الجزيرة العربية، ومن تبعها كمصر والأردن والمغرب والسودان وهم إخوة غير أشقاء، رأوا الأمر يتعلق بالأمن القومي العربي كلّه، فلماذا لم يطرحوه على جميع القادة العرب قبل العدوان؟ أليس من حق بقية الحكام، وهم الأغلبية من الناحية العددية، أن يتأملوا ويدرسوا تقدير الموقف على أمن بلدانهم المفترض؟ الأمر ليس لعبا، إنها حرب طاحنة على شعب عربي شقيق، وعلى بلد سجل التاريخ البشري أنه كان رحم العنصر العربي الذي ينتشر في العالم، والأب الجيني لكل فروع العرب بطونا وأفخاذا. وليس كما طرح أحد الخبراء الاستراتيجيين السعوديين، زاعما بأن الشعب اليمني جزء من الشعب السعودي، فهذه نظرية بديعة حقا، يبدوأن الإخوة تلقوا تعليما مقلوبا للتاريخ، ومعادلات عكسية لعقارب الزمن. ونعود للمفردات والشعارات التي تضخها القوى الخليجية ولا أقول التحالف العربي، ذلك أن الأحقية للصفة الغالبة على نعت الموصوف، وبما أن أغلبية الدول العربية نأت بنفسها عن دعمه، ولم ينخرط فيه سوى ثلث الدول العربية أغلبها خليجية (هذا الوصف خليجية هومن إبداع ذات الأنظمة لتميز نفسها عن بقية العرب وهوالغالب عددا على التحالف)، وصفه بالتحالف العربي يُعدُّ تجنيّا، بل محاولة مفضوحة لتعميم الصفة بغير وجه حق؛ ولا يمكن كذلك اعتباره تحالفا إسلاميا، والحال أن أغلب الدول الإسلامية الخمسة والثلاثين غير العربية، لم تعلن بشكل رسمي وواضح دعمها له، باستثناء تركيا وباكستان، ولم ينعقد مؤتمر طارئ أو عادي لمنظمة مؤتمر العالم الإسلامي وأعلن دعمه لهذا العدوان، ولست أدري كيف يتأتى لبعض المفكرين والمثقفين وصفه بالتحالف العربي والإسلامي؛ أما وصفه بالتحالف السنّي كما ورد على لسان شخصية تتبوء منصبا رسميا في إحدى الدول الخليجية، وأعلنه إمام أرفع منبر في أعظم مكان مقدس للأمة الإسلامية، فهوضرب من الدجل الصراح، وإضفاء هذه الصفة على ذلكم التحالف لا يزيد عن كونه بهتانا بيّنا، لا تخطئه فطنة عاقل، ويعد سلاحا في غير موضعه، بعد سرقته في رابعة النهار. الحوثيون والشيعة والتمدد الإيراني والخطر الصفوي والأقلية التي تسعى للانفراد بالسلطة، هذه أهم وأخطر المفردات التي يعتمدها خطاب دول التحالف في العدوان على اليمن، وهي بالمناسبة ذاتها عند بداية الأزمة السورية، لتبرير التدخل والتدمير الوحشي الهمجي فضلا عن جرائم التقتيل، حينها كنا نسمع الأقلية العلوية والتمدد الشيعي والتوسع الإيراني وغيرها؛ والواقع أن هذه المفردات والعبارات لا تدخل بالمرة في قواميس العلاقات الدولية، وليس لها مكان للتداول بين صنّاع القرار على مستوى القيادات، لسبب بسيط وهوعلمهم وخبرتهم بأن العلاقات الدولية لا تبنى على هذه المفردات ومعانيها وإنما على المصالح؛ كما أن هذه المفردات هي مفاتيح الشرور، يعلم الساسة أنها توقظ وحش غرائز العامة، وتوجه سواد الناس خاصة منها الدهماء والتحوت كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوظفها الساسة بشكل إجرامي لبلوغ أهداف محددة سلفا، ويعلم مستخدمي هذه المفردات العرقية والطائفية والمذهبية وما شاكلها، أنها تستفز تلكم الكتل البشرية الهائلة، وهوالأمر الحاصل ونراه بأم أعيننا، وتصوب نحوالمقاصل أحيانا والمحارق خدمة لمصلحة ذلك النظام، أوهجوما على نظام آخر؛ وإلا فكل متأمل يدرك في هذا المقام مثلا، أن إيران أنفع لها تشيّع أهل السنةّ بين ظهرانيها، من تشيع جماعة في سورية أواليمنأوالجزائر، وإن كانت تعمل على التمدد أوخلق الفوضى في اليمن، كما يسوق القوم، أليس بمقدورها إذن أن تفعل ذلك في السعودية وثلث شعبها في الشرق منها شيعة، لما لم تحركهم وتخلق الفوضى في السعودية؟ وفي البلد الغني كالكويت قرابة نصف سكانه شيعة، لما لم تفعل إيران ما تتهم به في اليمن البائس التعيس؟ لا يجد القوم جوابا لأنه ببساطة هذا الادعاء مجرد أداة افتراء، يسوق العامة نحوأهداف لا يمكنني وصفها إلا بالإجرامية؛ وهنا أذكر أن أستاذا جامعيا جاءني، يتقلب لون وجهه غضبا من موقفي، مستدلا بالخطر الشيعي الداهم على الشعب الجزائري، وعلامته أن مصالح الأمن أخبرته وفق روايته، بأنها أحصت تشيع 500 مواطن؛ ولم يسكت الرجل من صراخه تماما كما تشاهدون في بعض الفضائيات، إلا عندما أجبته بصوت هادئ قائلا: ألم تخبرك مصالح الأمن هذه بحقيقة أخرى؟ وهي تنصُّر 40 ضعف هذا العدد، لم نرى غضبتكم هذه وفزعكم المتفلت هذا؟ لست هنا أشجع على التشيع ولا التسنّن بمفهومها الطائفي المقيت، الذي يُحشى بشكل قسري في عقول الناس، وإنما أكشف حقيقة الجهل من ناحية، وغياب الوعي والتعقل وانعدام قيام موازين واحدة لا مزدوجة عند الادعاء. أخيرا وليس آخرا، يعتبر البعض من المفكرين والكتاب في المشرق وكذلكم في المغرب، أن ما قامت به السعودية قرارا مستقلا، وقد يكون هذا في جزء منه صحيحا بتحفظ شديد، لكن أن يعتبر ردا على سياسة الولاياتالمتحدة، فهذا ما لا يستقيم مع الواقع أصلا، ولن أستدل لدحض هذا الرأي إلا بما جاء على لسان مسؤول سعودي، فالملاحظ أولا أن إعلان هذا العدوان جاء من واشنطن وليس من الرياض، ولا أدري كيف يتوهم عاقل، أن الشجاعة والاستقلالية والقوة نزلت في ساعة واحدة على القيادة السعودية ليس فقط لاتخاذ قرار مستقل عن الولاياتالمتحدة، بل وأن تعلن الصفعة مدوية من عقر دارها واشنطن في تحد غير مسبوق !!! لكن أعود لما قاله السفير السعودي نفسه عادل الجبير في 2015/03/30 يعني أربعة أيام فقط بعد بداية العدوان، في تصريح له بواشنطن كذلك طبعا انقله حرفيا:” ما يجري في اليمن (يعني عاصفة الجرم) كان بتنسيق وتخطيط منذ أشهر مع الولاياتالمتحدة”، والكل يعلم عندما يشغل عقله ليفهم، بأن الأمر إذا لا يتعلق بالحوثيين ولا بتمددهم ولا بشرعية هادي ولا بكل الكلام الذي يجتره أغلب الإعلام العربي، ويعتمده أكثر المفكرين وصناع الرأي. فقبل أشهر حيث كانت السعودية والولاياتالمتحدة تنسقان وتخططان لعاصفة الحزم، وفق تصريح السفير السعودي نفسه، كانت الشرعية (الشماعة الآن) قائمة والحوار متواصل على قدم وساق، وصنعاء غير محتلة أصلا كما يصف هذا الطرف، فما الداعي للتخطيط حينها والتنسيق لحرب ضد اليمن؟ وكيف لعاقل بعد تصريح السفير السعودي، أن يعتبر هذا العدوان صفعة موجهة للولايات المتحدة؟. ختاما نقف على تحفة المتناقضات ألا وهي الرد على تقارير الأممالمتحدة ومنظمات حقوق الإنسان فضلا عن التقارير الميدانية لمحطتي الميادين وBBCعربي، التي تؤكد سقوط أعداد بالمئات من المدنيين، من بينهم نسبة تقارب 30% أطفالا، وقصف أحياء مدنية وأسواق ومدارس ومنشآت ومطارات مدنية وموانئ تجارية؛ يقول الناطق باسم عاصفة الحزم والتحالف أحمد عسيري واثقا من نفسه: أن قوات علي عبد الله صالح وميلشيات الحوثيين المتمردين عن الشرعية، حين عجزوا عن صد عاصفة الجرم، قاموا بقتل أبنائهم ونسائهم وقصف ما سبق ذكره، ليتهموا قوات التحالف بهذه الجرائم. هل يبدوهذا التفسير جديدا؟ لا، فهوبعينه ونصه الذي سمعناه من ذات الأطراف بداية الأزمة السورية، النظام يقتل الأطفال وحتى بعض جنوده، ثم يقوم بتصويرهم لتشويه الثورة الشرعية المدعومة من هؤلاء، وقبله سمعناه من العدوالإسرائيلي لكن ليس بهذه الدرجة من الغباء، إذ اعترف ضمنا بإصابة المدنيين، معللا ذلك بتمترس فصائل المقاومة والمجاهدين الفلسطينيين بالمدنيين، بالمناسبة هذه القاعدة استعملها كذلك الناطق العسكري باسم التحالف الخليجي. حالات التناقض الصارخ لا تكاد تعد أوتحصى، وتذكرني بعبارة للإخوة المصريين غاية في العذوبة أمام المواقف السريالية التي يشبه معرض صورها لحالات الهذيان والخرف، تقول: اديني (امنحني) عقلك وافهم أنت. ismaeel-alqasimy-new.jpg555 * فلاح جزائري (رأي اليوم)