حادثة مسجد الكويت وقبلها المملكة العربية السعودية، وما يحدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن، كلها حلقة واحدة، تهدف إلى تحقيق الفرقة بين أبناء الأمة الإسلامية، لكن الحوادث التي نُفِّذت في دول المجلس خلال الأسابيع الماضية تحمل جملةً من الأهداف، ولعلّ أولها أن القيام بخطوة انتحارية من إنسان يُفترض أنه مسلم يعني أنّ غسل الأدمغة وصل ما وصل إليه من تردّ. وثانياً أن المراجع الدينية التي يتدارسها البعض قد أوصلت العديد من شبابنا إلى جبهات قتال لا طائل منها بحُجّة الجهاد، وذهب البعض منهم إلى الحرق والتمثيل والقتل المفجع والإغراق، وإلى أبعد من ذلك، وهذا يعني أن هذا الخلل يحتاج إلى علاج سريع وإلى قدرة على احتواء هذا الخروج عن الديانات السماوية كلها، والتي تدعو إلى السلام والسكينة والطمأنينة.
الأمر الثالث وهو أن التفجير رسالة واضحة إلى أن المتشددين يمكنهم الوصول إلى المجتمعات الآمنة، وبلوغ هدفهم الآتي بعد العراق وسوريا وهذا يجعل الأمر أكثر خطورة. رابعاً أن دول الجزيرة العربية يُراد لها أن تكون ضمن الفوضى التي تعمّ منطقة الشرق الأوسط وأن تكون مرتعاً للتنظيمات التي خرجت منها للجهاد في أفغانستان في مطلع ثمانيات القرن الماضي، وبالتالي لن تكون بمعزل عمّا يحدث.
خامسا تريد التنظيمات المذكورة البدء في زعزعة الاستقرار والأمن بهدف التمدد جنوباً في شبه الجزيرة وإضعاف دُوَلها حتى تتمّ لها السيطرة الجغرافية على الأرض. سادساً إن التفجيرات الماضية وطريقة تنفيذها تحمل بصمات عالمية وتقنية متقدّمة وقدرة على الاختراق والاختيار بعناية للمكان، وهذا يلقي بالشكّ حول تلك العلاقة الغامضة بين هذه التنظيمات وبعض القوى الدولية، ناهيك عن تخاذل التحالف الدولي في إضعاف هذه التنظيمات وضرب المقاومة الشعبية في العديد من البلدان.
وسط هذا الوضع الذي بات يهدّد الحدود الشمالية لدول المجلس فإن الأمر انفلت من عقاله نظراً لاعتبارات عدّة وهي أن بعض الدول ساهمت في دعم المعارضة التي يُطلق عليها المعتدلة للإطاحة ببعض الأنظمة، وهذا كان ولا يزال خطأ فادحاً لأن السيطرة على المعارضة أو التنظيمات التي استفادت من الدعم العسكري والمالي والدعم الإقليمي الدولي الذي يقدَّم لعناصرها لا يمكن أن تتحقق، وهذه التفجيرات هي ذلك الارتداد الذي لم نكن نتوقعه في ماضي الأيام، وقد تستمرّ في مواقع أخرى وهذا ما سيؤثر على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
اليوم بات على حكومات دول المجلس وضع استراتيجية ردع ليس فقط تنفذ على أراضيها، بل في الدول المجاورة وأن تتبنى مع الدول العربية الأخرى التي ما زالت تستطيع أداء دورها المؤثر لتلك الاستراتيجية في إخماد نيران الحروب والفتن في العراق وسوريا واليمن وليبيا، وإيجاد آلية إعادة الاستقرار إليها برؤية أخرى مختلفة عن التي يتبناها البعض حالياً، وأن تساهم جامعة الدول العربية ومعها تركيا بدور أكبر في ذلك لأنّ توسّع هذه التنظيمات لن يتوقف عند حدّ معين وستكون تركيا ضمن الدائرة المستهدفة ومعها دول المجلس والشرق الأوسط و»الغرب الأوسط» وحتى جبال الأطلسي، رؤية تعيد للأمّة كيانها وقدرتها وخروجها من حال التمزق والتشرذم الذي تئنّ منه.