إصابة 15مواطنا جراء العدوان على صنعاء    نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي يعزي في استشهاد عمر عبده فرحان    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    رسميًا.. بايرن ميونخ بطلًا للبوندسليجا    تشيلسي يضرب ليفربول ويتمسك بأمل الأبطال    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    تدمير المؤسسة العسكرية الجنوبية مفتاح عودة صنعاء لحكم الجنوب    فشل المنظومات الاعتراضية الأمريكية والإسرائيلية وهروب ثلاثة ملايين صهيوني إلى الملاجئ    ورطة إسرائيل.. "أرو" و"ثاد" فشلا في اعتراض صاروخ الحوثيين    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    وزير الصحة ومنظمات دولية يتفقدون مستشفى إسناد للطب النفسي    في خطابه بالذكرى السنوية للصرخة وحول آخر التطورات.. قائد الثورة : البريطاني ورط نفسه ولينتظر العواقب    قدسية نصوص الشريعة    فيما مصير علي عشال ما يزال مجهولا .. مجهولون يختطفون عمه من وسط عدن    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    في ذكرى الصرخة في وجه المستكبرين: "الشعار سلاح وموقف"    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    تطور القدرات العسكرية والتصنيع الحربي    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    دوي انفجارات في صنعاء بالتزامن مع تحليق للطيران    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    التحذير من شراء الأراضي الواقعة ضمن حمى المواقع الأثرية    شركات طيران أوروبية تعلق رحلاتها إلى "إسرائيل"    صنعاء .. طوابير سيارات واسطوانات أما محطات الوقود وشركتا النفط والغاز توضحان    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    العشاري: احراق محتويات مكتب المعهد العالي للتوجيه والارشاد بصنعاء توجه إلغائي عنصري    نصيحة لبن بريك سالم: لا تقترب من ملف الكهرباء ولا نصوص الدستور    تحالف (أوبك+) يوافق على زيادة الإنتاج في يونيو القادم    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 52535 شهيدا و118491 مصابا    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    وزير الدفاع الإسرائيلي: من يضربنا سنضربه سبعة أضعاف    «كاك بنك» يدشن خدمة التحصيل والسداد الإلكتروني للإيرادات الضريبية عبر تطبيق "كاك بنكي"    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    وفاة طفلتين غرقا بعد أن جرفتهما سيول الأمطار في صنعاء    الدكتور أحمد المغربي .. من غزة إلى بلجيكا.. طبيب تشكّل وعيه في الانتفاضة، يروي قصة الحرب والمنفى    وجّه ضربة إنتقامية: بن مبارك وضع الرئاسي أمام "أزمة دستورية"    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    92 ألف طالب وطالبة يتقدمون لاختبارات الثانوية العامة في المحافظات المحررة    يفتقد لكل المرافق الخدمية ..السعودية تتعمد اذلال اليمنيين في الوديعة    لاعب في الدوري الإنجليزي يوقف المباراة بسبب إصابة الحكم    السعودية تستضيف كأس آسيا تحت 17 عاماً للنسخ الثلاث المقبلة 2026، 2027 و2028.    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    أين أنت يا أردوغان..؟؟    مع المعبقي وبن بريك.. عظم الله اجرك يا وطن    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل- إحداثيات على مسرح الاضطراب الكبير من صنعاء إلى سيناء
نشر في المنتصف يوم 12 - 11 - 2015

تلك لحظة مفعمة بالخطر ، لكنها مشبّعة بالحقائق ، كما هى مليئة بالأكاذيب غير أن فصل الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، لم يعد صعباً ، وإن حاولت قطعان السحب المعتمة ، أن تسدّ منافذ الرؤية ، وأن تحجب خيوط الشمس. ولذلك لا شئ فوق إحداثيات هذا المسرح الإستراتيجى الممتد بطول وعرض وعمق الاقليم ، عشوائى ، وإن بدا كذلك ، وليس ثمة ظاهرة منفصلة عن غيرها من الظواهر ، فكل الظواهر متداخلة وكل التفاعلات مفتوحة على سواها من التفاعلات ، وإن بدت المسافات بينها واسعة ، والجذور مقطوعة ، فدفع القاعدة وداعش الى التمدد المفتوح فى جنوب اليمن ، ليس بعيداً عن البحر الأحمر ومداخله ومخارجه ، وصولاً الى البحر الأبيض ، أو حتى الباسفيك ، والمعركة التصادمية قرب دمشق ، ليست بعيدة عن بغداد ، مثلما ان ما يجرى فى حلب ليس بعيداً عن صنعاء ، وليس مقطوع الصلة بالاوضاع فى سيناء ، أو طرابلس ، أو الأنبار ، فكلها رؤوس جسور متوازية لا متقاطعة .
وليس مرّد ذلك – فقط – إلى وحدة الاقليم كبيئة استراتيجية واحدة ، ولكن مرده – أيضا الى وحدة عناصر الاستراتيجية المضادة التى تدفعها الولايات المتحدة دفعاً ، بقوى اقليمية ، بعضها طامع وطيّع ، وبعضها يجمع بين الطمع والطاعة وضيق الافق ، وهى تمدّ من ظهورها جسوراً ، تعبر فوقها الموجة الثالثة من الانقلاب الاستراتيجى الشامل فى أوضاع الاقليم ، الذى بدأ عملياً بالفتح الإستراتيجى لضرب العراق.
***
عندما يقول ( بارنا باجوليه ) مدير الاستخبارات الفرنسية الخارجية فى مؤتمر شارك فيه ( جون برينان ) مدير C.I.A ، أن الشرق الأوسط الذى نعرفه قد انتهى الى غير رجعة " فإن الرد الطبيعىّ عليه ، ينبغى أن يكون قولاً بقول ، وهو " أن الغرب الذى نعرفه قد انتهى بدروه إلى غير رجعة " ، وإذاا كان كلام ( باجوليه ) يدور حول الحدود فى دولتين هما سوريا والعراق ، فهو يعيد تكرار ما قاله ( أوباما ) نفسه ، قبل عام ، وإن كان يطلّ من نافذة أطماع استعمارية قديمة ومتجددة .
أمّا أن هذا الغرب الذى نعرفه قد إنتهى ، فإن الأمر ليس متعلقاً بالحدود التى رسمها الدم الغربى المسفوك فى صدامات أوروبا على امتداد ثلاثة عقود متصلة ، وإنما عن المكوّن الغربى والتراث الغربى ، أو قل الحضارة الغربية التى قامت على اكتاف عصر النهضة ، فأكبر المظاهر وضوحاً فى الحالة الأوربية الراهنة ، هو أن بنية هذا المجتمع الذى أنشأه عصر النهضة بمنظومات قيمه الأخلاقية ، وإبداعه الفكرى والثقافى ، آخذة فى التفكّك ، وأن هذا الغرب الذى أنهى مُكْرهاً مرحلة الحروب الصليبية ، التى لم تكن أكثر من تعبير عن أزمة اقتصادية واجتماعية فى ظل هيمنة الكنيسة والإقطاع يعود إليها ، وأن هذا الغرب الذى أنهى مهزوماً فى السويس مرحلة الظاهرة الاستعمارية قبل ستين عاماً ، بعد أن امتدت خمسمائة عام ، يعود إليها ، وأن حواسه الاستعمارية قد استيقظت يانعة مرة أخرى ، فى ظل كساد عظيم ، وأزمة اقتصادية هيكلّية مستعصّية ، وإفلاس بادٍ لمشروعه السياسى والاجتماعى والفكرى ، والحقيقة التى لا مراء فيها ، أن أكثر المظاهر شيوعاً ووضوحاً فى مقدمات انهيار الحضارات ، هو تحلل قواعدها القيميّة والأخلاقيّة ، وهو ما أحسن وصفه مفكر فرنسى مرموق هو ( فوكو ) بقوله " إن مبدأ القتل من أجل العيش الذى كان يسود القبائل البدائية القديمة ، قد أصبح المبدأ السائد لقتل الآخر " أى قتله بمعنى " الهوية ، وبمعنى الحضور ، وبمعنى الوجود .
ومن الواضح أنه مع استيقاظ الحواس الاستعمارية القديمة تحت ظلال الإستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط ، بينما تناضل أمريكا نفسها ضد التآكل ، يتم تجديد الخطاب الاستعمارى القديم للشرق ، وتبدو فكرة النموذج المسيطر ، والمركزية الأوربية ، على مقاس هذا الشرق الأوسط الذى يعاد تشكيله بالحديد والنار ، وبعيداً عن الرد النظرى على السيد ( باجوليه ) ، فيكفى القول أنه كان بذاته وبجهاز مخابراته الفرنسى ( دى . جى . أس . إيه ) هو صاحب المبادرة فى تأسيس وإنشاء أكثر التنظيمات الارهابية دموية فى اليمن قبل سنوات ، وهو تنظيم " أنصار الشريعة " الذى بدأ نشاطه فى ( حضر موت ) و ( شبوه ) لحماية شركات البترول الفرنسية ، ثم استكمله بالتخصّص فى عمليات إرهابية واسعة ، لقتل قادة وضباط وجنود الجيش اليمنى ، قبل أن يعلن ولاءه لتنظيم الدولة ، ويواصل حتى الآن تأدية وظيفته الدمويّة ، كما أن كلمات السيد ( باجوليه ) قد تجد تفسيراً أعمق فى الدعوة الحارة التى أطلقها السيد ( هاكان فيدان ) رئيس مجلس الأمن القومى التركى ، إلى فتح مكتب أو قنصلية ، ل ( داعش ) فى ( اسطمبول ) على أساس أنها أصبحت واقعاً فعلياً ينبغى الاعتراف به ، حسب كلماته ، كما أنها قد تجد تطبيقا عمليا ناطقا فى آخر خريطة طُبعت فى إسرائيل للشرق الأوسط ، وتضمنت دولة جديدة اسمها ( داعش ) تضم المناطق التى تسيطر عليها فى سوريا والعراق معاً ، كما أنها قد تجد سنداً نظرياً فى مقالة نشرتها ( فورن بوليسى ) دفعاً عن إضفاء الشريعة الدولية على تنظيم الدولة الإسلامية بعد حين ، إذا استخلصت من حكمة التاريخ أن ارتكاب الفظائع والمذابح الجماعية ، لا يمنع من النجاح فى المستقبل ، باحثة عن سند لحكمتها المصنوعة ، فى الثورة الفرنسية نفسها ، وفى مذابح الأرمن ، وفى حروب الثلاثين عاماً فى أوروبا ، وبالتالى فإن الطريق إلى اضفاء هذه الشرعية على داعش ، يتطلب وضعها فى سياقها التاريخى ، لأن الرحمة – حسب تعبير أحد جنرالات الثورة الفرنسية " ليست شعوراً ثوريّاً ".
أما ما تبقّى من فيض الرؤية الأمريكية والغربية عموماً ، فتستطيع أن تجده فى موضوع سبق وأن نشره الموقع الالكترونى لمجلة ( فورن بوليسى ) لسان حال مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية ، حيث قدم تصنيفاً لأكثر قادة العالم نجاحاً خلال السنوات الثمانى الماضية ، وفى حين اختار الرئيس ( بوتين ) كأول الناجحين لتوسيعه النفوذ الروسى ، اختار الى جانبه السيد ( آيه الله خامنئ ) لفوزه بالاتفاق النووى ، وإذا كانت المستشارة ( إنجيلا ميركل ) قد احتلت المرتبة الثالثة فى التصنيف ، لدورها فى إنقاذ اليورو ، فقد احتل ( أبو بكر البغدادى ) موقع ثاني قادة العالم نجاحاً ، على اعتبار أنه " كانت له انجازات بارزة فى العالم بأكمله خلال السنوات الماضية ، فقد استطاع الحفاظ والسيطرة على مساحات واسعة من الأرض ، فضلاً عن الأموال والأسلحة التى استولى عليها ... الخ " ، وما يعنينا هو الجانب الاعمق فى هذا التصنيف ، وهو المعايير الغربية المستجدّة التى شكّلت قواعد الاختيار ، وهى النفوذ والتوسع ، والسيطرة على الأرض ، بغض النظر عن برك الدماء ، وجبال الضحايا ، وعوام الفوضى ، وخراب العمارة والحضارة ودهس أكثر قيم الإنسانية رسوخاً.
لقد كتب ( فيسك ) اعترافا جارحاً كان نصّه : " إن الغرب لا يقيم وزناً للبشر فى الشرق الأوسط" ، ولكنه لم يقل لماذا ؟ وقد كان عليه أن يفسّر ذلك تفسيراً واقعياً باعتباره منتوج حضارة تنهار ، وتفقد ما تبقى من سندها الاخلاقى و القيمى و الانسانى ، بعد أن شاخت روحها ، وفسدت بضاعتها ، ودخلت فى طور أزمة ذاتية خانقة ، لكن الواضح أن الجانب الأعمق فى ذلك كله ، موصول ببناء ترسانة فكرية ، للعبور نحو ( داعش ) وما يماثلها ، واحتضانها فى النور ، بدلا عن الغُرف المغلقة ، باعتبارها النطفة الشرعية ، لتلك الحضارة المأزومة .
ثمة حقائق تزداد سطوعا فى اللحظة الراهنة :
1- لقد أصبح من الواضح دون مواربة ، أن أدوات الإستراتيجية الأمريكية فى اليمن ، باعتبارها جزءا من الاستراتيجية العامة لها فى الاقليم – قد أكدت فشلها المطلق ، وأفقها المغلق ، وأنها استنفدت طاقتها ، وما فاض مضاعفاً عن الوقت المتاح لها ، وأن كسر إرادة اليمن بعد كل هذا الفاصل المجنون المعجون بالدم ، لن يكون ممكناً ، وأن رحلة الصيد الدمويّة لن تعود بالفريسة معلقة من أرجلها ، وأن عوائد الموت والهدم والدمار لن توضع فى ميزان النصر الاستراتيجى الذى يُبقى عليه الزمن ، فلا شئ سيبقى عليه الزمن من هذه الحرب المنفلتة ، سوى منتوجها المادى المباشر هدما وقتلاً وخراباً ودماً وانقساماً وفوضى ، وسوى منتوجها المعنوى المباشر ، نيران ثارات لن تبرد وأنين جراح لن تهدأ ، وحقوقاً مستلبة لن تموت .
2- لقد أصبح من الواضح دون مواربة ، أن رفع مستوى استخدام القوة والقصف من الفضاء باستخدام الاسلحة التقليدية ، كمّا الى مستوى استخدام اسلحة الدمار الشامل كيفاً ، لم يكن غير تعبير مبكر عن الاحساس بالإخفاق ، وغياب القدرة على الحسم ، فكلما تباعدت المسافة بين القوة والعقل ، وكلما امتلأت هذه المسافة احساساً بالعجز عن تحقيق الأعمال الحربية لعوائدها المنتظرة ، كلما بدت القوة أكثر توتراً واستفزازاً ، وبدت علامات الجنون فى سلوكها العسكرى أكثر وضوحاً ، وكأنها تعمد إلى تغطية فشلها أمام نفسها ، قبل تغطيته أمام الآخرين ، وهكذا تغدو البيوت الآمنة ، والمستشفيات المتهالكة ، والمدارس المتآكلة ، والشوارع والحارات الرثّة ، وسيارات الركوب المشحونة بأكوام بشرية ، والأسواق الشعبية ، ومحطات الكهرباء والماء والوقود ، وقوارب الصيد ، بل والمقابر ، أهدافاً استراتيجية فى حد ذاتها ، وإذا كان هذا هو الجانب الأول من المعادلة ، فمن الطبيعى فى بلد يكاد أهله أن يموتوا جوعاً ، ويهلكوا ظمأ ، وتنسدّ أمامهم الآفاق حصاراً ، وتغيب عنهم سبل الحماية ، ويفقدون أبناءهم ونساءهم وأطفالهم تحت أنقاض البيوت ، وينظرون إلى العالم من شقوق سماواتهم المفتوحة نظرة من لا يرى بشراً ، ولا عدلاً ، ولا نظاماً دولياً أو إقليمياً وإنما قطعان من المصالح الضيقة والمكاسب العابرة ، والصمت الخجول ، أقول من الطبيعى أن يضيفوا فى كل يوم جديد زاداً جديداً الى طاقة المقاومة فى صدورهم ، وأن يضخّوا رغم الجوع والفاقة والنزيف ، دما جديداً غاضباً ورافضاً وملتهباً فى عروقهم ، لتتكافأ المعادلة فى جانبيها ، إصرار عقيم على الإخضاع والسيطرة وكسر الارادة ، قبل أن يستوى تمثالاً كبيراً من الفشل ، وإصرار عنيد على المواجهة والمقاومة والرفض على الجانب الآخر ، مازال قادراً على أن يرفع سماوات اليمن على أكتافه المدمّاة العارية .
3- لقد أصبح من الواضح – أيضا – أن قرار الحرب على اليمن ، مع ذلك – لم تكن نزوة طموح شخصىّ قاهر ، وأن كان هذا الطموح القاهر ، قد استجاب له ، ووجد فيه ضالته فلم يكن قرار الحرب إلا أحد أبعاد الاستراتيجية الأمريكية المعدّلة ، بعد أن هشّمت ثورة 30 يونيو فى مصر واجهتها ، لكن الانغماس فى هذه الحرب ، والاستئثار بدور القيادة فيها ، كان مردّه إلى فهم مغلوط ، بأن المراكز الحضارية التاريخية التى تنقلّت بينها سيوف القوة ، ودروع المقاومة وتناوبت فى أحقاب ماضية من التاريخ ، الدور الفاعل الأكبر فى الاقليم ، قد خفَ وزنها ، وشحب تأثيرها ، وأن الأفق الإقليمى قد أصبح خالياً من شمسه المصرية ، القاهرة القادرة على أن تتقّدم الصفوف ، وأن تلد نهاراً عربياً جديداً ، أما سوريا فهى تقاوم المؤامرة وأكثر من نصف جسدها مضرج بالدم ، وأما العراق فقد وقع فريسة بين أنياب مشروع التقسيم وأنياب داعش .
هكذا تحركت شهوة السلطة والثروة معاً – مدّعية لنفسها أنها أصبحت القوة المتفردة المؤهلة لقيادة الأمة ، وأن زمانها قد حان ، وموعدها قد دنى ، غير مدركة أنها يتم دفعها إلى بحر رمال بغير ضفاف ، وأن ما تحسبه صعوداً لن يكون غير هبوط ، وما تحسبه نصراً مؤزراً ، لن يكون غير انكسار فى الدور ، وتمزّق فى النواة الداخلية .
4- ولقد أصبح من الواضح – أيضاً – أن قوى بعينها طامحة وطامعة وجدت على حواف الإستراتيجية الأمريكية المعدّلة ، ما يجدد أطماعها ، ويرمّم أوضاعها ، ويفتح أمامها أفقاً جديداً للسطوة والصعود ، ففى اللحظة ذاتها ، كانت تركيا التى اسقطت مصر بسيف الثورة من فوق رأسها ، عمامة الإمبراطورية العثمانية الجديدة ، تتوقّد حواسها الإستعمارية بحثا عن مغنم يعيد ترميم أطماعها الإمبراطورية التى تهاوت ، بينما كانت ايران وهى قاب قوسين من توقيع الاتفاقية النووية ، تطلق خطاباً مستجدّا ، بدا كأنه خطاب إمبريالية صغرى فى الإقليم ، ولم تكن وحدها فى ذلك الإدعاء ، فالواقع أن ضباب المتغيرات العاصفة فى الاقليم قد انكشف فجأة ، عن ما يكاد أن يكون ثلاث امبرياليات صغرى غير عربية ، بدا أن كل منها طامع وطامح فى أن يكون الوريث الأول للإقليم أو ما تبقى منه ، إضافة إلى امبرياليه صغرى فى جنوبه ، هى اثيوبيا بجلوسها على رأس مصر بصنبور الماء ، وبقاعدة أمريكية فى جنوبها ، بمدينة ( أربا منش ) قرب الحدود الإريترية .
ولقد بدا المشهد مزعجاً ، حدّ أن رسائل القوة غير العربية كانت موحية للبعض ، بأن هناك اسرائيليات جديدة رأت أن قيامتها قد حانت فى المنطقة ، فضلاً عن اسرائيل القديمة ، استنادا إلى نزعة مشتركة فى التوسع والسطوة والسيطرة وتعظيم النفوذ ،فى دوائر واسعة فى الاقليم ، لتقوم بموجب ذلك وفق الاستراتيجية الأمريكية ذاتها ، أربع امبرياليات صغرى كرؤوس مستطيل حاكم للإقليم ، يتولى نيابة عن الامبريالية الكبرى ، ضبط تفاعلاته الداخلية ، بغض النظر عن الأحجام والأدوار والمجال الحيوى لكل منها ، بينما ينكفئ الإقليم العربى وتنكفئ العروبة على نفسها ، وتتحول من فاعل الى مفعول ، ومن نور إلى ظل ، ومن وحدة إلى تشرذم ، ومن استقرار إلى فوضى ، ومن وجود إلى عدم .
5- ولقد بات واضحاً دون مواربة أن المراجعة الأمريكية لإستراتيجية الحرب على اليمن ، بعد هذه الشهور المثقلة بالإخفاق والفشل ، قد ساهمت فى خلق قدر من غموض المستقبل ، لا فى اليمن ، وإنما فى السعودية نفسها ، وقد أصبح لدى الولايات المتحدة قدرا من اليقين ، أن المنتوج الواضح للتفاعلات المنظورة فى الحرب على اليمن ، لن تكتفى بعدم إنتاج الأهداف المرسومة لها ، ولكنها ستؤدى فوق ذلك ، إلى إنتاج مقلوب هذه الأهداف ، وأن هذا لا يعنى إنهاء الحرب ، وإنما استبدال أدواتها بأدوات جديدة ، وبتكتيكات مختلفة ، ربما تكون أكثر قدرة وفاعلية ، وأقل إفلاساً وإحباطاً ، فيما تحققه من نتائج .
ولقد كان ذلك – على سبيل المثال – بالغ الوضوح فى التقرير الصادر عن مجموعة من الخبراء والقادة العسكريين والأمنيين الأمريكيين ، الذين شاركوا فى صياغته ، كمحصلة لمؤتمر موسع بدعوة من معهد ( بروكنجز ) ، فقد استبعد التقرير ، إمكانية الحصول على نصر حاسم يتمثّل فى احتلال ( صنعاء ) ، بمدى زمنى لا يقل عن عام كامل ، مصحوباً بالتضحية بآلاف القتلى من القوات النظامية التى ستنخرط فى أعمال القتال ، لكن البعد الأكثر مدعاة للملاحظة والقلق فى التقرير ، هو ما تنبأ به بخصوص الداخل السعودى ، والذى وصفه ب " تمدد الإرهاب وانتقال الفوضى الى داخل المدن السعودية " وهى اشارة لا لبس فيها إلى عوائد استمرار تعّمق الجيش اليمنى فى المدن السعودية ، إذا طال سقف الحرب بأدواتها الراهنة ، ولقد كانت ترجمة ذلك الواضحة هي وقوف وزير خارجية بريطانيا والسعودية ، وهما يتحدثان عن أن عمليات التحالف العسكرية بقيادة السعودية ، تقترب من نهايتها " ، وإن كان الوزير البريطانى قد ردّ قرب هذه النهاية الى ان قوات التحالف " باتت تشغل موقعاً عسكرياً مهيمناً " فإن بعض أوضاع هذا الموقع ليست قائمة ، وبعضها الآخر ليس متماسكاً فوق الأرض .
غير أن الشاهد أن كلمة " قريبا" إذا استخدمنا لغة صالات عروض السينما ، لا تعنى أن ما سيعرض قريباً هو العرض التالى مباشرة ، وإنما هو العرض اللاحق ، وبالتالى فأغلب الظن أن هناك عرضاً أو مشهداُ تالياً سيسبق العرض أو المشهد المنتظر قريباً ، وهذا الفاصل أو المشهد التالى مباشرة ، لا نستطيع أن نحدد ما إذا كان فاصلا ختاميا ثأريا بالقنابل العنقودية ، كما ظهر خلال الأيام القليلة الماضية ، أو تهيئة للمشهد التالى فوق مسرح العمليات ، بإنزال أسلحة وأدوات جديدة ، كما ظهر – أيضا – من أطنان الأسلحة الثقيلة التى تم دفعها إلى مؤخرات رؤوس الجسور فى مواقع الصدام المباشر فى بعض مدن الجنوب والوسط ، لكن اللافت أن العقود التى اُبرمت مع قوات المرتزقة الكولومبية ، أمدها ثلاثة شهور ، لكن ذلك لا ينفى أننا أمام حرب ، ستتدافع صور الإعلان عن قرب نهايتها ، لكنها ستستمر بوسائل أخرى .
***
كان ينبغى أن نتحدث عن ثلاثة تطورات بارزة أخرى ، الأول فى سوريا ، حيث استطاعت روسيا أن تنتزع المبادرة الإستراتيجية فى يدها ، والثانى فى العراق ، حيث يبدو أن هناك سعياً حثيثاً ، لإيقاف محاولات التصدى لداعش ، سواء من الفضاء أو من على الأرض ، والثالث فى مصر حيث تجرى على قدم وساق محالاوت محمومة ، لضخ احتقان ساخن فى قلب الاقليم ، وهذه التطورات ليست معزولة عن بعضها ، وليست مقطوعة الصلة ، ولذلك فإن ما يمكن إضافته – دون دخول فى التفاصيل الآن ، أن الغرب الذى يخوض حربأ فاصلة ، لإعادة تعريف نفسه وحل أزمته ، لن يكتفى فى المرحلة القادمة ، بتحويل الشرق الأوسط إلى بؤرة الاضطراب العالمى الكبير ، وإنما سيسعى إلى تحويله الى مسرح مفتوح لهذا الاضطراب العالمى الكبير !
( وللحديث بقية ) ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.