منذ الغزو الهمجي الذي قامت به دول حلف العدوان على اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، لم نشاهد في عدنوالمحافظات الجنوبية سوى المزيد من المعاناة والأعمال الإرهابية المُرعبة، وبقيت مدينة عدن مُنذ الاحتلال المباشر في يوليو 2015م مدينة يحكمها ويديرها (الأشباح)، إذ لا يكاد يمر يوم إلا بحدوث أكثر من جريمة بشعة لم تألفها عدن المسالمة. سبق لي أن كتبت عدداً من المقالات في هذا المضمار، وسبق وأن نبهت، بحكم موقعي في قيادة السلطة المحلية بعدن آنذاك، بأن التكتيكات الخاطئة ستقود حتماً إلى نتائج مُهلكة لمن سيقود عدن بعد انتهاء جولة الصراع العسكري بين الفرقاء السياسيين الذين امتشقوا السلاح لحل خلافاتهم السياسية التي عجزوا كسياسيين في أن ينهوا الأزمة السياسية التي بدأت تعصف باليمن في مطلع فبراير العام 2011م في أحداث ما سُمي، آنذاك، بالربيع العبري أو العربي سيان، وما تلاه من تسويات عبر المبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة التي حُددت بفترة عامين فحسب، وما تلا ذلك من اجتهادات نرجسية في تفسير بنود المبادرة الخليجية لكي تخدم المُستفيدين من وجود الأزمة منذ بداياتها، وأرادوها مقننة عبر بنودها التي نسي البعض أن الساحة اليمنية تَعج بالمتخاصمين الذين يستدعون الماضي بكل مآسيه لتوظيفه في لحظة المواجهة بين الفرقاء، ولهذا ننصح بعدم تكرار خطاء لي عُنق الحقيقة مرة أخرى في وضع أية مقاربات لحل جذور الأزمة التي أوصلت اليمن إلى ما هي عليه، ووضع تصنيفات غير موفقة بتوظيف مفردات قد جرتنا مُنذ البداية إلى ما نحن عليه من تبعات ومآسي العدوان الخارجي الوحشي على اليمن. - عدن: الأهالي يخلون منازلهم بمحيط قصر "معاشيق" جراء المواجهات
ومن مُعطى المعايشة اليومية في عدن قبل اشتعال الفتنة الكبرى على مستوى اليمن، تم تحشيد كل الطاقات بين فريقي الصراع في اليمن، فكل طرف من طرفي المعادلة قد استدعى كل قواه السياسية والاجتماعية وحتى العسكرية والأمنية وبدأ بالتحضير الجماهيري والدعائي للتعبير عن توجهه المستقبلي، وكل فريق أصاب وأخطأ في كل تكتيكاته لما قبل المنازلة العسكرية في أجزاء واسعة وعديدة من اليمن، دعونا نقترب من مكوني الفريقين لتسهيل الاستنتاج المراد الوصول إليه من هذا التحليل. الفريق الأول: يتكون من القوى السياسية الآتية: أحزاب اللقاء المشترك، وهم التجمع اليمني للإصلاح "الإخوان المسلمون"، الحزب الناصري الوحدوي، الحزب الاشتراكي اليمني، وحزب الحق وأحد أحزاب البعث، وهذا المشترك من الأحزاب استطاع أن يضم إليه أحزاباً صغيرة نشأت بعد الأزمة مباشره على المستوى الوطني وكذا بضم عددٍ من فصائل عدة من الحراك السلمي الجنوبي ذات النكهة الاشتراكية باعتبار أن معظم قيادات الحراك الجنوبي هم إما اشتراكيون لا زالوا منظمين تنظيمياً للحزب الاشتراكي، أو أنهم قيادات سابقة بالحزب. وفي أثناء التحضير للحرب، وسعوا من تحالفاتهم العسكرية والأمنية لتشمل الحراك الجنوبي المسلح، ومقاتلي الأحزاب السلفية، ومقاتلي تنظيم القاعده وداعش، بالإضافة إلى من تبقى من وحدات الجيش والأمن على محدوديتها العددية والتجهيزية؛ لأن المعسكرات قد نُهبت بأسلحتها الثقيلة والخفيفة من كل هذه القوى المتناقضة أصلاً. الفريق الثاني: يتكون من أنصار الله (الحوثيين) بجناحيهم السياسي والعسكري بقيادة السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي، وحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس السابق/ علي عبدالله صالح وحلفاؤه من الأحزاب الوطنية الأخرى، يضاف إليهم قواهم الاجتماعية والقبلية ووحدات عسكرية كاملة وقادة وأفراد من مؤسسات الجيش والأمن الوطنيين الذي تعرضوا طيلة السنوات الماضية ما بعد الأزمة السياسية إلى إهانة الشرف العسكري اليمني المتكررة من قبل قيادات الاخوان المسلمين والرئيس التوافقي/ عبدربه منصور هادي من جراء سياسات التدمير المبرمج لتمزيق وهيكلة وتصفية المؤسسة العسكرية اليمنية الوطنية وقياداته العسكرية المُحترفة والمُؤهلة علمياً. ومع بدء المعارك وقع طرفا النزاع العسكري والسياسي في خطأين قاتلين، هما: أولاً: نزول مقاتلي أنصار الله واللجان الشعبية إلى جانب وحدات الجيش والأمن إلى مدينة عدن وعدد من المحافظات الجنوبية، ولكنهم استدركوا في لحظة ما ذلك الخطأ وانسحبوا منها أو أُجبروا على الاندحار العسكري كما يَزعم خصومهم بالداخل والخارج. ثانياً: أن استدعاء قوات الدول الأجنبية بقيادة المملكة العربية السعودية للاعتداء على اليمن من قبل القيادة (الرسمية) في اليمن، بل والتنسيق المستمر مع تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين، كان عملاً قاتلاً لهذا الفريق من الناحية الأخلاقية، إذ لازال هذا الفريق يقاتل بشكل موحد في جبهات المواجهة ضد الجيش اليمني واللجان الشعبية في كلٍ من تعز ومأرب والجوف وميدي، علماً بأن هذا الفريق ينكر حدوث مثل هذا التنسيق المشترك إلى أن جاء التقرير التلفزيوني من قناة ال BBC الذي بُث في 22 فبراير 2016م وفضح ذلك التنسيق بينهم. - مفاوضات تسليم القصر الرئاسي فشلت.. سيناريو أسوأ ينتظر عدن ومن خلال مشاهدة بانوراما الأحداث والحرب الدائرة رحاها في اليمن وهذا العدوان البربري غير المسبوق الذي ذهب ضحيته آلاف الشهداء والجرحى، وتدمير البنية التحتية لليمن الفقير، وفي ذات المشهد يُلاحظ المُراقب، ذلك الصمود الاسطوري الذي يجترحه الشعب اليمني بجيشه ولجانه الشعبية المدافع ببسالة عن حياض الوطن وسيادته ووحدته. فاليمن ودول الجوار لمجلس التعاون الخليجي لن ترى الأمن والسلام إلا باتباع خارطة طريق واقعية مُفضية إلى توطين الأمن والاستقرار في اليمن على النحو الآتي: أولاً: اتخاذ قرار شُجاع بإيقاف العدوان وإنهاء حالة الحصار غير الإنساني المفروض على اليمن، والإفراج عن الأسرى من كلا الطرفين، وللعلم أنه وبعد قرابة العام من عدوان بربري وحشي لم تُحقق دول التحالف شيئاً يذكر مما أعلنته من أهداف عسكرية وسياسية منذ الأسبوع الأول وإلى الشهر الثاني عشر، وتذكير المنظمة الدولية النائمة (الأممالمتحدة) بمسؤولياتها الأخلاقية تجاه المجازر التي يتعرض لها المواطنون العزل من اليمنيين. ثانياً: الدخول في حوار سياسي مباشر وجاد بين الخصوم والفرقاء السياسيين اليمنيين، والتركيز على قضية الشراكة السياسية الوطنية لإدارة شؤون الحكم والدولة، وتضمين الحل السياسي القادم القضية الجنوبية باعتبارها محوراً مهماً في الأزمة اليمنية برمتها. ثالثاً: يشمل الحوار، الحوار غير المباشر بين اليمن والسعودية، والتفكير الجدي بين طرفين يتشاركان في الجغرافيا والتاريخ، وكون مناطق حدود التماس الآن تشهد قتالاً ضارياً بين الجيش اليمني واللجان الشعبية، والجيش السعودي ومن جلبتهم من مجاميع مسلحة بمالها الغزير كي يدافعوا عن حدودها. رابعاً: التفكير بشكل جدي في التزام أخلاقي لإعادة إعمار ما دمرته الحرب من قبل المُعتدين. خامساً: إحدى أهم ما تفضي إليه نتائج أي حوار سياسي هي المصالحة الوطنية الشاملة باستثناء القوى الإرهابية التي لا تحمل أي مشروع سياسي لليمن القادم، مع وضع ضمانات ملزمة وحقيقية بعدم تكرار المأساة التي تعرض لها اليمنيون في هذه الحرب البشعة. وما يتصل بمدينة عدنوالمحافظات الجنوبية التي أصبحت في مُعظمها تحت سيطرة الجماعات المسلحة والجماعات الإرهابية وتُدار بالفوضى غير الخلاقة، وتُقَاد هذه المناطق للمجهول، وللتذكير فحسب للقارىء اللبيب، حينما يتم التهديد العسكري المباشر للمواقع (الرمزية السيادية) للدولة كالمقر المؤقت للحكومة في فندق القصر بحي إنماء بضاحية المنصورةبعدن أو المقرات الرئاسية بجبل معاشيق بضاحية كريتر عدن، أو التهديد المستمر للمسؤولين بالمحافظة المكلفين بأمن المواطن في المدينة، ماذا نتوقع منهم بعد ذلك؟ - رأي- الدكتور عبدالعزيز بن حبتور: مَن يحكم عدن؟ إن مَن لم يستطع حماية مقراته ومواقعه (السيادية) لن يستطيع مُطلقاً تأمين الحماية للمواطنين، ومن ينتظر منهم شيئاً آخر فكأنما ينتظر المرء من السرابِ ماء. عدنواليمن لن يفيدها أي حلول ترقيعية، ولا صناعة أوهام النصر أو الاحتماء لفريق محدد بظلال القوة الخارجية.. لا، على الإطلاق. فعلينا أن نثوب إلى رُشدنا. إن الأزمة الحالية في اليمن ليست أزمة أمنية ولا دينية ولا مذهبية، بل هي أزمة سياسية بامتياز وأن أي خروج عن هذه القاعدة ما هي إلا مضيعة للوقت وإهدار لأرواح ودماء اليمنيين من كلا الطرفين، ومزيد من إذكاء روح الكراهية بين اليمنيين من جهة ومحيطهم العربي في الجزيرة العربية من جهة أُخرى، واستمرار الحرب يجعل شراراتها ولهيبها تقترب من عواصم عربية كالرياض وأبو ظبي والدوحة، وهذا سيناريو محتمل حدوثه وتحبذه الدوائر الإستخبارية في الدول التي بشرتنا ذات يوم بالفوضى الخلاقة ولمصلحة الكيان الصهيوني. وفوق كل ذي علمٍ عليم * رئيس جامعة عدن – محافظ مدينة عدن السابق "راي اليوم"